نَجا الموتُ منّي ! / سهى الدهامشة

نَجا الموتُ منّي !

من شاطىء غُرفتي المظلمةِ ، من الضّفة الأخرى لعزيمتي ..ومع اختناقي من رائحة الأدوية المكدّسة ، يُطل باهتاً .. في الظلام وفي السراديب ، يخافُ أن يفضَح قِنديله عتمةَ روحي .. يتقدم لاهثاً على مهلٍ ، على مهلٍ ..
– ( أكانَ يبحث عنّي ؟! .. أنا لا أبحث عنه . )
كنتُ أؤمنُ بأنّ المِئزر لا يُشدُّ في ما يجعلنا نتّكئ على جِدار الأبدية ، و أننا نطعنُ دوماً بمدياتنا في الوقائع من أجل فكرة الخلود ،
ولكنّي لا أريدُ خلوداً ، ولا أريدُ موتاً ضعيفاً !
إنّه الموت !
جاء على غير وِفاقٍ كوردةٍ مختنقةٍ بالضوء الساطع أو كالسرّ الذي يأتي على علن ٍ..
يقول : “إن المرض ملّ من كونه غريمك !”
ينظرُ إلي ، يُفصّل وجهي المُنهك ، وعيناه تترقبانِ جسدي المتحامِلُ على الملاءات البيضاءِ والموصولِ بالإبر والمغذّيات ..
إنّـــه المَوتُ !
الصديق الذي ادّعي صداقتَه ..يقتربُ ،
يُتمتم قلبي : ليسَ الآن !
أُشيح بوجهي عنه ، حتى لا تلتقي نظراتُنا البغيضة ،
أصغّر نفسي لأختفي في قلب الجدار ،
ليسَ الآن ! ولكننا نلتقي… يقول في خاطره بأنّي أُشبه حمامةً خرقاء فقدتْ جناحها ، و تنتظر بأن تطيرَ هرباً بجناحٍ واحد ،
يُغريني أمل المعجزات ..
أشتمّ أنفاسَه المرعبة ،
– ( أليسَ حريٌّ بنا أن نتصافح ؟! هكذا يفعل الأحبّة ! )
أبتسمُ ..
لعله يُرجئ مباغتتي مرةً أخرى .. !
يلتصق بي ، تَتجمّد العبارةُ في صدري ..
– ( لماذا لا ينتظر ؟ سأخرج من خِزانتي كل الكلامِ الذي خبّئتُه جيداً لأقوله له دفعةً واحدةً ، كل الكلامِ الذي لقّنتُ نفسي درساً في تسميعه ، دون تلعثم ! )
ولكنّي تلعثمت ..
كان حادّاً …
يجرّني من ياقتي دون أن يرّق قلبه ، ينتظر مني بعد كل تنهيدة أن أرفع رايتي البيضاء !
أطرافِ أصابعي وقدميّ تتثلج ، ونقطة الثلج تكبُر وتصعد ..
طنينٌ في أذنيّ ، ورائحةٌ زرقاء !
أغرس أصابعي في الأرض ، جسدٌ يستسلم وفكر ٌيقاوم ،
ولكنّها هي وحدها ضربات قلبي تستمر ..! إنني أقاوم!
يكشّر عن أنيابه وازداد صلابةً ،
يُبعثرني واتجمّع ،
يقلّلني وأكثّر كل عزائمي ..
– (يا مَوتُ !
أرجئ فضَاضتك ، فاجِئني مرةً مع زوامير السيارات وضجيج المارة ،
في متعةٍ جريٍ ماطرة ،
في قلب صلاةٍ خاشعة ،
في نشوة سعادة ،
في لحظة غفلةٍ ،
في مُنتهى الصّحة ..
أعطني فرصةَ ترقّبك وارحل الآن..
هات احتمالاتك المغايرة كلها ،
وإنما ليس الآن على سرير الوحدة والبؤس ..!
ليس مُختنقاً بحقنةٍ أدويةٍ كريهة ، وغرفة مُوحشة ! )
أخنقُ سلاسته بيّدي
تشنِقه جلادتي ..
– (أيها الموت !
لقد تلقيتَ خيبةً في ضلوعك ؛
لا شأن للوقت، ولا شأن للعمر ، ولا شأن للمرض ، إنه صراع صداقةٍ أبدّي ، مجبولٌ على البرود وصداقتك مُرّةٌ وصعبة المِراس ، وتعاليكَ بغيض ،
ومع ذلك فإن هذا الضعفُ ليسَ لي ! )
الطنينُ يزداد ..ولا ينفجر !
أيمكن أن يكون هذا العدم ؟
أيمكن أن المنفى يحوي هذا الكمّ من الظلام ؟
لا ..لا يمكن ، هذا الدمُ المحموم فيّ لا يمكن أن يكون فراغاً !
– ( ” لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون” أعرف ذلك حتماً ولكنه لم يأتي بعدُ .. هذا وهمٌ يَختلقه مَرضي ، هذه هلاوسُ خائفٍ .. ألفاظُ مُقاتل تَعِبٌ..)
ثقبٌ في أذني اليسرى يُسرّب لي صوتاً !
تقول إحداهن : لقد نجا من الموتِ بأعجوبة !
انتصرتُ..
أتمتم بنفاذ صبرٍ :
إنها تكذب ! لقد نجا الموتُ مني بأعجوبة !

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى