نور على نور

#نور_على_نور

د. #هاشم_غرايبه

كثير من المعرضين عن منهج الله تكاسلا وقلة همة، أو من الذين وجدوا أنفسهم مسلمين بالوراثة لكن لما يدخل الإيمان في قلوبهم، كثير من هؤلاء يتشككون في مصداقية وعد الله بنصر عباده المؤمنين، بغض النظر عن قوة من يعادونهم أو تفوقهم، لسبب بسيط وهو أن الله هو موجد قوانين الطبيعة وسننها الكونية، وهو الوحيد الذي بيده تعديلها أو تعطيلها متى شاء.
بالطبع هم يستندون على الواقع، ويقيسون وفق سير الأحداث، لكن عيب معيارهم أنه متسرع هلوع، لأنهم يحسبون الزمن بمعيار البشر النسبي، الذي يرى زمن الأحداث السعيدة يمر كلمح البصر، وزمن المصاعب والكروب يمر بطيئا وكأن اليوم سنة.
مقياس الله الأزلي مختلف، ولا قيمة لديه لعدد الأيام والشهوروالسنين في حساب طول المدة أو قصرها، بل بتوفر العوامل التي يُجري السنن بموجبها من غير اهتمام، قصر الزمن أو طال، لكن السنة الكونية المتعلقة بذلك مؤكدة الحدوث، ولا تتأثر بأي عامل آخر سوى الشروط التي أثبتها مبدع الكون وخالق المخلوقات والتي أسماها كلمات الله (السنن التي وضعها حاكمة لأحداث الكون ومعيشة المخلوقات)، ولم يسمها قوانين الطبيعة، لأن القوانين محكومة بثابت أعلى يجريها، بينما الكلمات أوامر لا يحكمها شيء غير الذات الإلهية، والتي لا يعلوها شيء ولا قبل لأي ظرف أو مصادفة بتعديلها أو التأثير فيها.
من هنا نفهم أن وعد الله حق مطلق، سيحدث حتما، ولا يمكن إخلافه، لأن الإنسان إذا وعد وعدا، قد ينفذه وقد يخلفه حتى لو كان صادق النية فيه، ويعتذر بظروف قاهرة منعته، لكن الخالق القدير فوق كل المعذّرات، فلا شيء يمكن أن يحول دون تنفيذ وعده، فهو الذي يخلق الظروف ويلغيها.
وقد أكد هذا الوعد في أكثر من موضع في كتابه العزيز، مثل قوله تعالى: “كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي” [المجادلة: 21]، كما قال: “وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون” [الصافات: 173]، وقال: “إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَاد” [غافر: 51]، فضمن الله لهم النصر في الدنيا والآخرة.
كما بين لنا تعالى أن وعده هذا ليس وقفا على نصره رسله والذين آمنوا معهم زمن الدعوة فقط، بل كل من اتبعهم الى يوم الدين، شريطة الصدق في الإيمان: “وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا” [المائدة:12].
وفي قوله تعالى: “إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15] حدد شروط الصدق في الإيمان بثلاثة:
1 – الإيمان بالله إلها واحدا لا شريك له.
2 – الإيمان بخاتم رسل الله واتباع الدين الذي دعا له، وثباتهم على ذلك من غير أن يخاط إيمانهم أي شك.
3 – الجهاد بالمال وبالنفس دفاعا عن عقيدتهم وحماية للدعاة الداعين لا تباعها.
كما أكد أن وعده نصر هؤلاء الصادقين في إيمانهم إن كان ديدنهم عمل الصالحات أيضا، فيمكن لهم في الأرض من بعد نصرهم بإقامة دولة إسلامية عزيزة الجانب، لكي يطبقوا منهج الله، وعندها يستتب لهم الأمن فلا يخشون عدوا باغيا، ويحققون الاكتفاء ويعم عليهم الرخاء: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النور:55]، وقد ثبت تحقق ذلك تاريخيا بقيام الدولة الراشدة التي حققت الأمن والرخاء فعلا، واستمر ذلك ما استمر ايفاء المؤمنين بالشروك الآنفة.
النقطة الهامة أن الله تعالى لا يتعامل مع البشر كأفراد فقط، بل يتعامل مع المجتمعات كوحدة واحدة، فلو وجد أفراد محققون للشروط بذاتهم، لكنهم لا يؤثرون في المسار العام للمجتمع، والمحصلة العامة فاسدة، فيعتبره الله فاسدا.
من هنا لا ينفع الصلاح الفردي في مجتمع مؤمن، لكن يحكمه نظام سياسي معرض عن منهج الله ومتبع لغيره، فلا يمكن أن ينصره الله مهما كانت نسبة العابدين الطائعين، لذلك رأينا الدول العربية تنهزم هزائم منكرة، رغم أنها كانت أكثر عددا وعدة من مجاهدي القطاع، فيما نصر الله المجتمع الصغير المحاصر، الذي يحكمه مؤمنون صادقون ومتبعون لمنهج الله.

مقالات ذات صلة
اعلان
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى