
التخريب الأيديولوجي
* خبير التدريب والهندسة النفسية
إنّ التخريب الأيديولوجي هو أسلوب من أساليب القتال تستخدمه الدول المهيمنة على العالم بعد أن وجدت أنّ من الغباء القتال في أرض المعركة و الخسائر التي تكبدتها جراء أشكال الاستعمار والانتداب و غيرها.
أولى أساليب التخريب الأيديولوجي : اسقاط الاخلاق و نزع الروح المعنوية
حيث يعمل هذا الاسلوب في خمسة حقول و هي : الدين و التعليم و الحياة الاجتماعية و القانون و النظام ، ضمن ثلاث مستويات و هي الافكار و الهياكل و الحياة بشكل عام .حيث أنّ هذا الاسلوب يحتاج 15 و20 عامًا، لأنها المدة المطلوبة لتعليم وتخريج جيل واحد من الطلبة المحملين بأيديولوجيا المخرّب subverter في الدولة المستهدفة او العرق المستهدف .
و فيما يخص مستوى الأفكار :
يعد أعلى مستويات التخريب وأكثرها فاعلية، فالأفكار هي التي تؤدي إلى التغيرات الضخمة في مسار التاريخ، ومن أهم أهداف هذا المستوى هو التركيز على الدعائم الفكرية التي ترتكز عليها الدولة المستهدفة كالدين والتعليم والإعلام والثقافة.
بدايةً، على المخرّب أن يفكك الدعامة الدينية التي توفر الثوابت الأخلاقية ويمكن تحقيق هذا بطرق عدة أهمها (تسييس) الديانات السائدة، فربط الأساسيات الدينية بالاتجاهات والصراعات السياسية يعد أول مسمار في نعش هذه الأساسيات لأن هذا يدنسها ويفقد ثقة العامة بها، حيث أن تحقيق هذا الهدف يأتي عن طريق زرع كوادر دينية جديدة أو استمالة الكوادر القديمة كي يخوضوا بقوة في المجال السياسي. من الطرق الهامة الأخرى لتحييد الدين: (التسويق)، فعكوف المؤسسات الدينية على جمع التبرعات من المتدينين تؤدي إلى نتيجتين: أولاهما أن الدين يصبح مجالاً لبروز الأبرع في عملية التسويق الذي ليس من الضروري أن يكون لديه نفس الوازع الأخلاقي، ثانيهما أن المتدين الذي يتبرع يشعر أنه بهذا قد أدى ما عليه تجاه هذا الدين فلا يسعى إلى مزيد من المساهمة مما يبعده عنه روحيًا. طريقة ثالثة هي (جعل الدين مصدراً للتسلية) بأن يصبح رجل الدين كالمؤدي على المسرح وأن يصبح ظهوره أساسيًا في وسائل الإعلام وأيضًا بالاستعانة بالنجوم اللامعين كالممثلين والمطربين للدعاية لبعض الأفكار الدينية، وبهذا تخرج هذه الأفكار من دائرة التبجيل إلى دائرة الهزل.
و يرتكز مستوى الافكار الى ثلاث دعائم رئيسية و هي : الدعامة الأولى هي التعليم، وهدف المخرّب هنا هو نشر الجهل في الدولة المستهدفة مع إعلاء أفكار المخرّب وتمجيدها بحيث تخرج أجيال من الطلبة الناقمين على دولهم العاشقين للأفكار التخريبية، وهذا يتحقق بطرق غير مباشرة مثل برامج تبادل الطلبة التي تعطي الفرصة لإجراء عمليات غسيل لمخ هؤلاء الطلبة، إغراق الجامعات والمدارس بالأعمال الأدبية المختلفة القادمة من دولة المخرّب، دعم الكوادر الطلابية المتطرفة الأفكار، ودعم الجرائد والصحف الطلابية الناشرة لأفكار المخرّب.
الدعامة الثانية هي الإعلام، فاحتكار الإعلام وفرض وجهة نظر واحدة تعد من أهم طرق تأثير المخرّب على أفكار الدولة المستهدفة، هذا بالإضافة إلى التشهير بالكوادر الوطنية والتركيز على المشاكل التافهة وغض البصر عن المشاكل الرئيسية.
الدعامة الأخيرة هي الثقافة، ويحاول المخرّب هنا استمالة الكتاب والشعراء والفنانين المغمورين في الدولة المستهدفة ويدعمهم ويدعم أفكارهم المناهضة لدولتهم حتى يكبروا وتنتشر أفكارهم هذه بين الناس وخاصةً الأجيال الناشئة، ويطلق على هؤلاء لقب: (المغفلون المفيدون useful idiots).
أما فيما يخص المستوى الثاني الهياكل: فالمستوى الثاني بعد الأفكار الذي يعمل عليه المخرّب هو مستوى الهياكل الرئيسية في الدولة المستهدفة كالهياكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وأهم هذه الهياكل هي مؤسسات القضاء والشرطة والجيش، فعلى المخرّب أن يركز على كل ما يثير استياء العامة تجاه هذه المؤسسات ويدفعهم إلى الهجوم عليها مما يقلل من فاعلية هذه المؤسسات في أداء مهامها وهذا بالتالي يزيد من الاحتقان ، و لا سيما المستوى العميق من العمل التخريبي على هياكل المجتمع فيما يخص الاسرة و العشيرة أو القبيلة و كافة أشكال الهياكل الاجتماعية التي تنتج قناعات من شأنها أنّ أي تجمع هو ضد الدولة و لا غنى عن التخريب في الهياكل الاقتصادية و التي ينتج عنها بكل وضوح كافة اشكال الخصخصة بطريقة البيع و افراغ الاقتصاد الداخلي الذي ينعكس بشكل قاس على الطبقة المتوسطة و الفقيرة .
و فيما يخص المستوى الثالث والأخير في خطة المخرّب لإفساد الأخلاق و نزع الروح المعنوية هو مستوى الحياة، ويبدأ هذا المستوى بتخريب الحياة الأسرية، فجعل الأسرة المفككة هي النموذج العام ليقلل من ولاء الابن أو الابنة لهذه الأسرة مما يمهد لتقليل ولائهم تجاه دولتهم كخطوة تالية، جانب آخر لهذا المستوى هو جانب الحياة الرياضية فتشجيع الرياضة أن تصبح احترافية بالمقام الأول يدفع الجموع إلى الاكتفاء بمتابعتها على الشاشات أثناء تناول الأطعمة غير الصحية، وهذا يقودنا بالتالي إلى أهمية تشجيع إنتاج الأطعمة السريعة الاستهلاكية التي تفسد صحة المواطنين وتصيبهم بالبلادة الجسدية والعقلية، بضعة من الجوانب الأخرى لهذا المستوى هي العمل على إثارة حنق الأقليات في الدولة المستهدفة، الحث على زيادة التمدن بما أن الفلاح الذي يمتلك أرضه يكون في الغالب أكثر الناس وفاء لهذه الأرض ومن ثم لدولته، و الوصول الى حالات قصوى من الادمان على الانترنت و وسائل التواصل الاجتماعي وأخيرًا العبث في النقابات العمالية والتشجيع على التظاهرات التي لا تطالب بالضرورة بطلبات مشروعة بل تكون أشبه بمحاولات الابتزاز خاصة إذا تمت في أوقات تكون الدولة فيها في أمس الحاجة إلى خدمات هؤلاء العمال.
و نلاحظ في عالمنا العربي كثير من المصطلحات – التي يلهث ورائها المثقفون و المفكرون و الناشطون و السياسيون و غيرهم الكثير او ما نسميهم (المغفلون المفيدون useful idiots) – كالحداثة و الديمقراطية و التحضر و تعايش الاديان و حقوق المرأة و حقوق الطفل و الدولة المدنية و العلمانية و الليبرالية و التطهير العرقي …. الخ ، و كل هذه المصطلحات ما هي الا ادوات تخريب ايديولوجي غلّفت بأسماء براقة في الشكل و المضمون تصل لحد الاعتناق عند المغفلون المفيدون .
و هنا يجدر بكل معتاد على إعمال الفكر و ارهاقه إن لزم الأمر أن ينظر بغير حماقة معتادة إلى زاوية التخريب التي أتت أكلها و نالت حد الجذور في مجتماعتنا العربية و ان يتوقف عن السذاجة لبرهة من الزمن ، و هي كفيلة ان تعيد كل هؤلاء المغفلون المفيدون الى صوابهم ، علّنا ننقذ انفسنا و اسرنا و وطننا و ما تبقى من ارث ديني و اجتماعي أفرغ من المبادئ و القيم .