#نهاية #مأساوية لحاكم #عرش_الطاووس
موسى العدوان
في مثل هذا الشهر وتحديدا في 16 يناير 1979، كانت طائرة الإمبراطور #شاه_إيران تجوب سماء العالم، باحثة له عن ملجأ يأوي إليه، إلاّ أن جميع أصدقائه تنكّروا له، ولم يكن وفيا للصداقة سوى الرئيس السادات، الذي استقبله على أرض مصر. تتلخص مأساة الإمبراطور الملقب بِ شاهنشاه ( ملك الملوك ) بالتالي :
قصة حياة الترف فوق عرش الطاووس، التي عاشها شاه إيران محمد رضا بهلوي لمدة 38 عاما . . هي قصة أشبه بأفلام الخيال. فلو عرف صاحبها نهايتها قبل أن تبدأ، ربما اختار أن يعيش حياة أخرى أكثر بساطة وهدوءا، ولرضي أن يجلس فوق عرش الحقيقة، واكتفى بتاج السعادة بعيدا عن الأوهام.
ولكن حكم القدر يقضي بأن يظل الغد لغزا لا يفصح عن وجهه إلا بعد شروق شمس الحقيقة. لم يكن يدري شاه إيران عندما تسلم زمام الحكم في إيران، أن الزمن يخفي خلف ستارته مفاجآت ومآسٍ لم يحسب لها حسابا ولم تخطر له على بال.
وُلد الشاه محمد رضا بهلوي في طهران عام 1919 ونُصّب وليا للعهد إبان حكم والده رضا بهلوي لإيران. وفي عام 1939 تزوج ولي العهد من الأميرة المصرية فوزية شقيقة الملك فاروق. لم يكن الزواج سعيدا بسبب تصرفات الزوج غير المسؤولة، والبعيدة عن الاحتشام.
وفي عام 1941 قامت قوات التحالف باحتلال إيران والإطاحة بالشاه رضا بهلوي، خشية جنوحه إلى جانب هتلر في الحرب العالمية الثانية وتزويده بالنفط، ونصًبت ولده محمد رضا بدلا منه في الحكم بعد نفي الشاه المخلوع إلى جنوب أفريقيا.
وهنا جاء دور النساء في الصراع على الحكم، فوالدة محمد رضا مُحبَةً للسيطرة، وكانت تكره فوزية زوجة الشاه، إذ رأت فيها منافسة لها في السيطرة على ابنها ضعيف الشخصية، وأرغمتها على ترك زوجها والعودة إلى مصر. ثم تزوج بعدها الإمبراطورة ثريا، وأتبعها بزوجة ثالثة هي فرح ديبا والتي أطلق عليها لقب ” الشهبانو” والتي أحبها الشعب، ورافقت زوجها إلى آخر لحظة بحياته، حتى بعد أن أطيح به من الحكم.
خلال عهده عانت البلاد من اضطرابات سياسية وتدهور الوضع في البلاد، واحتدم الصراع بين الشاه محمد رضا ورئيس الوزراء محمد مصدق، الذي أجبر الشاه عام 1953، على مغادرة البلاد إلى العراق ثم إلى إيطاليا. ولكنه عاد بانقلاب مضاد في نفس العام، دبرته المخابرات الأمريكية والبريطانية وبمساعدة الجنرال فضل الله زاهدي.
فاستعاد الشاه عرشه وأقال رئيس الوزراء مصدق، ثم ألغى الأحزاب وأبقى على الحزب الحاكم، وأعاد العمل بجهاز البوليس السري ” السافاك ” الذي بطش بالشعب، ولكنه من جانب آخر وزع قطعا صغيرة من الأراضي على الفلاحين، وسمح للمرأة بالتصويت في الانتخابات النيابية.
لم يأخذ الشاه الدرس والعبرة من الماضي، عندما أجبر على مغادرة البلاد، إذ واصل نهج والده في ارتكاب الجرائم ضد الشعب الإيراني، والذي يتمثل بالبطش والقهر والتعذيب وقتل العلماء، الذين لم يكن لهم ذنب سوى أنهم كانوا يطالبونه بمنح الحرية للشعب. فقامت المظاهرات الحاشدة من جميع فئات الشعب عام 1977 واستمرت ليلا ونهارا بلا انقطاع لمدة عامين.
وكانت أعداد القتلى تتزايد يوما بعد يوم، إلى درجة أن قسما كبيرا من الجيش انضم إلى المتظاهرين، بسبب تأثره بالوحشية التي كانت تُواجه بها المظاهرات. وفي 16 يناير 1979 اضطر الشاه تحت إلحاح من الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الهروب ومغادرة إيران بطائرته الخاصة.
ضاقت الدنيا بالشاه ولم يجد دولة حتى من الدول الصديقة ترحب به وتستقبله على أرضها، سوى الرئيس السادات الذي وافق على استقباله، فهبطت طائرته على أرض مصر وهو يشعر بالإحباط الشديد. ونتيجة للصدمات النفسية المتعاقبة أصيب الشاه بتوعك شديد اضطر على أثره، إجراء عملية جراحية لاستئصال السرطان من جسمه، ولكنها لم تفلح في شفائه فتوفي هناك.
لم يتصور أحد أن رجلا بهذه القوة، ويملك ثروة قدرت آخر أيامه ب ٢٠ مليار دولار و ١٥ قصرا في دول العالم المختلفة، وعقارات وفنادق في أرقى المدن، أن يلوذ بالفرار تاركا السلطة والنفوذ، منفيا ومتسولا المأوى من حلفائه وأصدقائه، فيديرون ظهورهم له ويموت خارج وطنه، بعيدا عن طاووسه، بعد حياة أشبه بالأساطير، اضطرته لمواجهة الحقيقة المجردة، في لحظات الخيار الصعب.
لا شك بأنها مأساة إنسانية، عندما يفكر إمبراطور يجلس على عرش الطاووس المرصع بِ ٢٧ ألف جوهرة، ويحمل فوق رأسه تاج أكبر إمبراطوريات الشرق، تزيّنه ٣٧٥٥ جوهرة من الألماس والأحجار الكريمة، ويتركها لا يلوي على شيء منها. إنها مأساة لم تخطر ببال الإمبراطور، أو يتوقعها شعبه أو شعوب العالم.
لكنها حدثت مع شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي، الذي ناصب شعبه العداء وارتمى في حضن الولايات المتحدة الأمريكية، فتخلت عنه عندما حانت ساعة الاختبار. وهذا ما يذكرنا بقوله تعالى في محكم كتابه :
( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير ). صدق الله العظيم.
التاريخ : 11 / 1 / 2022
المراجع :
- لحظات فاصلة في حياة الزعماء / رمزي المنياوي.
- مقالات متفرقة.