نَحْنُ الْعَرَبُ  

نَحْنُ الْعَرَبُ  

الْكَاتِبَةُ : هِبَّهُ أَحْمَدَ الْحَجَّاجِ

مِنْ مِنَّا لَمْ يَسْمَعْ فِي يَوْمِ مِنْ اَلْأَيَّامِ ، أَوْ فِي هَذِهِ اَلْأَيَّامِ تَحْدِيدًا عَنْ اَلَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ عَنْ اَلْعَرَبِ ؟ ! مِنْ هُمْ اَلْعَرَبُ ؟ ! اَلْعَرَبَ كَذَا ؟ ! وَالْعَرَبُ يَفْعَلُونَ كَذَا ! اَلْعَرَب يَقُولُونَ كَذَا أَوْ يَتَكَلَّمُونَ كَذَا ! وَالْعَرَب وَالْعَرَبِ وَالْعَرَبِ . . . إِلَخْ .  

فَقَرَّرَتْ أَنْ أَبْحَثَ عَنْ كِتَابٍ يُخْبِرُنِي عَنْ اَلْعَرَبِ ، مِنْ هُمْ اَلْعَرَبُ ، مَا هِيَ صِفَاتُهُمْ ، مَاذَا قَدَّمُوا لِلْعَالَمِ ؟!كُنْتَ أُرِيدُ أَنْ أَعْلَمَ عَنْهُمْ أَدَقُّ تَفَاصِيلِهِمْ . 

مقالات ذات صلة

وَبِالْفِعْلِ وَجَدَتْ كِتَابًا بِعُنْوَانِ : نَحْنُ اَلْعَرَبَ .  

إِلَيْكُمْ مَا كُتِبَ فِيهِ : اَلْعَرَبُ هُمْ شُعُوبٌ مَعْرُوفَةٌ مُنْذُ قَدِيم اَلزَّمَانِ بِعَرَاقَتِهِمْ وَأَصَالَتِهِمْ ، وَاسْمَ اَلْعَرَبِ مَنْسُوبٌ إِلَى لُغَتِهِمْ اَلْعَرَبِيَّةِ اَلَّتِي يَتَكَلَّمُونَهَا مُنْذُ قَدِيمٍ اَلْأَزَلِ وَالزَّمَانِ .  

اَلْعَرَبُ ، شَعْبٌ صَنَعَ اَلتَّارِيخِ ، وَهُوَ اَلتَّارِيخُ فِي اَلْعَالَمِ . شَعْبٌ بَدَأَ مِنْ فَجْرِ اَلْإِنْسَانِ اَلْحَدِيثِ يَعْمَلُ وَيَعْلَمُ وَيُعْلِمُ اَلْإِنْسَانِيَّةَ دَوْمًا إِلَى مَسَارِهَا . اِكْتَشَفَ الشَعْبُ اَلزِّرَاعَةِ وَالْمَجَلَّةِ وَالْمِلَاحَةِ اَلْقَضَائِيَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْبُرُونْزِ وَالْفُرُوسِيَّةِ وَالشِّعْرِ وَالْفَلْسَفَةِ وَبِنَى اَلْأَهْرَامِ وَالتُّرَعِ وَالْقَنَوَاتِ وَالسُّودُودْ وَكُلَّ مَا هُوَ إِنْسَانِي .  

اَلْأَهَمَّ مِنْ ذَلِكَ شَعْبٌ نَزَلَتْ عَلَيْهِ اَلرِّسَالَاتُ اَلسُّمِّاويَّةُ وَحَضَنَهَا وَنَشَرَهَا إلى اَلْعَالَمِ وَسَخَّرَهُ اَللَّهُ لِتَعْلِيمِ اَلْعَالَمِ اَلتَّوْحِيدِ وَعِبَادَةِ اَللَّهِ .

حَيْثُ إِنَّنَا نَنْتَمِي إِلَى اَلْعَرَبِ اَلَّذِينَ شَرَفِهِمْ اَللَّهِ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – بِأَنَّ أَنْزَلَ فِيهِمْ اَلْقُرْآنُ اَلْكَرِيمُ بَعْدَمَا أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ خَاتَمُ أَنْبِيَائِهِ .

نَحْنُ اَلْعَرَبَ بِمَفْهُومِهِ اَلْوَاسِعِ مِنْ كُلِّ اَلشُّعُوبِ مِنْ عَرَبٍ  وَصَلَتْ وَدَافَعَتْ وَاسْتَشْهَدَتْ عَلَى هَذِهِ اَلْأَرْضِ اَلْعَزِيزَةِ وَعَمَّرَتْ وَبِنْتٍ لِلْأَجْيَالِ وَلِلْبَشَرِيَّةِ. 

قَسَّمَ اَلْمُؤَرِّخُونَ تَارِيخَ اَلْعَرَبِ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا إِلَى قِسْمَيْنِ : قَبْلُ اَلْإِسْلَامِ وَسُمِّيَ ( جَاهِلِيَّةٌ ) ، و ( بُعْدُ اَلْإِسْلَامِ ) اَلَّذِي تَمَكَّنَ فِيهِ اَلْعَرَبُ مِنْ سِيَادَةِ إِمْبِرَاطُورِيَّةٍ وَاسِعَةٍ وَمُزْدَهِرَةٍ حَضَارِيًّا ، وَبِخَاصَّةً فِي اَلْعَهْدِ اَلْأُمَوِيِّ ، سَوَاءً فِي دِمَشْقَ أُمُّ اَلْأَنْدَلُسِ ، وَالْعَهْدُ اَلْعَبَّاسِيُّ ، خُصُوصًا اَلْعَهْدَ اَلْعَبَّاسِيَّ اَلْأَوَّلَ وَحَاضِرَتِهِ بَغْدَادَ . هَذِهِ اَلسِّيَادَةِ أَفْرَزَتْ أَنْمَاطًا حَضَارِيَّةً غَنِيَّةً ، وَتَمَازَجَتْ مَعَ اَلشُّعُوبِ اَلْأُخْرَى اَلْمُعْتَنِقَةِ لِلْإِسْلَامِ ، وَانْتَشَرَ اَلِاسْتِعْرَابُ فِي عِدَّةِ أَقَالِيمَ أَهَمُّهَا اَلْهِلَالُ اَلْخَصِيبُ ، وَشَمَالَ وَوَسَطِ وَادِي اَلنِّيلِ ، وَالْمَغْرِبُ اَلْعَرَبِيُّ ، وَالْأَحُوَازْ ، وَبِشَكْلً أَقَلِّ سَوَاحِلِ اَلْقَرْنِ اَلْأَفْرِيقِيِّ ، وَتَعَرَّفَ هَذِهِ اَلْأَقَالِيمِ بِاسْمِ اَلْوَطَنِ اَلْعَرَبِيِّ ، وَيَعُودَ لِمَرْحَلَةِ اَلنَّهْضَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ فِي اَلْقَرْنِ اَلتَّاسِعِ عَشْر ، بُرُوزُ مَلَامِحِ اَلْهُوِيَّةِ اَلْعَرَبِيَّةِ اَلْمُعَاصِرَةِ . 

وَلَعَلَّ أَوَّلُ مَا يَتَبَادَرُ إِلَى اَلذِّهْنِ عِنْدَ اَلتَّكَلُّمِ عَنْ أَصْلِ اَلْعَرَبِ هُمْ اَلْبَدْوُ اَلرُّحَّلُ اَلَّذِينَ كَانُوا يَتَنَقَّلُونَ فِي اَلصَّحْرَاءِ ، وَيَرْعَوْنَ اَلْأَغْنَامَ وَالْإِبِلَ . 

فِي اَلْوَاقِعِ ، قَدْ يَبْدُو هَذَا صَحِيحًا بَعْضَ اَلشَّيْءِ ؛ حَيْثُ أَطْلَقَ اِسْمُ اَلْعَرَبِ عَلَى اَلشُّعُوبِ اَلسَّامِيَّةِ اَلرُّحَّلِ اَلَّتِي قَطَنَتْ فِي اَلْمِنْطَقَةِ اَلْمَعْرُوفَةِ اَلْيَوْمِ بِاسْمٍ شِبْهٍ اَلْجَزِيرَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ ، وَاَلَّذِينَ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِاللُّغَاتِ اَلسَّامِيَّةِ قَبْلَ ظُهُورِ اَللُّغَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ . حَالِيًّا ، وَكَمَا هُوَ مُتَعَارَفٌ عَلَيْهِ ، يُطْلِقَ اِسْمُ اَلْعَرَبِ عَلَى جَمِيعِ اَلنَّاطِقِينَ بِالْعَرَبِيَّةِ ، وَاَلَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي اَلْمِنْطَقَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ اَلشَّاسِعَةِ اَلْمُمْتَدَّةِ مِنْ اَلْمُحِيطِ اَلْأَطْلَنْطِيَّ غَرْبًا إِلَى اَلْخَلِيجِ اَلْعَرَبِيِّ شَرْقًا .

إِنَّ هَذَا اَلِامْتِدَادِ اَلْكَبِيرِ اَلَّذِي يَحْوِي تَنَوُّعًا كَبِيرًا فِي ثَقَافَاتِ اَلشُّعُوبِ اَلْعَرَبِيَّةِ ، خَلَقَ تَبَايُنًا إِقْلِيمِيًّا كَبِيرًا . 

وهُنَاكَ اَلْعَدِيدُ مِنْ اَلتَّفْسِيرَاتِ لِأَصْلِ تَسْمِيَةِ اَلْعَرَبِ بِهَذَا اَلِاسْمِ ، 

نَذْكُرُ مِنْهَا : أَنَّ كَلِمَةَ عَرَبٍ مَنْسُوبَةٍ إِلَى يَعْرُبْ بْنْ قَحْطَانْ وَمُشْتَقَّةٍ مِنْ اِسْمِهِ ، كَوْنُهُ أَوَّلَ مِنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا اَللِّسَانِ اَلْعَرَبِيِّ كَمَا ذَكَرَ فِي عِلْمِ اَللِّسَانِيَّاتِ ، وَلَقَدْ تَعَلَّمَ اَلْعَرَبِيَّةَ إِخْوَتَهُ وَأَبْنَاءَ عُمُومَتِهِ مِنْهُ ، وَهُمْ كَانُوا قَدْ تَرَكُوا بَابِلُ لِيُقِيمُوا بِالْيَمَنِ ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ اَلْقَحْطَانِيُّونَ . 

وَيُذْكَرَ اَلْعَدْنَانِيُّونَ أَنْ أَوَّلِ مَنْ تَكَلَّمَ اَلْعَرَبِيَّةَ اَلْخَالِصَةِ اَلْحِجَازِيَّةِ اَلَّتِي نَزَلَ بِهَا اَلْقُرْآنُ اَلْكَرِيمُ هُوَ اَلنَّبِيُّ إِسْمَاعِيلْ بْنْ إِبْرَاهِيمْ اَلْخَلِيلْ عَلَيْهِمَا اَلسَّلَامُ ، وَكَانَ عُمْرُهُ آنَذَاكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ عَامًا ، وَهُوَ جَدُّ اَلْعَرَبِ اَلْمُسْتَعْرِبَةِ . 

ويقال أيضا، إنَّ كَلِمَةَ عَرَبٍ مُشْتَقَّةٍ مِنْ اَلْفِعْلِ يُعْرِبُ أَيْ يُفْصِحُ اَلْحَدِيثُ ، وَأَصْبَحَتْ تَدُلُّ عَلَى اَلْعَرَبِ كَجِنْسٍ لِفَصَاحَتِهِمْ فِي اَللِّسَانِ ، فَيُقَال : رَجُلٌ مُعَرَّبٌ إِذَا كَانَ فَصِيحًا أَوْ رَجُلاً عَرَبِي اَللِّسَانِ . 

وَبَعْدٌ أَنْ عَرَفْنَا مِنْ هُمْ اَلْعَرَبُ وَمَا هِيَ أَقْسَامُ اَلْعَرَبِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ نَتَعَرَّفَ عَلَّ صِفَاتِهِمْ وَمَمِيزَاتَهَمْ . 

كَانَ اَلْعَرَبُ مُشْهِورِينَ قَدِيمًا بِأَنَّهُمْ أَكْرَمُ اَلنَّاسِ وَ أَكْثَرهُمْ سَخَاءٌ حَتَّى أَنَّنَا نَجِدُ هَذَا اَلْكَلَامِ فِي اَلْكُتُبِ اَلْقَدِيمَةِ وَالْقِصَصِ وَالْحِكَايَاتِ .

اَلْكَرَمُ وَالْجُودُ 

فَكَانَ مِنْ اَلْعَرَبِ شَخْص يُدْعَى حَاتِمْ اَلطَّائِيّ هَذَا اَلشَّخْصِ كَانَ مَشْهُورًا بِالسَّخَاءِ اَلشَّدِيدِ وَحُسْنٍ كَرَّمَ اَلضَّيْفُ ، وَمِنْ اَلْأَشْيَاءِ اَلَّتِي حُكِيَتْ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَهُ عَبْدُ مِنْ عِبَادِهِ بِضَيْفٍ مِنْ ضُيُوفِهِ كَانَ يَعْتِقُ اَلْعَبْدُ مُكَافَأَةً لَهُ عَلَى أَنَّهُ أَتَى لَهُ بِالضَّيْفِ . وَكَانَت تَذْهَبُ اَلذَّبَائِحُ لِيُكْرِمَ ضُيُوفَهُ وَيُقَدِّمُ لَهُمْ أَجْمَلَ اَلطَّعَامِ وَأَحْسَنُهُ حَتَّى أَنَّهُ قِيلَ إِنَّهُ فِي يَوْمٍ لَمْ يَجِدْ مَا يُأْكُلُهُ لِضُيُوفِهِ فَقَامَ بِذَبْحِ خُيِّلَتْهُ اَلنَّفْسِيَّةَ لِيُكْرِمَ ضُيُوفَهُ . فَهَذَا دَلِيلٌ كَبِيرٌ جِدًّا عَلَى أَنَّهُ رَجُلُ صَاحِبِ كَرَمٍ وَاسِعٍ وَسَخَاءٍ وَيُحِبّ مَضَايْفَة اَلنَّاسُ 

اَلشَّجَاعَةَ وَالْفُرُوسِيَّةَ :  

فَقَدْ اِتَّصَفَ اَلْعَرَبُ قَدِيمًا بِصِفَاتِ جَمِيعهَا حَسَنَةً مِنْهَا اَلشَّجَاعَةُ وَصَفَاتِ اَلْبُطُولَةِ ، فَكَانُوا يَعِيبُونَ عَلَى اَلرِّجَالِ اَلَّذِينَ يَفِرُّونَ مِنْ اَلْمَعْرَكَةِ وَيَعْتَبِرُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ اَلرُّجُولَةِ وَأنْهَ يَتَّصِفُ بِعَدَمِ اَلشَّجَاعَةِ ، وَهَذِهِ اَلصِّفَةُ تَظَلُّ مُلَازِمَةً لَهُ فِي جَمِيعِ اَلْأوَقْاتِ وَلَا تَنْتَهِي مَعَ مُرُورِ اَلْوَقْتِ . فَكَانَ اَلرَّجُلُ مِنْهُم إِذْ خَسِرَ مَعْرَكَةً يَتَمَنَّى اَلْمَوْتُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ اَلْفَوْزُ عَلَى خَصْمِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ شُجَاعًا هَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ صِفَاتِ اَلْعَرَبِ . كُلُّ مَا يَتَّصِفُ بِالْبُطُولَةِ هِيَ صِفَاتُ اَلْعَرَبِ وكَانُوا يَهْتَمُّونَ جِدًّا بِالرِّيَاضَةِ وَالْفُرُوسِيَّةِ وَضَرْبِ اَلرِّمَاحِ وَالسِّبَاحَةِ ، لِأَنَّهَا تَصْنَعُ اَلرِّجَالَ وَتَصِفُهُمْ بِالْقُوَّةِ وَتَحَمُّلِ اَلْعَصَائِبِ وَهَذِهِ مِنْ أَكْثَرِ صِفَاتِ اَلْعَرَبِ . 

اَللِّسَانُ اَلْفَصِيحُ :  

هَذِهِ مِنْ مِيزَاتِ وَصَفَاتِ اَلْعَرَبِ أَنَّ لَدَيْهِمْ فَصَاحَةٌ وَطَلَاقَةٌ فِي اَللُّغَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ ، حَيْثُ أنَّهُمْ اِشْتَهَرُوا بِالْفَصَاحَةِ وَالْبَيَانِ شُهْرَةً بَلَغَتْ أَعْلَى اَلدَّرَجَاتِ . فَقَدْ كَانُوا يَجْمَعُونَ أَنْفُسُهُمْ فِي اَلْأَسْوَاقِ أَوْ أَمَاكِنِ اَلِاجْتِمَاعَاتِ أَوْ اَلْمَجَالِسِ اَلْأَدَبِيَّةِ ، وَيَبْدَؤون بِتَدَاوُلِ اَلشِّعْرِ بَيْنَهُمْ وَالْقَصَائِدِ وَالْخُطْبَةِ وَيَتَنَافَسُونَ عَلَى مَنْ فِيهِمْ أَفْضَلُ مِنْ اَلْآخَر وَأَكْثَر مِنْهُ فَصَاحَةً وَطَلَاقَةً فِي اَللِّسَانِ وَاللُّغَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ . 

وَكَانَ اَلْأَمِيرُ يُعِدْ لَهُمْ حَفْلَاتٌ لِهَذَا اَلتَّنَافُسِ وَيَقُولُ اَلَّذِي يُقَدِّمُ لِي شِعْرِ مَدْحِ أَفْضَلَ مِنْ اَلثَّانِي سَأُعْطِيهُ دَنَانِير كَثِيرَةٍ .

فَكَانَ ذَلِكَ دَافِعًا لَهُمْ لِتَعَلُّمِ اَلْفَصَاحَةِ وَالشِّعْرِ أَكْثَر وَأَكْثَر .

اَلصِّدْقُ : 

اَلْعَرَبِ قَدِيمًا كَانُوا حَرِيصًين جِدًّا عَلَى سُمْعَتِهِمْ فَلَا يَسْمَحُونَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ عَنْهُمْ أَيُّ شَيْءٍ سَيِّئٍ . فَالْعَرَبُ حَقًّا كَانُوا حَرِيصِينَ دَوْمًا عَلَى أَنَّ يَقُولُوا اَلصِّدْقُ حَتَّى لَا يَقُولُ أَحَدٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَذَّابًا لِأَنَّهُمْ لَا يُحِبُّونَ أَنْ يَتَّصِفُوا بِصِفَاتٍ سَلْبِيَّةٍ . وكَانُوا دَائِمًا حَرِيصِينَ عَلَى قَوْلِ اَلْحَقِّ ، فَمَثَلاً سُفْيَانْ (وَكَانَ كَافِرٌ) فِي يَوْمٍ جَاءَ إِلَى عَظِيمِ اَلرُّوم هِرَقْلْ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضِ اَلْأَسْئِلَةِ اَلَّتِي تَخُصُّ اَلرَّسُولَ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ، فَلِمَ يَكْذِبُ سُفْيَانْ أَوْ يُدْعَى عَلَى اَلنَّبِيِّ – صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ، وَلَكِنْ صَدَّقَ كَلَامُهُ وَقَالَ اَلصِّدْقُ عَلَى اَلرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَشَدِّ اَلنَّاسِ عَدَاوَةً لِلْإِسْلَامِ .

وَقَدْ قَالَ اَلصِّدْقُ حَتَّى لَا يَنْتَشِرُ بَيْنَ اَلنَّاسِ إِنَّهُ كَذَّابٌ .

اَلنَّخْوَةُ وَالشَّهَامَةُ : 

وَمِنْ صِفَاتِ اَلْعَرَبِ أَيْضًا وَمِنْ أَكْثَرِ اَلْمِيزَاتِ فِيهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَّصِفُونَ بِالشَّهَامَةِ وَالْجَدعَنَة بَيْنَهُمْ . فَكَانَ لَا يُظْلَمُ مَظْلُومٌ إلا يَنْصُرُوهُ . وَلَا يُتَعَدَّى عَلَى ضَعِيفٍ أَوْ فَقِيرٍ . فَكَانَ عِنْدَهُم نَخْوَةٌ لِأَهْلِ بَيْتهُم وَبَاقِي قَبِيلَتِهِم أَيْضًا . فَلَا يُحِبُّ أَنْ يَنْظُرَ أَحَدٌ إِلَى بَنَاتِ قَبِيلَتِهِ . لِأَنَّ اَلْعَرَبَ مِنْ صَفَّاتْهُمْ اَلنَّخْوَةُ وَ اَلشَّهَامَةُ . فَكَانَ عِنْدَمَا يَحْتَاجُ أَحَدٌ مِنْ اَلْأَشْخَاصِ صَدِيقَةٌ يَكُون دَائِمًا بِجَانِبِهِ . وَلَا يَتْرُكُهُ أَبَدًا حَتَّى يُقْضَى لَهُ أَمْرِهِ أَوْ يَخْرُجُ مِنْ مِحْنَتِهِ بِسَلَامٍ . 

اَلْعِفَّةُ:  

كَانَ أَيْضًا مِنْ صِفَاتِ اَلْعَرَبِ وَمَزَايَاهُمْ اَلْعِفَّةَ . حَيْثُ أنَّهُمْ كَانُوا شَدِيدَيْنِ اَلْغَيْرَةَ عَلَى اَلنِّسَاءِ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ اَلشُّعُوبِ . وَكَانُوا حَرِيصِينَ جِدًّا عَلَى عَرْضِهِمْ وَيُحَافِظُونَ أَيْضًا عَلَى شَرَفِهِمْ حَتَّى أَنَّ اَلْعَرَبَ قَبْلَ اَلْإِسْلَامِ وَصَلَتْ اَلْغَيْرَةُ بِهُمْ إِلَى وَأْدِ اَلْبَنَاتِ حَتَّى لَا يَلْحَقُ بِهُمْ اَلْعَارُ عِنْدَ بُلُوغِ هَؤُلَاءِ اَلْفَتَيَاتِ . هَذَا كَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ . 

أَمَّا اَلْمَرْأَةُ فَهِيَ أَيْضًا كَانَتْ تُحَافِظُ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى عَرْضِهَا وَشَرَفِهَا لِأَنَّ اَلْمَرْأَةَ فِي اَلْعَرَبِ تَتَّصِفُ بِعِزَّةِ اَلنَّفْسِ .  

وَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ مُنْغَمِس فِي اَلْقِرَاءَةِ ، وَيَمْلَأَنِي اَلشُّعُورُ بِالِاعْتِزَازِ وَالْفَخْرِ ، فِي هَذِهِ اللَحْظَةٌ كُنْتَ أُرِيدُ أَنْ أُلْقِيَ عَلَى مَسَامِعَ اَلَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ عَنْ اَلْعَرَبِ بِسُّخْرِيَةِ وَعَدَمِ اِحْتِرَامٍ وَأَقُولُ لَهُمْ اُكْتُبْ أَنَا عَرَبِيٌّ وَأَفْتَخِرُ 

تَخْتَرِق اَلسَّمَاءُ هَامَتِي

أَرْفَعَ رَأْسِي بِهُوِيَّتِي بِدِينِي وَقَوْمِيَّتِي ، 

أَرْضِيٌّ تَتَكَلَّمُ لُغَتَيْ 

نَسِيمْ اَلْهَوَاءِ يَعْزِفُ 

اِسْمًي اسمي  عَرَبِيًّ 

وَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ ، رَأَيْتُ عَصَاةً خَشَبِيَّةً تُغْلِقُ اَلْكِتَابَ اَلَّذِي بَيْنَ يَدِي وَصَوَّتَ يَقُولُ مُتَسَائِلاً : – نَحْنُ اَلْعَرَبَ ؟ ! ! مِنْ اَلْكَاتِبِ ؟ ؟ لَعَلَّ هَذَا اَلْكَاتِبِ مُمِلٍّ بَعْضُ اَلشَّيِّء ، أَوْ أَنَّ أُسْلُوبَهُ رَكِيكٌ بَعْضُ اَلشَّيْءِ . 

نَظَرَتْ إِلَيْهِ ، كَانَت هَيْئَتُهُ رَجُل كَبِيرٍ يَبْلُغُ مِنْ اَلْعُمْرِ ثَمَانُونَ سَنَةً ، هُوَ طَوِيلٌ اَلْقَامَةِ يَمْشِي بِخُطًى ثَابِتَةٍ مُعْتَمِدًا عَلَى عَصَاهُ اَلْخَشَبِيَّةِ ، بَشُوش اَلْوَجْهِ ، ذُو لِحْيَةٍ بَيْضَاءٍ كَثِيفَةٍ لَكِنَّهُ حَلِيقٌ اَلشِّعْرِ . أَخْذُ اَلْكُرْسِيِّ اَلْمُقَابِلِ لي عَلَى اَلطَّاوِلَةِ وَقَالَ بِصَّوْتِ يُمْلَؤهُ اَلثِّقَةُ : بِمَا أَنَّكَ قِرَأت عَنْ صِفَاتِهِمْ أَنَا سَأُخْبِرُكُ عَنْ اَنجَّازْاتَهَمْ لَا تُقْلِقُ . . . اُطْلُبْ لِي فِنْجَانًا مِنْ اَلْقَهْوَةِ . 

قُلْتُ فِي نَفْسِي مُتَسَائِلاً : مَن هَذَا اَلرَّجُلِ غَرِيبٍ اَلْأَطْوَارِ ؟ كَيْفَ أَعْطَى نَفْسَهُ اَلْحَقَّ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ اَلْكَاتِبِ ؟ أَمْرُهُ عَجِيبٌ ! سَأَسْتَمِعُ إِلَى كَلَامِه وَمِنْ ثَمَّ أَكْمَلَ قِرَاءَةَ اَلْكِتَابِ لَاحِقًا. 

وَبِالْفِعْلِ طَلَبَتْ لَهُ فِنْجَانًا مِنْ اَلْقَهْوَةِ ، وَهُوَ أَخْذٌ يُخْبِرُنِي عَنْ إِنْجَازَاتِهِمْ قَائِلاً : فِي اَلْوَقْتِ الّذِي كَانَتْ بِهِ أُورُوبَّا تَرْزَحُ فِي ظُلْمَةِ اَلْعُصُورِ اَلْوُسْطَى ، كَانَ نُورُ اَلْمَعْرِفَةِ وَالْحَضَارَةِ اَلْأَرْضِيَّةِ يَأْتِي مُضِيئًا وَزَاهِيًا مِنْ قَلْبِ اَلْمُدُنِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ ، اَلَّتِي رَأَتْ فِي اَلْمَعْرِفَةِ وَالتَّجْرِبَةِ اَلْعِلْمِيَّةِ أَنَّهَا طَرِيقًا لِلْمَزِيدِ مِنْ اَلنَّجَاحَاتِ وَالرَّاحَةِ لِلْبَشَرِ . وَرَغْمُ أَنَّ اَلْأَوْضَاعَ اِنْقَلَبَتْ اَلْآنِ ، بِحَيْثُ أَصْبَحَتْ أَوْطَانُنَا مُعْتَمَدَةً عَلَى مَا يَصْنَعُهُ اَلْأُورُوبِّيُّونَ وهم مِنْ اِخْتِرَاعٍ تِلْوَ اَلِاخْتِرَاعِ ،

يجب أن نذكرهم بِإِنْجَازَاتِ اَلْعُلَمَاءُ اَلْعَرَبُ وَالْمُسْلِمُونَ فِي اَلْحُقُولِ اَلْعِلْمِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ فِي بِنَاءِ اَلْحَضَارَةِ اَلْإِنْسَانِيَّةِ اَلْيَوْمِ ، وَإِنْ أَنْكَرَ أَحَدُ هَذَا اَلْحَقِّ لَهُمْ ، فَإِنَّ كُتُبَ وَفُصُولَ اَلتَّارِيخِ تَشْهَدُ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ تَعَدَّوْا حُدُودُ اَلزَّمَنِ اَلَّذِي كَانُوا يَعِيشُونَ بِهِ فِي أَبْحَاثِهِمْ وَإِنْجَازَاتِهِمْ لِذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَيْنَا ذِكْرُ أَبْرَزَ مَا جَاءَ بِهِ اَلْعَرَبُ مِنْ اِخْتِرَاعَاتٍ جَاءَتْ بِفَائِدَةٍ لِلْبَشَرِيَّةِ فِي عِزِّ ظُلْمَتِهَا ، عَسَى أَنْ نَسْتَفِيدَ مِنْهَا وَنَتَعَلَّمُ لِنَطْمَح إِلَى مُسْتَقْبَلٍ أَفْضَلَ يَحُلُّ عَلَى أَوْطَانِنَا . وَمِنْ أَبْرَزِ اَلِاخْتِرَاعَاتِ وَالْمَفَاهِيمِ اَلَّتِي جَلَبَتْهَا اَلْحَضَارَةُ اَلْإِسْلَامِيَّةُ اَلْقَدِيمَةُ لِلْعَالَمِ :  

اَلْجِرَاحَةُ وَأَدَوَاتُهَا :  

قَرَابَةُ اَلْعَامِ 1000 لِلْمِيلَادِ ، نَشْرُ عَلَامَ اَلطِّبِّ اَلْعَرَبِيِّ اَلْمَشْهُورِ ( اَلزَّهْرَاوِي ) كِتَابًا بِهِ 1500 صَفْحَةٍ يَشْرَحُ بِهَا عَنْ أُسُسِ وَأَسَالِيبِ اَلْجِرَاحَةِ وَأَدَوَاتِهَا ، وَقَدْ ظَلَّ هَذَا اَلْكِتَابِ اَلْهَامًا و مَرْجِعًا لِلْأُورُوبِّيِّينَ عَلَى مَدَى 500 عَامٍ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَقَدْ كَانَ اَلزَّهْرَاوِي أَوَّلِ مِنْ أَدَّى اَلْعَمَلِيَّةَ اَلْقَيْصَرِيَّةَ ، وَاَلَّتِي تُسَاهِمُ فِي إِنْجَاحِ اَلْمَلَايِينِ مِنْ حَالَاتِ اَلْوِلَادَةِ حَوْلَ اَلْعَالَمِ . 

اَلْمُسْتَشْفَى :

تَعْتَبِرُ مُسْتَشْفَى أَحْمَدْ بْنْ طُولُونْ فِي اَلْقَاهِرَةِ أَوَّلَ مُسْتَشْفًى فِي اَلْعَالَمِ كَمَا نَعْرِفُهَا اَلْيَوْمَ ، حَيْثُ كَانَتْ هَذِهِ اَلْمُسْتَشْفَى تَقَدُّمَ اَلرِّعَايَةِ اَلصِّحِّيَّةِ اَلْمَجَّانِيَّةِ لِأَيِّ شَخْصٍ يَحْتَاجُهَا ، وَذَلِكَ تَعْبِيرًا عَنْ سِيَاسَةٍ إِسْلَامِيَّةٍ حِيث أنها تَحُثُّ عَلَى اَلْعِنَايَةِ لِكُلٍّ مِنْ هُوَ مَرِيضٌ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ ، وَقَدْ اِنْتَشَرَ هَذَا اَلنِّظَامِ مِنْ اَلْمُسْتَشْفَيَاتِ مِنْ اَلْقَاهِرَةِ إِلَى بَقِيَّةِ أَنْحَاءِ اَلْعَالَمِ اَلْإِسْلَامِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ . 

ويعتبر جَامِعُ أَحْمَدْ بْنْ طُولُونْ اَلْمُجَاوِرَ ،اوَّلِ مُسْتَشْفَى حَدِيثَةٍ أُقِيمَتْ بِالْعَالَمِ.  

اَلصَّيْدَلَةُ وَالدَّوَاءُ : 

يَعُدْ اَلْعَرَبُ أَوَّلَ مِنْ اِخْتَرَعَ عِلْمُ اَلصَّيْدَلَةِ وَالدَّوَاءِ ؛ حَيْثُ اِنْتَشَرَتْ اَلصَّيْدَلِيَّاتُ فِي مَدِينَةِ بَغْدَادَ مُنْذُ 1100 عَامٍّ ، وَتَمَيَّزَ اَلصَّيَادِلَةُ بِأَنَّهُمْ يَمْتَلِكُونَ حَرْفًا خَاصَّةً بِهُمْ وَيُدِيرُونَهَا بِشَكْلٍ مُسْتَقِلٍّ ؛ مِنْ خِلَالِ اَلِاعْتِمَادِ عَلَى مَهَارَاتِهِمْ فِي صِنَاعَةِ وَحِفْظِ اَلدَّوَاءِ ، وَتَطَوُّرَ اَلْمَسَارِ اَلْعَمَلِيِّ فِي عِلْمِ اَلصَّيْدَلَةِ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ ، وَدَعْمُهُ اَلْعَدِيدَ مِنْ اَلْعُلَمَاءِ اَلْعَرَبِ اَلْمَشْهُورِينَ ، وَمِنْ اَلْأَمْثِلَةِ عَلَيْهِمْ سَابُورْ بْنْ سَهْلْ اَلَّذِي يَعْتَبِرُ اَلطَّبِيبُ اَلْعَرَبِيُّ اَلْأَوَّلُ اَلَّذِي وَصَفَ اَلْأَدْوِيَةَ لِلْمَرْضَى ، وَالْعَالَمُ اَلرَّازِي اَلَّذِي اِسْتَخْدَمَ اَلْكِيمْيَاءَ فِي صِنَاعَةِ اَلدَّوَاءِ ، وَالْعَالَمُ اِبْنْ سِينَا اَلَّذِي قُدُمًا حَوَالَيْ 700 وَسِيلَةٍ لِصِنَاعَةِ اَلدَّوَاءِ ، كَمَا حَرَصَ عَلَى وَصْفِ تَعْلِيمَاتِهَا وَخَصَائِصِهَا ، وَالْعَالَمُ اَلْكَنَدِيُّ اَلَّذِي اِهْتَمَّ بِتَحْدِيدِ اَلْجُرْعَةِ اَلْمُنَاسِبَةِ مِنْ اَلدَّوَاءِ لِلْمَرْضَى .  

كَمَا يَعْتَبِرُ اَلْعَرَبُ اَلْمُسْلِمُونَ أَوَّلَ مِنْ اِسْتَخْدَمَ اَلْمَعَادِنَ فِي اَلْأَدَوَاتِ اَلطِّبِّيَّةِ اَلْمُتَخَصِّصَةِ بِالْعَمَلِيَّاتِ اَلْجِرَاحِيَّةِ ؛ حَيْثُ اِسْتَخْدَمُوا اَلْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ فِي صِنَاعَةِ هَذِهِ اَلْأَدَوَاتِ ؛ بِسَبَبِ تَوْفِيرِ اَلْحِمَايَةِ لَهَا مِنْ اَلصَّدَأِ ، وَسُهُولَةُ عَمَلِيَّةِ تَنْظِيفِهَا .

اَلْقَهْوَة :  

هَذَا اَلْمَشْرُوبِ اَلطَّبِيعِيِّ اَلْمُنَبِّهِ ، اَلَّذِي يَتَنَاوَلُهُ اَلْمِلْيَارَاتِ حَوْلَ اَلْعَالَمِ ، لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا لَدَى اَلْعَالَمِ قَبْلَ اَلْقَرْنِ اَلتَّاسِعِ لِلْمِيلَادِ وَمَصْدَرِهِ اَلْيَمَنَ ، حَيْثُ لُوحِظَ مَدَى تَأْثِيرِهِ اَلتَّنْبِيهِيِّ عَلَى اَلْإِنْسَانِ ، قَبْلُ أَنْ يَنْتَشِرَ فِي كَافَّةِ أَرْجَاءِ اَلْعَالَمِ اَلْإِسْلَامِيِّ ، قَبْلُ أَنْ يَقُومَ أَحَدُ اَلتُّجَّارِ اَلْإِيطَالِيِّينَ بِشِرَائِهِ بِالْقَرْنِ اَلْ 16 ، لِيَنْتَشِر إِلَى بَقِيَّةِ أَنْحَاءِ اَلْعَالَمِ . 

آلَةُ اَلطَّيَرَانِ :  

فِي اَلْقَرْنِ اَلتَّاسِعِ لِلْمِيلَادِ ، قَامَ اَلْمَشْهُورُ عَبَّاسْ بْنْ فِرْنَاسْ بِتَصْمِيمِ جِهَازٍ بِأَجْنِحَةٍ يُمَثِّلُ مُجَسَّم لِشَكْلِ طَائِرٍ ، قَامَ بِتَجْرِبَتِهِ عِدَّةَ مَرَّاتِ بِهَدَفِ اَلطَّيَرَانِ . أَشْهُرُ اَلتَّجَارِبِ اَلَّتِي قَامَ بِهَا كَانَتْ قُرْبَ مَدِينَةِ قُرْطُبَةَ فِي اَلْأَنْدَلُسِ ، حَيْثُ تَمَكَّنَ عَبَّاسْ مِنْ اَلطَّيَرَانِ لِمُدَّةِ عِدَّةِ دَقَائِقَ فِي اَلسَّمَاءِ أَمَامَ مَرْأًى مِنْ اَلْجَمِيعِ ، قَبْلُ أَنْ يَفْشَلَ فِي اَلْهُبُوطِ بِسَلَامٍ ، لِيَتَسَبَّب ذَلِكَ فِي كَسْرٍ فِي عِظَامِ ظَهْرِهِ ، وَلَكِنْ كَانَتْ هَذِهِ اَلتَّجْرِبَةِ اَلشَّجَاعَةِ إِلْهَامًا لِلْبَشَرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَلَى رَأْسِهِمْ اَلْإِيطَالِيِّ لِيُونَارْدُو دَا فِينِتْشِي اَلَّذِي طَوَّرَ هَذِهِ اَلتَّصَامِيمِ عَلَى نَحْوِ أَفْضَلَ .

اَلدِّرَاسَةُ اَلْجَامِعِيَّةُ : 

 خِلَالَ اَلْعَامِ 859 لِلْمِيلَادِ ، قَامَتْ اَلِأمِيرَة فَاطِمَة اَلْفَرْحِي بِتَأْسِيسِ أَوَّلِ جَامِعَةٍ تُعْطِي اَلشَّهَادَاتُ بِمَدِينَةِ فَاس بِالْمَغْرِبِ ، وَقَدْ قَامَتْ أُخْتُهَا اَلْأَمِيرَةُ مَرْيَمْ بِتَأْسِيسِ مَسْجِدٍ يُجَاوِرُ اَلْجَامِعَةَ ، بِحَيْثُ أَصْبَحَ اِسْمُ اَلْمَكَانِ مَسْجِدَ وَجَامِعَةَ اَلْقَرَوِيِّينَ ، وَمَا زَالَتْ اَلْجَامِعَةُ مَوْجُودَةً غَلَّى عَصْرُنَا هَذَا . 

اَلْبَصَرِيَّاتُ وَالتَّصْوِيرُ : 

قَامَ اَلْعَالَمُ اَلْمُسْلِمُ ( اِبْنْ اَلْهَيْثَمْ ) بِشَرْحِ كَيْفِيَّةِ عَمَلِ اَلْعُيُونِ بِطَرِيقَةٍ سَلِيمَةٍ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ بِتَارِيخٍ اَلْبَشَرِيَّةِ ، وَذَلِكَ بِإِثْبَاتِ أَنَّ اَلْعَيْنَ هِيَ أَدَاةٌ لِاسْتِقْبَالِ اَلْإِضَاءَةِ اَلْمَعْكُوسَةِ مِنْ اَلْأَجْسَامِ ، وَلَيْسَتْ مَصْدَرًا لِلْإِضَاءَةِ كَمَا كَانَ يَعْتَقِدُ مُنْذُ أَيَّامِ اَلْعُلَمَاءِ اَلْإِغْرِيقِ ، كَمَا سَاهَمَ اِبْنْ اَلْهَيْثَمْ فِي إِيجَادِ اَلْعَلَاقَاتِ اَلصَّحِيحَةِ مَا بَيْنَ رُؤْيَةِ اَلْأَجْسَامِ اَلْمَعْكُوسَةِ بِشَكْلٍ طَبِيعِيٍّ وَذَلِكَ نَتِيجَةَ لِلْعَلَاقَةِ مَا بَيْنَ اَلْعَدَسَةِ وَالنِّظَامِ اَلْعَصَبِيِّ لِلْإِنْسَانِ .

فقد كَانَ مَا قَدَمَهُ اِبْنْ اَلْهَيْثَمْ عَامِلاً كَبِيرًا فِي اِخْتِرَاعِ آلَاتِ اَلتَّصْوِيرِ . 

اَلطَّاحُونَةُ اَلْهَوَائِيَّةُ : 

قَامَ اَلْمُسْلِمُونَ بِاخْتِرَاعِ طَاحُونَةِ اَلْهَوَاءِ عَامٍّ 634 لِلْمِيلَادِ ، حَيْثُ كَانَ اَلْمُسْلِمُونَ يُعَانُونَ مِنْ نَقْصِ مَصَادِرِ اَلْمِيَاهِ وَجَفَافِهَا خَاصَّةً فِي فَصْلِ اَلصَّيْفِ ، لِتَكَوُّنِ اَلرِّيَاحِ هِيَ مَصْدَرُ اَلطَّاقَةِ اَلْوَحِيدِ اَلْمُقْتَرَحِ بِهَدَفِ طَحْنِ اَلْمَحَاصِيلِ كَالْقَمْحِ ، وَدَفْعَ مِيَاهِ اَلرَّيِّ . 

اَلشَّامْبُو وَأَنْوَاعُ اَلصَّابُونِ :  

اَلِاغْتِسَالُ وَنَظَافَةُ اَلْجَسَدِ هِيَ مُتَطَلَّبَاتٌ دِينِيَّةٌ لَدَى كَافَّةِ اَلْمُسْلِمِينَ ، وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ اَلسَّبَبُ فِي أَنَّهُمْ طَوَّرُوا أَشْكَالُ اَلصَّابُونِ اَلْمَعْرُوفَةِ قَدِيمًا ، وَقَامُوا بِجَمْعِ زُيُوتِ اَلنَّبَاتَاتِ وَالْمَوَادِّ اَلْمُعَطَّرَةِ مِثْلٍ وَيِنْ اَلزَّعْتَرِ إِضَافَةً إِلَى مَادَّةٍ هِيدْرُوكِسِيدْ اَلصُّودْيُوم ، لِيَقُومُوا بِإِنْتَاجِ أَوَّلِ أَشْكَالِ اَلشَّامْبُو اَلَّذِي وَصَلَ إِلَى أُورُوبَّا بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ عَامٍّ 1759 لِلْمِيلَادِ عَلَى يَدٍ مُسْلِمٍ اِفْتَتَحَ مَحَلُّ لَلْبَخَارَالْهَنْدِي عَلَى شَاطِئِ اَلْبَحْرِ فِي مَدِينَةِ بَرَايْتُونْ .  

اَلْأَدَوَاتِ اَلْفَلَكِيَّةَ وَالْجُغْرَافِيَّةَ: 

قَامَ اَلْفَلَكِيُّونَ اَلْمُسْلِمُونَ بِتَطْوِيرِ اَلْعَدِيدِ مِنْ اَلْأَدَوَاتِ بِهَدَفِ اَلْمِلَاحَةِ وَتَحْدِيدِ اَلْمَوَاقِعِ وَتَحْدِيدِ اِتِّجَاهِ اَلْقُبْلَةِ وَمَوَاعِيدِ اَلشُّرُوقِ وَالْغُرُوبِ وَمَوَاقِيتِ اَلصَّلَاةِ بِدِقَّةِ مُتَنَاهِيَةٍ . 

وَلَعَلَّ أَهَمَّ اَلْأَدَوَاتِ اَلْفَلَكِيَّةِ هُوَ اَلْأَسْطُرْلَابُ وَالْحَاسِبَاتُ اَلتَّنَاظُرِيَّةُ وَالْكُرَاتُ اَلْجُغْرَافِيَّةُ اَلْمُحَلِّقَةُ تَحْسُبُ اِرْتِفَاعَ اَلشَّمْسِ اَلْمَيْلُ اَلزَّاوِي لِلنُّجُومِ . 

كَمَا كَانَ اَلْعَرَبُ أَوَّل مِنْ قَدَّمَ خَارِطَةً مُتَكَامِلَةً لِلْعَالَمِ اَلْقَدِيمِ ، وَلَعَلَّ أَبْرَزَ مَجْمُوعَاتِ اَلْخَرَائِطِ هِيَ تِلْكَ اَلَّتِي قُدْهَمْهَا اَلْإِدْرِيسِي ، 

وَلَعَلَّ أَبْرَزَ مَا مَيَّزَ تِلْكَ اَلْخَرَائِطِ ، هُوَ أَنَّهَا مَقْلُوبَةٌ حَيْثُ كَانَ اَلن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى