نقد فني عن #فيلم_الرعب_الحارث
بقلم #فراس_الور
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) صورة الذاريات آية 56 صدق الله العظيم
“هذَا الْجِنْسُ (الشياطين) لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ” (إنجيل متى 17: 21؛ إنجيل مرقس 9: 29) كلام الرب،
دردشه عامة عن الفيلم و عن مشاهده الافتتاحيه :
فيلم تم انتاجه بسنة 2020 في مصر، و هو من بطولة احمد الفيشاوي و ياسمين رئيس و علي الطيب و اسماء جلال و عارفة عبدالرسول و عمرو عبدالجليل و اسماء ابواليزيد و باسم سمره مع نخبة لامعة من النجوم،
و هو يتأرجح بحقيقته بين ان يكون فيلم رعب متوازي الحبكة و العناصر و بين رعب الاثارة النفسية، حيث نرى بدايات قوية و لكن تقليدية يفتتح بها المخرج فيلمه، فيمهد للصراع بالفيلم من خلال رواية منطقة سيوة في مصر عام 1982 ، و حيث يؤمنون اهل سيوة ان في ليلة معينة مشؤمة تخلو سماؤها من النجوم يزور ابليس منطقتهم ليختار عروس ليعاشرها، و ليؤسس له بذلك سلالة ليحكم قبضته على عالم البشر، و حيث يؤمنون اهل سيوة انها نفس الليلة التي سقط بها آدم و حواء من الجنة حيث اختارا معصية الله حينما اكلا من الثمر المحرم و غادرا جنة الرحمن، و نرى في افتتاحياته مشاهد لاهل القرية و هم بقمة رعبهم حيث يهرعون من الشوارع الى منازلهم مع نسائهم لكي لا تكون احداهن عروس لابليس، و لكن بالرغم من ذلك يدخل اللعين منزل عبلة (اسماء ابواليزيد) و والدها، و سرعان ما يوسوس لعبلة لتستيقظ من النوم، ثم يغويها اليه ليعاشرها، و في تلك اللحظات التي يحبس بها المشاهد انفاسه مما يحدث يستيقظ والد عبلة (عمرو عبدالجليل) و يراها و هي معلقة بالهواء وسط مس مريب تقشعر له الابدان، تكون بالواقع عبله حامل و رغم ذلك يختار والدها حبسها في غرفتها ليحرقها هي و ثمر بطنها الملعون ليتخلص من المس، و لكن تتدخل والدة عبلة (عارفه عبدالرسول) بمشاهد مؤثرة تنادي بها اهل القرية لينقذوا عبله من ألسن النيران التي كادت ان تلتهمها، و بعد ثواني معدودة تضع عبله مولودها و تفارق الحياة و هي على الفراش وسط دموع والدها الذي يندم على فعلته،
في الحقيقة ارى عدة عناصر تضافرت بالفيلم بنجاح لتضفي عليه اجواءه المخيفة، فالتراجيدية تسيطر على الفيلم بقوة منذ هذه المشاهد حيث يدخلنا الى عالمه المشبع بالسوداوية، فيشعر المرء بكارثة ستتوضح مع تقدم مشاهده المثيرة، فيروي الفيلم بصورة عامة صراع الانسان مع الشيطان من خلال شخصيات ابطاله، فالبدايات لهذا العمل وضعت اساسات الصراع بكل اقتدار التي ستتعملق لاحقا من خلال احداثه التصاعدية نحو الذروة، و لعل هذه البداية المشؤمة التي تتكرر مع الابطال في عام 2012 تبقى تفاصيلها مبهمة لتضفي على العمل اثارة رائعة جدا، و لا تنكشف تفاصيل كثيرة الا في نهايته حيث تتعانق الذروة الدرامية مع النهاية في احداث يغلب بها الخير على الشر، و المثير بالموضوع ان النهاية و كأنها اشبه بأصداء لقصة آدم و حواء من خلال مواجهة كمال (علي الطيب) و فريدة (ياسمين رئيس) و يوسف (احمد الفيشاوي)، فيقفون الابطال امام ابن ابليس و هو يغوي فريده الى خدره ليعاشرها وسط اتباعه من جنسه، فوسط نداءات يوسف لفريدة بعدم الانصياع وراء كمال كما فعلت حواء منذ عتقية الزمن و انصتت الى ابليس، تختار فريدة الخير و ترفض وسواس كمال لتطعنه و تقتله و تختار الخير بالنهاية،
دردشه عن احداث الفيلم و خطوطه الدرامية :
في حقيقة الامر الفيلم عموما يمتاز باجواء الاثارة و الرعب و التراجيدية التي تمتزج مع بعض بمقادير رائعة لتغذي اجواء سوداوية درامية تخدم حبكته بنجاح، فالبدايات مشبعة بالاجواء الشيطانية في قرية سيوة…و تكرار المس الشيطاني بنفس المكان مع العروسين يوسف و فريده في فترة لاحقه، و طفلهم الذي بلغ ربما السادسة من العمر و هو لا يتكلم و لا بتفاعل معهم…و وقوفه المتكرر المريب امام النافذه و كأنه يكلم احدهم…القلق البالغ لاهله عليه و هو بهذه الحالة و هم يأخذوه من طبيب لآخر لاستشارته…وفاته المريبه سقوطا من النافذة و التي تسببت بصدمة عنيفه لاهله و انعكاس هذه الصدمة على علاقة يوسف بفريده…انهيار العلاقة رويدا رويدا بين يوسف و فريدة بسبب تقاذفهم للتهم بين بعض عن من السبب بموت عمر ابنهم، حالة التوتر الضخمة التي تسببت بانهيار علاقتهم مع بعض…رؤية فريدة للخيالات و للافاعي و حالة الكتئاب الضخمة التي صاحبتها…قهرها من زوجها بسبب عدم تصديقه لما ترى…ذهابها مع صديقتها شيري (اسماء جلال) الى الشيخ الروحاني شعبان (رشدي الشامي) و ما رأته في بيته…تاثر يوسف البالغ بما تمر به زوجته…عودة فريده للتعاطي و للشرب و ذهابها الى النادي الليلي مع شيري وسط توهانها النفسي مما اصاب اسرتها من احداث استنزفت طاقة تحملها، و كمال الطبيب النفسي و الصديق لاسرتهم الذي ابتدأ دوره الحقيقي الشيطاني بالتبلور بآخر مشاهد العمل حيث ابتدأ بايهام يوسف ان جزءا من الاحداث التي جرت معه وهم بسبب مهدئ يتعاطاه…و محاولاته لاقناع زوحته بان زوجها مريض بانفصام خطير…و ذهاب الزوجين الى سيوة مرة آخرى مع كمال بهدف علاج جماعي مع مجموعة ليتضح انه فخ للايقاع بفريدة العروس الذي اختارها ابليس لتحمل منه ذريته، و هنا بتوقيت اكثر من رائع و المواجهة مشتعلة بين كمال و فريدة و يوسف نرى عن طريق تقنية الاسترجاع flash back بعض من خلفيات كمال حيث يتضخ انه هو من ولد من عبلة في بداية العمل، و حيث نرى ايضا كيف كان يخدعهم و يوقعهم بفخاخ خططه الشريره،
الفيلم به نكهة مصرية بامتياز فلا يشبه اي فيلم رعب مصري آخر، حيث يمتاز بحبكته الخاصة و احداثه التي تميزه عن سائر الاعمال، فهو لعائلة مصرية تنكبها لعنة لإبليس و يروي كيف تتفاعل مع الضغوطات التي تقع تحتها و كيف تتعامل مع سلسلة الاحداث التراجيدية التي يضعها تحتها المس الشيطاني، و كيف تخرج منتصرة مما تم التخطيط لها، و اثني على اداء كافة الابطال به فقاموا بادوارهم على اكمل وجه من خلال سيناريو امتاز بخط روائي درامي واضح فلم يحد عنه حتى النهاية، فقام بسرد احداث حزينه متتاليه يشوبها القلق و الغموض و الترقب و التراجيدية بخط تصاعدي شبه متوازن الى ان وصلنا الى الذروة التي تعملق بها الصراع مع ابليس، و للذي شاهد العمل سيعلم ان العمل وصل الى ذروته في مشاهده النهائية حيث انتهى بقتل فريدة لكمال، ثم اختتم العمل مشاهده و اعوانه تتلاشي مع الريح حين انتهى سلطانه الوقتي في عالمنا، و لم ينتهي الفيلم الا بعد ان شاهدنا ان يوسف و فريدة رزقا بملك، و التي تفاجئنا بآخر مشهد به انها ترسم نفس الرسمة الملعونة التي تكررت بالعمل و التي ترمز لسلطان ابليس على الارض، و اذا شبكنا هذا المشهد مع ما رأيناه بالفيلم سنصل الى نتيجة ان هذا المشهد الختامي يرمز الى الفكر الديني القائل بأن ابليس في سعي مستمر بمحاربة الخير الذي فينا كبشر من خلال ملاحقته للعائلة،
بعض نقاط الضعف في الفيلم
بالرغم من استمتاعي الصادق و الحقيقي بالفيلم الا انني كنت ارى بعد من نقاط الضعف التي كنت اتمنى تداركها وقت انتاجه، و ربما اهمها هو عدم تعملق صراع الخير مع الشر الى امكانيته المرجوة بالعمل، مما لا شك به اننا حينما نطالب بتعملق هذا النوع من الصراع لا نقصد تعظيم مكانة الشيطان اطلاقا، فالعظمة لله وحده له المجد، و لكن حينما يقوى الصراع بين الخير و الشر و تتلاحم هذه القوى باي عمل ينتج عنه تباين رائع و متعة درامية و احداث قد تزيد من عامل الاثارة بالعمل، فالحبكة الدرامية تنتج عن تصارع و تلاحم ابطال العمل مع بعض، و غالبا ما يتم تقديم هذا الصراع ضمن قطبي الخير و الشر عموما بالكثير من الاعمال، و تتنوع انواع الصراعات الادبية بالروايات و الافلام الدرامية بناءا على الرسالة من وراء المادة، و لكن إن عظمة حدة الصراع سينتج عنها اثارة درامية رائعة و احداث ستجذب الجمهور اكثر، و هنا مع الاسف فقدنا الكثير من المتعة الممكنة في الحارث التي كان يمكن بلوغها حينما حجم ظهور الشيطان امام الابطال فقط بخيالات سوداء كانت تارة تحاول مخاطبة الطفل عمر، و تارة كانت تمر بسرعة من امام فريدة و يوسف، و تارة بوجود افعى في منزل الابطال، كما ان مشهد الشيخ الروحاني لم يصل الى امكانياته المرجوة فاختصر بقراءات من كتاب ثم بارتجاف الشيخ و دفع شيري بقوة من مكانها، كان يجب فتح المجال لخيال اكثر و لكتابة مشاهد اقوى حيث دائما ظهور الارواح الشريرة يتبعها احداث خارقة للطبيعة اكبر من التي رأيناها بالفلم، الامثال كثيرة على هذا الامر، فمثلا في فيلم التعويذة للراحل الكبير محمود ياسين و للفنانة يسرا و للراحلة تحية كاريوكا و الذي كان من اخراج الراحل شبل كان عن مس شيطاني يصيب منزل عائلة تقع ضحية لتاجر عقارات خبيث كان يريد ترعيبهم ليتركوا بيتهم، و عند ظهور المس بالمنزل تنوعت الظواهر الخارقة المصاحبة له من نيران و اهتزازات بالمنزل و ادوات كانت تهتز من حين لآخر و نزول الدماء بدل الماء من مواسير المنزل، و لكي اوضح هنا امر هام ان لا اقارن هذه الاعمال ببعض و لكن اقارن عدم التضخيم الدرامي للمس بفيلم الحارث ليقدم الصراع بين الابطال مع الشيطان بصورة درامية اقوى، و على سبيل المثال فيلم Exorcist او طارد الارواح الشريرة الذي تم انتاجه بعام 1973 كان به ابداع كبير حينما عالج قوة تاثير المس الشيطاني على الطفله بطلة العمل، حيث تغير من شكلها كثيرا و حركات جسدها و هي ممسوسة، و لعل حالة الطفلة و ما حدث لها من اقوى المشاهد المؤثرة على الاطلاق التي قدمها هذا الفيلم البارز بسينما هوليود حينها، فيلم The Conjuring الذي تم انتاجه عام 2013 و الذي كان مبني على قصة حقيقية احتوى على كمية مشاهد مرعبة لبيت ممسوس بالارواح، و قدم هذه المشاهد باساليب مبدعة و مثيرة جدا ادخلت الخوف و الهلع الى قلوب المشاهدين في دور السينما حين عرضه، و لكن مع الاسف بالرغم من المس الذي اصاب فريدة بالحارث لم نشاهد مدارك و وقع هذا المس عليها بصورة ناضجة، بل تم اختزاله بابتسامة خبيثة واحدة حينما تلى الشيخ الروحاني تلاواته على فريده، هنالك الكثير الذي كان يمكن صنعه بهذا العمل ليبلغ ذروته الدرامية، و لكن ما رايناه هو اقل من ما تفرضه طبيعة الحبكة بالعمل،
مشهده الختامي ايضا كان ينقصه هذا العنصر من الابداع بما ان ذروة العمل كانت في آخر مشاهده و التي حصلت بها المواجهة الاخيرة و التي مات بها كمال ابن ابليس، راينا خاتمة نفذت بصورة صحيحة و لكن كان يجب ان يتعملق به هذا الصراع اكثر، غابت المؤثرات البصرية كثيرا لنفقد ذائقة الرعب الحقيقية بختامه،
بالنهاية فيلم الحارث مادة ترفيهية جيدة جدا للذي يريد مشاهدة عمل درامي له نكهته المصرية و طابعه الخاص، و يمكن ان يروي عطش محبي هذه الدراما الى درجة مقبولة، و اسردت ما رأيت به من نقاط ايجابية و سلبية حتى انصف ضميري المهني كناقد و كاتب، لا انكر بنهاية هذا المقال رغبتي كناقد فني برؤية جزء ثاني له.