نور على نور
د. هاشم غرايبه
ينشغل المؤمنون بالله من أتباع #الرسالات الثلاث بقضية من سينال رضى الله فيدخل #الجنة، فكل أصحاب رسالة يدّعون أنهم الأقرب الى الله.
احتج أتباع موسى عليه السلام بأنه كليم الله، وأنه أنزل عليه #التوراة هدى ونورا، وأنه تعالى رعاهم وحماهم، لكنهم يتناسون أنه فعل ذلك لما اتقوا، وأنهم بعد أن حادوا عما هداهم إليه رغم نزول الرسل تترى عليهم، فكانوا: “كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ” [المائدة:70]، غضب الله عليهم فكان حكمه: “وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ” [البقرة:61]، فلو كانوا أبناء الله وأحباءه هل كان ليحكم عليهم بذلك؟.
أما أتباع عيسى عليه السلام فاعتقدوا أن #المعجزات التي رافقته منذ ولادته وخلال بعثته، تجعل منزلته فوق البشر، وأنه سيخلص أتباعه فقط، وبالتالي فإن من آمن به سيدخله الجنة.
من آمن به طيلة دعوته نفر قليل هم الحواريون، وبعد أن رفعه الله من بين من أرادوا صلبه، مثلما رفع موسى عليه السلام من بين أيدي فرعون عندما شق له البحر، ومثلما رفع محمدا صلى الله عليه وسلم من بين أيدي المشركين ليلة الهجرة، اعتقد أتباعه بعودته قريبا، فلم يدونوا تعاليمه، وظلت دعوتهم تنتشر بحذر الى أن وصلت أوروبا، وبعد أن أقرها “قسطنطين” وأصبحت قيادتها رومانية جرت عليها تعديلات كثيرة، الى أن ظهر المذهب البروتستانتي الذي أعاد الإعتبار الى اليهودية فجعل التوراة والإنجيل كتابا واحدا مقدسا من عهدين، القديم هوعهد الله الى اليهود أنهم شعبه المختار، ثم الجديد للمسيحيين بأنهم أبناؤه وأحباؤه.
وذكر الله ذلك في قوله: “وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ”، لكنه تعالى يدحض ذلك فورا في الآية نفسها: “قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم”، ثم يكمل بالتوضيح القاطع: “بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ” [المائدة:18].
السؤال المهم: الذين يؤمنون بأن التوراة من عند الله لم يرفضوا اعتبار الإنجيل سماويا، فبأية حجة يرفضون اعتبار القرآن كذلك؟. مع أنه لم يرد في هذين الكتابين ما ينفي أن ينزل الله كتابا بعدها؟
يقول تعالى في دحضه لهذا الإدعاء: “وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهْوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” [البقرة:111].
وفي هذه الآية ثلاث محطات مهمة:
1- من المهم ملاحظة أنه تعالى استعمل (بلى) في النفي وليس (كلا)، فاستعمال بلى من دلائل إعجاز اللغة العربية، فهي تأتي جواباً لنفي ما تقدم وتأكيد ما يتلوها.
2- كما أنه تعالى لم ينفِ دخول اليهود والنصارى الجنة بالمطلق، لأن منهم مؤمنين صالحين ولم يُكذّبوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، لأنهم لم يدركوا بعثته، أما الذين كفروا بما جاء به القرآن فلا شك أن إيمانهم انتقض، لأن شرط الإيمان هو التصديق بكل ما أنزل الله.
3- لم يقل تعالى أن الجنة هي لمن (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهْوَ مُحْسِنٌ)، لأن وعده كان أوسع، فما أعده لهؤلاء من أجر قد يكون أعظم كثيرا من الصورة المتخيلة للجنة، بل طمأنهم تماماً، فالخوف يكون من شيء قد يقع والحزن يلم بالمرء على شيء قد وقع.
المفترض بأن يفرح أتباع الرسالات بنزول رسالة تصدق بما أنزل إليهم، لكنهم عادوها أكثر من المشركين فلماذا؟.
لقد فسر لنا تعالى سبب كفرهم هذا: “وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ”، لكنه لم يُبِح لنا الرد عليهم بإنكار رسالاتهم ولا معاقبتهم على سوء نواياهم، بل أمرنا بـ: “فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” [البقرة:109].
لذا فليس متاح لنا تقييم من يستحق الجنة أو النار، فالله وحده يقضي في هذا الأمر من قبل ومن بعد، وليس لنا أن نعاقب أو نثيب.