نور على نور

#نور_على_نور

د. #هاشم_غرايبه

بعد وفاة الشيخ ربيع المدخلي، ساد شعور بالتفاؤل لدى البعض، اعتقادا بأن الحركة التي أسسها، وسميت بإسمه، ستموت بموته، لكن للأسف لن تتحقق أمنياتهم، فهنالك كثيرون من المنتمين لها، يجنون منافع جلى من نشاطهم فيها، سواء كان ذلك مردودا ماليا مباشرا، أو أعطيات وتنفيعات وترفيعات.
هذه الحركة وجميع أخواتها الشبيهات مثل الحركة الجامية والحركات التي ألبست لبوسا جهاديا بدءا من حركات المجاهدين الأفغان ضد الاحتلال الروسي، وما تفرع منها حركات آخرها داعش، جميعها نشأت من رحم الحركة السلفية الوهابية، وبرعاية النظام السعودي.
إذ صرح محمد بن سلمان لصحيفة “واشنطن بوست” بأن تصدير السلفية السعودية ودعمها المادي كان بطلب من الحلفاء (يقصد المستعمر الغربي) منذ الحرب الباردة.
وبناء عليه دعم النظام السعودي المؤسسات الدعوية، والمنظمات الإسلامية العالمية، وبناء المعاهد والجمعيات، التي تروج له، ففي مصر كمثال دعمت السعودية مشروعات أنصار السنة، وأغلب التيارات السلفية، وحزب النور، وموَّلت دوراً لطباعة الكتب بأسعار رمزية، كدار أسد السنة، والإمام المجدد لنشر الفكر المدخلي، وغير ذلك الكثير، مما عزز تحكم السعودية، وجعل بعض عناصر ومشايخ التيار السلفي أشبه بموظفين تعطيهم السعودية رواتبهم الشهرية، وما يستتبع ذلك من فرض سياسات التبعية.
وفي مصر، وبرغم وجود التيار السلفي فيها مبكرا، إلا أن السادات وبقصد إضعاف الإخوان المسلمين، فقد أقام علاقة مباشرة مع المخابرات السعودية، لاستدعاء السلفية السعودية كتيار مضاد، وقد ذكر “مارك كورتيس” نقلا عن وثائق المخابرات البريطانية في كتابه “التاريخ السري” إقامة السادات علاقات سرية مع رئيس المخابرات السعودية “كمال أدهم”، مما شكل وفاقاً مصرياً سعودياً أوسع في مجال مكافحة التيار الإسلامي السياسي.
كما قال عبد المنعم أبو الفتوح، الذي كان رئيس الجماعة الإسلامية بالجامعات المصرية آنذاك، بأن السلفية السعودية أقحمت على المشروع الإسلامي في الجامعات المصرية إقحاماً، عن طريق الكتب المجانية التي تأتي من السعودية بالآلاف، ورحلات الحج والعمرة، التي يعود منها الطالب شيخاً سلفياً.
وقد نجح السادات بتحقيق غرضه، فمنذ أن ظهرت السلفية السعودية في مصر، نشأت الخلافات داخل الحركة الإسلامية في الجامعات المصرية، وانقسمت الى تيارين: تيار موالي لفكر الإخوان المسلمين، وتيارات سلفية مخالفة له، كما انقسم التيار السلفي سريعاً إلى تيارين متصارعين أحدهما علمي يتبناه الأزهريون، والآخر جهادي يتبناه متطرفو السلفية.
ثم توالى التشرذم، فنشأت جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية، وكيان الحركة السلفية بالقاهرة، وكذلك عدد ضخم من المشايخ والدعاة المستقلين، والذين على تصارعهم، إلا أنهم جميعا يتبنون جوهر الوهابية السعودية القائلة بحرمة تكوين الجماعات، ووجوب طاعة ولي الأمر طالما هو لم يمنع الصلاة، وتحريم انتقاده علنا.
نجم عن ذلك تفكك النشاط الطلابي الجامعي وتفرق الحركة الاسلامية، ودخول مصر في دوامة القمع الرسمي والعنف المضاد حتى فترة التسعينات، مع بقاء العلمانية سائدة رسميا فيها.
الأزمة التي صنعت باحتلال الكويت، كانت كما تبين لاحقا، أنها حلقة في الخطة الأمريكية لإحكام السيطرة على الثروات النفطية الخليجية، وابتدأت بالاحتواء المزدوج، الأنظمة العربية العميلة العراق على شن الحرب على إيران، وإغرائه بالدعم والتمويل، وبعد أن تحقق المراد باستنزاف الطرفين، عادت فأوحت لهم بالمطالبة بتسديد تلك الكلف فورا، لأجل استعداء العراق، ومن جهة ثانية أوحت للنظام العراقي أنها لن تتدخل ان احتل الكويت.
بالطبع نجحت المؤامرة، وبقي الخوف من ردة الفعل الشعبي على هذه الأنظمة المتعاونة مع المحتل.
هنا ظهرت المدخلية والجامية، وكان الهدف منها تسويغ طلب الأنظمة العربية من الأمريكان محاربة قطر إسلامي، والقتال تحت راية المحتل.
بالطبع فالفتوى من قبل الوهابية مجهزة، وأصدرها بن باز، ومعتمدة على تجاهل موضوع حرمة محالفة الكافرين على مسلمين، ومرتكزة على الحكم اللاشرعي القائل بوجوب طاعة ولي الأمر، وتقديم هذه الطاعة على طاعة الشرع اذا رأى في ذلك مصلحة للأمة!.
وبما أن ذلك غير مقنع لعقل المسلم، لذلك كانت مثل هذه الحركات لتجنيد من يبيعون دينهم بثمن بخس، في الترويج للمقولة المتهالكة القائلة بطاعة ولي الأمر ولو كان منقادا لأعداء المسلمين ومنفذا لإملاءاتهم.
يتوهم أمثال هؤلاء بأن عباداتهم وشفاعة نبي الرحمة ستنجيهم من عقاب الله.
أبدا، لقوله تعالى: “إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ” [التوبة:80].

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى