نفقة تعليم الأبناء: دعوة لإعادة النظر

شروق جعفر طومار

نفقة تعليم الأبناء: دعوة لإعادة النظر

شروق جعفر طومار

رغم أهمية ما تم إنجازه من تعديلات على قانون الأحوال الشخصية مؤخرا، وأهمية النواحي التي طالبت الجهات والمؤسسات المختصة والمهتمة، بتعديلها، ولم يأخذ بها المشرع، وضرورة الاستمرار في السعي لتحقيقها، إلا أن عددا من مواد القانون وتفصيلاته ذات الأثر الكبير على مصلحة الأبناء الفضلى بعد طلاق الأبوين والتي تمس غالبية الحالات التي يُعنى بها القضاء الشرعي لم تنل نصيبا من اهتمام المشرعين، ولم يتطرق لها ذوو الاختصاص من قضاة ومحامين أسهموا بالعديد من التوصيات، ولم تدرجها المؤسسات المدنية ضمن مطالبها.

من أبرز هذه المواد، تلك المتعلقة بنفقة تعليم الأبناء والتي تحمل الأرقام 190، و191، حيث نصت الأولى على إلزامية إنفاق الأب الموسر على تعليم أولاده في جميع مراحل التعليم، بينما جاء في الفقرة (أ) من المادة الثانية بأنه إذا اختار الولي تعليم أبنائه في المدارس الخاصة فإنه لا يملك الرجوع عن ذلك دون وجود مسوغ مشروع.

مقالات ذات صلة

وعليه، فقد منحت الفقرة (أ) أحقية اختيار نوعية تعليم الصغير للولي وهو الأب في الغالب، وحجبتها عن الأم، ولم تعطها أي صلاحية للمشاركة في هذا القرار، رغم أنها هي الأقدر عادة على المفاضلة بين الخيارات المتعلقة بشؤون الصغار، ويكون من الأجدر إناطته بها عندها تكون هي الحاضنة للصغار والقائمة على رعايتهم وحفظ مصالحهم.

من ناحية أخرى، تتيح هذه الفقرة للأب التعنت في اختيار التعليم الحكومي للأبناء للانسحاب من تكبد مصاريف التعليم الخاص دون أي مراعاة لوضع الأب المادي وقدرته على نفقات التعليم الخاص، ودون الأخذ بعين الاعتبار العديد من العوامل التي يؤدي إغفالها في حالات كبيرة إلى ضياع مصلحة الأبناء وغبنهم.

من أبرز هذه الأمور؛ عدم مراعاة الحالة الاجتماعية للأب وللأم وبالتالي للأبناء، وللبيئة التي يعيش الأبناء ضمنها والتي تفرض نمطاً معيشياً لا تستوعبه المدارس الحكومية ولا يمكنها بأي حال من الأحوال تحقيق مصلحة هؤلاء الأبناء ضمن الواقع المتردي للتعليم الحكومي بغالبيته في مختلف النواحي الأكاديمية والتربوية والصحية والبيئية وغيرها، وهو واقع لا يمكن نكرانه أو تجميله.

بالإضافة لذلك، لا يتم النظر بشأن توفر عناصر السلامة والأمان للأطفال من عدمه، خصوصاً للفئات العمرية الصغيرة في حال اضطرارهم للالتحاق بالتعليم الحكومي في المناطق التي يعمد غالبية قاطنيها إلى إلحاق أبنائهم بالتعليم الخاص، بسبب عدم خدمة تلك المناطق بمدارس حكومية قريبة وعدم توفر المواصلات المخصصة لنقل الطلاب.

الأمر الآخر الذي أغفلته هذه الفقرة، هو أنها منحت الأطفال الذين وقع الطلاق بين أبويهما بعد التحاقهم بالمدارس الخاصة، صكاً أبدياً يكفل استمرار الأب بالانفاق على تعليمهم في القطاع الخاص، بينما يقف الحظ العاثر في وجه معظم الأبناء الذين يقع طلاق والديهما قبل التحاقهم بالدراسة، حيث يعمد غالبية الآباء في هذه الحالة إلى استعمال حقهم في الاختيار باتجاه التعليم الحكومي.

نفقة التعليم هي واحدة من أهم حقوق الأبناء على أوليائهم، وضمان حصولهم على هذا الحق بشكل عادل هو أمر تقتضيه الحدود الدنيا من مبدأ مراعاة المصلحة الفضلى للأبناء، وينبغي أن تكفل عملية التقاضي ذلك، إما من خلال إجراء تعديل على نصوص القانون تربط تحديد النفقة بالعوامل المذكورة أعلاه، وبشكل خاص بحال الأب يسراً وعسراً أسوة بالعديد من مواد القانون ذاته وعدم إناطة الأمر باختيار الأب لنوعية التعليم، أو بأن يتم إعطاء هيئة المحكمة صلاحية تقدير نوعية التعليم المناسبة للأبناء بما يحقق مصلحتهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى