نور على نور

#نور على نور
د. هاشم غرايبه

يتهاون كثيرون في أداء #العبادات التي وردت في #السنة الصحيحة، باعتبار أنها ليست مفروضة.
شهدت في صغري حوارا لا زلت أذكره، جرى بين والدي وأحد أصحابه (رحمهما الله)، وكان يلومه على اقتصاره على أداء #الصلاة #المفروضة فقط ويترك السنن، وحجته أن تاركها لا يؤثم، فرد عليه الوالد: صحيح أن صلاة السنة استزادة من الأعمال الصالحة، لكنها تعتبر سياجا للفرائض.
فسأله صاحبه: كيف؟. فقال له: كثيرا ما يسهو المرء أو يشرد ذهنه في الصلاة، أو ينقص منها ركنا او لا يحسن أداءه، وقد يبطل ذلك الخطأ الصلاة فلا تقبل، عندها تكون ركعتا السنة واقية من ذلك، ومعوضة لما نقص من #الفريضة.
لا شك أن حكمة النبي صلى الله عليه وسلم هي التي دلته على هذا التحوط المنجي لعامة المسلمين من الخسارة، فجاء بصلوات السنن سياجا حافظا لأجر الفريضة، ووقاء منجيا من خطورة عدم قبولها.
لكن ذلك ليس إلا دورا فرعيا للسنة النبوية، فدورها الأساسي تعليمي، لذا كانت بعمومها تطبيقا عمليا للقرآن الكريم، لتعليم المسلمين الفهم الصحيح لمناطات التشريع ومرادات الدين.
لكن يشتط البعض، فيجعلون الأحاديث النبوية وحيا ثانيا ندّاً للقرآن الكريم، وتشريعا موازياً، وفي ذلك شرك مهلك.
ولتوضيح هذه المسألة، يجدر بنا أن نفرق بين ثلاثة أمور:
1- (القرآن الكريم) والذي جاء به الوحي الإلهي لفظا ومبنى ومعنى، وألقاه الله في روع النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق جبريل عليه السلام، وأبلغنا به مطابقاً تماما لما أبلغه به: “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى” [النجم:3-4]، لذلك فهو المصدر للتشريع وأسس العقيدة.
2- الأحاديث القدسية، معناها ومدلولها من الله تعالى، ولفظها بلسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتشترك جميعا في أنها لا تحتوي أية تشريعات أو أحكام، بل جاءت بتعليمات وتوجيهات.
3- أما الحديث النبوي فهو ليس وحيا أوحي به، بل هو لفظا ومبنى ومعنى من الرسول صلى الله عليه وسلم، وإحدى منتجات الحكمة التي حبى الله تعالى نبيه الكريم، وجاءت توضيحا وتعليما وتوجيها لتعاليم الدين والمعاملات والعلاقات، أما في التشريع فهي لم تأت بتشريع ليس له أصل في القرآن، فالمشرع هو الله فقط: “وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا” [الكهف:26]، وفي كتابه الكريم أكمل تعالى الدين والتشريعات: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا” [المائدة:3]، فالسنة المطهرة لم تستكمل نقصا في التشريعات والأحكام “مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ” [الأنعام:38]، ولم تستدرك سهوا عن حكم لم يأت به القرآن: “وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا” [مريم:64].
لذا فكل ما تناولته السنة في مجال التشريعات والأحكام انحصر في ثلاثة أوجه: فمنها ما شرح المبهم مما جاء في كتاب الله، ومنها ما فصل في المجمل منه، ومنها ما خصص في المعمم منه.
لذا لا يصح للمسلم أن يقول أن هنالك مصادر للتشريع، فالمصدر واحد هو الله تعالى، ولا أحد يشاركه، إنما هنالك طرق فرعية لفهم التشريعات والوصول إليها وهي السنة والقياس والإجتهاد، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حينما بعثه الى اليمن ليعلم أهلها ويقضي بالحق بينهم: “بم تقضي؟، قال: أقضي بكتاب الله، فقال النبي: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: أقضي بسنة رسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: فإن لم تجد في سنة رسوله؟ قال معاذ: أجتهد برأيي ولا آلو.”
فالتسلسل هنا رتبي وليس تخييريا، بمعنى أن أصل التشريع هو كتاب الله، ولا يتم البحث في ما دونه إلا إن عجز الفهم الإنساني عن الاهتداء الى التشريع فيه، وليس السبب أن التشريع لم يغطِّهِ أو لم يفطن إليه، ولكنه لدواعي البلاغة والاختصار، فلو أراد الله ذكر كل التفصيلات والجزئيات لكل الأمور في القرآن الكريم لاحتاج الى عشرة أضعاف حجمه الحالي، ولشق على البشر فهمه وحفظه والإحاطة بكل سوره وآياته.
بناء على فهم كل ما سبق، يفترض أن تضيق دائرة الخلافات بين المسلمين، والتي أقلها حول ما ورد في القرآن الكريم، إنما ظل أكثرها ناجما عن التفسيرات المتباينة لسنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله وإقراراته لأقوال أو أفعال لآخرين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى