نور على نور

نور على نور
د. هاشم غرايبه

يتحدث القرآن الكريم عن الأرض المباركة، في ثلاثة مواضع، في المرة الأولى عندما أمر النبيين الكريمين “ابراهيم” وابن أخيه “لوط” عليهما السلام ومعهما أهلهما أن يتركوا قومهم الضالين ويهاجروا إليها، لكي ينشرا الهدي الإلهي في تلك الديار “وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ” [الأنبياء:71].
وفي المرة الثانية عندما أمر نبيه موسى عليه السلام أن يأخذ إليها بني إسرائيل بعد أن نالوا نصيبهم الذي قضاه الله عليهم من العذاب على يد فرعون، جراء كفرهم بأنعم الله ” وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا..” [الأعراف:137].
وفي الموضع الثالث أشار إليها كإحدى مكرمات نبيه سليمان عليه السلام “وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ..” [الأنبياء:81].
في كل هذه المواضع لم يبين الله تعالى موقعها الجغرافي، لكنه بين ذلك في سورة الإسراء عندما عرّف لنا موقع المعراج بأنه المسجد الأقصى “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ..” [الإسراء:1]، وعليه فإنها المنطقة المحيطة ببيت المقدس أي بلاد الشام وما حولها.
بالمقارنة مع سائر بقاع الأرض نجد أن الله قد بارك بهذه المنطقة، بأن جعل في باطنها الخيرات، وظاهرها تربة طيبة خصبة، ومناخها معتدل وفصولها الأربع منتظمة، لكي تنتج أفضل الثمار وأجود المحاصيل، وذلك لأنها المنطقة التي نزل فيها آدم، والذي اعتاد على طبيعة الجنة ذات الطقس والطبيعة الأمثل، كما أنه اختارها دارا لأمته التي ستتبع نهجه وتنشره لكل البشر.
هنا يجب التفريق بين الأرض المباركة والأرض المقدسة، والتي ورد ذكرها في ثلاث مواضع:
الأول: في قوله تعالى لنبيه موسى: “إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى” [طه:12].
الثاني: في قصة بعثة موسى عليه السلام “إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى” [النازعات:16].
الثالث: في خطاب موسى لبني إسرائيل “يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ” [المائدة:21].
من مجمل ذلك نستنتج أن الأرض المقدسة هي وادي “طوى” في سيناء، وهي منطقة واسعة من ضمنها جبل الطور، وأن قدسيتها جاءت من أنها كانت المكان الذي كلم الله فيها بشرا مباشرة “فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ”.
البركة حددت في هذه البقعة، كنتيجة لقدسيتها، والبركة تعني الخير و النماء و الزيادة و العطاء و تعود بالفائدة على الإنسان، وهي غير القدسية، والتي تعود لله جل وعلا.
إذاً فهذه المنطقة لم تكن صحراء قاحلة آنئذ، بدلالة وصفه تعالى أنها أصل منبت الزيتون: “وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ” [المؤمنون:20]، ولهذا أكرم الله بني إسرائيل بأن أورثهم هذه الأرض الغنية بالخيرات سواء كانت في مصر (مغاربها) عندما مكن لآل يعقوب فيها بعد أن قدموا إليها بدوا، ثم مشارقها (طور سيناء) بعد أن أنجاهم الله من عدوهم وأغرقه وجنده أجمعين.
هكذا نتوصل لفهم حقيقة حكاية أرض الميعاد التي أشاعها اليهود، والتي يدعون أن الله بها منح اليهود أرض الشام، وهذا تزوير فاضح، وأما الحقيقة التي نستشفها من كتاب الله فهي:
1 – إبراهيم عليه السلام جد كل الأنبياء، أمره الله أن يهاجر وذريته الى الأرض المباركة (بلاد الشام ومصر)، ويساكن أهلها، وتختلط ذريته بهم، وليس أن يطردهم ويحل محلهم.
واليهود الذين عصوا الله وقتلوا أنبياءهم فغضب عليهم، وحكم عليهم بالذلة والمسكنة الى يوم الدين، لا يمكن أن يكونوا أكرم على الله من إبراهيم الذي نال أعلى مرتبة بشرية عندما اتخذه الله خليلا، حتى يمنحهم ما لم يمنحه.
2 – الأرض المقدسة التي أمر الله موسى أن يهاجر وقومه إليها هي في سيناء، والبقعة المباركة التي جعل الله فيها الخيرات هي فيها ، وليست بيت المقدس.
3 – عندما امتد ملك داود وسليمان عليهما السلام فوصل بيت المقدس مثلما وصل اليمن، كان هذا من نعمة الله على هذين النبيين الذين كانا يدعوان الى دين الله – الإسلام ، ولم يدع أي منهما الى اليهودية.
نستخلص مما سبق أن أرض الميعاد خرافة اخترعها أحبار اليهود المشتتين، والتقطها المستعمرون الأوروبيون ليبنوا لهم مخفرا متقدما (الكيان اللقيط) في ارض أمة الإسلام، ليسيطروا عليها ويبقوها مجزأة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى