نور على نور

نور على نور
د. هاشم غرايبه

أعلن في الكيان اللقيط بابتهاج عن افتتاح أول مطعم يهودي أي يقدم طعام (الكوشير) في دولة الإمارات، والذي يقابل الطعام الحلال في العقيدة الإسلامية، وذكر في حيثيات الخبر أن هذا المطعم قد أصبح له ضرورة في ظل تزايد التبادل السياحي بين الإمارات والكيان اللقيط، والذي توسع تحت مسمى حملة التسامح الديني.
التسامح بين الأديان شعار جميل لكنه بلا مضمون، وهي حملة أخرى في سلسلة الحملات المتتالية عبر العصور تستهدف الإسلام فقط، وليست دعوة لصلاح البشر، تماما مثل الحث على نبذ الإرهاب، والذي ثبت بالتطبيق العملي أنه لا علاقة له بالمسمى، بل يعني الإسلام.
ربما يلاحظ المتفحص للتاريخ الإسلامي أن المسلمين كانوا يفرقون في تعاملهم مع مخالفيهم في العقيدة: ما بين متبعي العقائد الوثنية، وبين أهل الكتاب (اليهود والنصارى)، الذين كان لهم اعتبار واحترام، وذلك باعتبارهم مؤمنين برسالات سماوية وأتباع أنبياء مكرمين، ورأينا في سورة الروم كيف أن الله بشر المسلمين بنصر هؤلاء على الوثنيين عبدة النار، وكيف فرحوا بذلك.
غير أن ذلك الود لم يكن متبادلا، فظل أهل الكتاب يكنون الحقد ويناصرون المشركين، حتى قطع دابر الشرك في الجزيرة واستتب الأمر لدين الله.

تجاوز المسلمون كل ذلك التاريخ الأليم، فمنذ الدولة الأموية والعباسية الى اليوم، ظل التعامل مع اليهود والنصارى كما أمرهم بذلك دينهم بالحسنى، ولم يضيقوا على أحد منهم أو يكرهوه على دخول الإسلام، بل ارتفع للعلماء والأدباء منهم شأن كبير.
على أن ذلك لم يطفئ الحقد الدفين، وسببه أن الرسالة الخاتمة المهيمنة على كل الرسالات السابقة نزلت على غير بني إسرائيل، لذلك ظلوا والى اليوم لا يعترفون بها كدين سماوي، لأن اعترافهم بذلك يعني أن يتبعوها.
لم يتأثر المسلمون، ولم يردوا على العداء بالمثل، كما أنهم لم يحاولوا الضغط على من كان يعيش بينهم لتغيير عاداتهم أو طقوسهم، بل ظلوا ينظرون الى التوراة (تشريعات أهل الكتاب) بكل احترام.
لكن المبالغة في الثقة بمعلومات أحبار اليهود أدت الى سلبيات كبيرة أثرت في الفقه الإسلامي، سببتها رغبة بعض الفقهاء بإيراد ما لم يورده آخرون، والشغف بالبحث في تفصيلات وفرعيات لم ينزل الله بها من سلطان ولم ير لزوما لإيرادها في القرآن أو نفعا للناس، وهي المتعلقة بتفصيلات أخبار الأمم السابقة، ذلك فتح الباب لما دعي بالإسرائيليات، والوقوع في فخ التنطع والتشدد واتباع الأهواء التي وقع فيه بنو إسرائيل.
الى ما قبل احتلال فلسطين وإقامة الكيان العسكري اليهودي فيه، لم يكن هنالك أي عداء لليهود، وفي الدولة الإسلامية كان أهل الكتاب يعتبرون أهل ذمة، أي أنهم في ذمة المسلمين، يرعونهم ويحفظون حقوقهم، وليست الذمية تعني انتقاصا من حقوق المواطنة كما يدعي الحاقدون، بل هي تمييز بالرعاية، لمنع طمس هويتهم، وليس كما يفعل الغرب بالمسلمين لديه حالياً، بحرمانهم من أن يكون لهم ثقافة خاصة، بذريعة أن الرموز الدينية تمنع الإندماج في ثقافة المجتمع، لذا فالذمية حمائية، وليست انتقاصا من حقوق المواطنة.
لقد سجل التاريخ للدولة الإسلامية أسمى صور التسامح الديني على مدار كل العصور، فليس المسلمون بحاجة الى شهادة حسن سلوك في الأخوة الإنسانية، بل الآخرون من بحاجة الى براءة ذمة، في ظل تاريخ أسود من الكراهية والإستعلاء على الآخر المختلف عقيدة أو قومية أو لونا.
ولنا أكبر دليل في تعامل الدولة العثمانية مع اليهود الهاربين من مجازر محاكم التفتيش التي أقيمت على خلفية دينية صليبية، فقد كانت الدولة الإسلامية في أوج قوتها، وليست بحاجة الى تزكية الغرب لها، لكنها بدافع من التزامها بالمنهج الإسلامي، فتحت أذرعها لتحتضن المضطهدين اليهود، رغم تاريخهم الحقدي على الإسلام. بالمقابل لم تبق الدولة الإسبانية الصليبية أية قيمة إنسانية للمسلمين إلا وانتهكتها بفظاعة، وأبسطها تحويل كل المساجد الى كنائس…ولم يتحدث أحد عن التسامح الديني!.
من الذي يحتاج إذاً لإثبات تسامحه تجاه الآخر!؟.
ما يحدث في أنظمة سايكس بيكو هذه الأيام تحت مسمى التسامح الديني والقبول بالآخر ليس له مبرر، لذلك ليس له من تفسير سوى الرضوخ لإملاءات الغرب: فرض الخنوع على الأمة، والقبول بسيادة الكيان اللقيط عليها.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى