نور على نور

نور على نور
د. هاشم غرايبه

رغم أن حديث الرئيس الفرنسي “ماكرون” عن الإسلام، ظاهره الغطرسة الأوروبية المعهودة، إلا أنه يكشف عن قلق عميق، وإحساس بفشل سياسات ممانعة دخول الإسلام الى عقر بيت العلمانية.
في عصر العولمة وانفلات الإعلام من السيطرة الرسمية، ورغم أن الهدف كان تكريس وسائل التواصل الاجتماعي للصد عن سبيل الله، وخدمة مصالح محتكري المال والنفوذ والسلطة، إلا أن المبدأ الأقوى دائما هو: “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”، فيجعل الله دائما في تدبير المعادين لدينه، ومهما كان محكما، ما ينقضه ويؤدي الى عكس ما يرسمون له.
صحيح أن التضليل المكثف لتصوير الإسلام بتلك الصورة الشيطانية، قد أثر على عقول الدهماء وهم غالبية الأوروبيين، لكنه أثار من يُحكّمون عقولهم منهم، فتوجهوا لدراسة هذا الذي يخوفون منه، وبطبيعة الحال عندما وصلوا الى معرفته حقيقة آمنوا به، ولأن إيمانهم كان عقليا، يكون راسخا لا يتزعزع.
سمعت حديثا لأحد الدعاة، وهو شيخ فاضل مشهود له بالصدق، أنه كان في ضيافة مسلمين فرنسيين في باريس، تحدث لهم بألم عن واقع المسلمين الراهن، وانهزامهم أمام الباطل رغم أن منهجهم الحق، فقال له أحدهم، أنت مخطيء بتشاؤمك، فالإسلام متجه نحو النصر وسيسود العالم، وما هذه الحملة المسعورة في الغرب عليه إلا لإحساسهم بذلك، قد تكونون أنتم العرب مهزومون من داخلكم، لكن الواقع يقول أن المستقبل للإسلام.
وأكمل قائلا: سأروي لك قصة مؤثرة عن شابة فرنسية دخلت الإسلام وتعمق إيمانها، كانت تحب أمها كثيرا، فما كان يشغل بالها غير أن تقنع أمها به، لكن أمها ظلت ترفض خوفا من ردة فعل مجتمعها.
لم تيأس ابنتها من اقناعها كلما زارتها، وفي يوم اتصل بها المستشفى ليبلغها أن أمها دخلت في حالة صحية حرجة، أسرعت إليها ووصلتها ليلا، كان همها أن تدخل أمها الإسلام قبل أن تلقى ربها، اقتنعت الأم أخيرا عندما عرفت أن نهايتها اقتربت، فاتصلت البنت بالمركز الإسلامي لتسأل عن إمام المسجد لتعلن أمامه الشهادتين، ولما كان الوقت متأخرا فلم يكن هنالك غير الحارس وهو باكستاني الجنسية فرجته أن يحضر مسرعا، ولما حضر كانت الأم فاقدة الوعي وابنتها تضع فمها عند أذنها تحاول عبثا ايقاظها.
يقول راوي القصة الباكستاني أن الإبنة كانت تصرخ في أذن أمها اليمنى: رددي ورائي أشهد أن ..وهو في الأذن اليسرى، وفجأة فتحت الأم عينيها ورددت وراءهما الشهادتين باللغة العربية التي لا تفهمها، ثم أغمضت عينيها الإغماضة الأخيرة.
يكمل الراوي: لم أشهد في حياتي أعجب من هذا المشهد، فإبنتها تضحك وتبكي معا ، تنهمر دموع الفرح على أن أمها أسلمت قبل فوات الأوان، مع دموع الحزن على موتها، وأبهرتني رحمة الله التي تجلت في هذه الحادثة، فقد شاء تعالى أن يكافيء هذه الصبية الصادقة في إيمانها، بأن يلهم أمها النطق بالشهادتين على مسمعها بلغة سليمة وهي لا تعرف العربية، فيطمئن قلبها على أمها، وتعرف أن الله تقبل إيمانها فاستجاب لدعائها لأمها.
ينهي الشيخ حديثه فيقول: أن هذا الفرنسي المسلم علمني بحديثه الكثير، فقد رأيت كثيرين من هؤلاء الذين يشبهون الفتاة من الشباب الفرنسيين الذين دخلوا الإسلام عن قناعة عقلية، فكان إيمانهم راسخا، تعرفت عليهم عن كثب، فلم أجد بينهم من يطلق لحيته ولا من يلبس الدشداشة القصيرة ويضع في جيبها العلوي مسواكا، بل جميعهم رجالا ونساء لا يختلفون في مظهرهم عن أفراد المجتمع الآخرين، لكن الإيمان الذي في قلوبهم لا تزعزعه الأعاصير، بل أعتقد أنه لا يقل عن إيمان آل ياسر.
لا يجادل أحد في أن فردا واحدا ممن دخلوا الإسلام عن اقتناع، لا يوازيه نفعا للإسلام ألف ممن وجدوا أنفسهم مسجلين كمسلمين في قيود الأحوال المدنية، لذلك فلا ينفع الأمة كثرة العدد من هؤلاء، بل الراسخون في الدين.
ولنعلم أن الله ليس بحاجة لصلاتنا وصيامنا التي جعلناها مجرد طقوس تراثية، بل نحن بحاجة الى دينه ليقومنا.
فعلينا أن ندخل الإسلام من جديد، بعقولنا، ونترجم إيماننا عملاً بإخلاص، فالفرصة لإنقاذ أمتنا من مصير الإستبدال الحتمي إن بقينا هكذا ضيقة…”وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ” [محمد:38].

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى