نعم… للاستراتيجية الزراعية الجديدة

نعم… للاستراتيجية الزراعية الجديدة
م. عبد الكريم أبو زنيمة

أكاد أجزم أنَّ معالي صالح الخرابشة وزير الزراعة المكلف قد وضع يده على جرح الزراعة النازف منذ عقود من الزمن وحدد في استراتيجية إعادة هيكلة وتطوير القطاع الزراعي التي تحدّث عنها في المؤتمر الصحفي يوم الاثنين الموافق 24/8/2020 الخطوط العريضة وملامح النهوض بالقطاع الزراعي، هذه الملامح التي حددها معاليه تنم عن خبرة وكفاءة ومهنية عالية جدًا لمعالجة الاختلالات التي لحقت بالقطاع الزراعي وستشكل نهضة وقفزة نوعية للقطاع إذا ما واكبها برامج زمنية وخطط مالية وإدارة وطنية كفؤة لتنفيذها.
لقد شهد القطاع الزراعي نكسات خلال العقود الماضية نتيجة فشل السياسات العامة والزراعية خاصة، كان أولها في سبعينيات القرن الماضي عند تدفق رؤوس الأموال نتيجة أسعار البترول والاهتمام بالقطاع الصناعي على حساب القطاع الزراعي وهجرة العاملين في هذا القطاع إلى المدن، أما النكسة الثانية فكانت نتيجة للأزمة الاقتصادية وانهيار سعر الدينار أواخر ثمانينيات القرن الماضي مما أدت إلى ارتفاع كافة كلف مستلزمات الإنتاج بشكل كبير مع الإبقاء على ثبات سعر بيع المنتوجات الزراعية، النكسة الثالثة كانت بسبب انضمام الأردن إلى منظمة التجارة العالمية وإزالة الحواجز الجمركية أمام المنتوجات المستوردة وما تبعها من رفع فاتورة الطاقة وفرض المزيد من الضرائب على مدخلات الإنتاج الزراعي وكلف النقل والشحن، هذه النكسات أدت إلى تراجع مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي من حوالي 30% في خمسينيات القرن الماضي إلى حدود 4% حاليًا وتراجعت كذلك نسبة المشتغلين في القطاع الزراعي لنفس الفترة من حوالي 50% إلى 2% حاليًا من مجموع القوى العاملة.
لقد أكد معاليه أن الاستراتيجية تعمل على تطوير الأنشطة في المجالين النباتي والحيواني وتطوير قاعدة بيانات زراعية تمكن المعنيين من اتخاذ القرارات الزراعية المناسبة في الزمن الملائم وكذلك أكد على تطوير نظم الإنتاج وفق تكنولوجيا العصر والتركيز على نظم الزراعات المائية الحديثة، وأكد في حديثه على إنتاج وتطوير المحاصيل الاستراتيجية التي يعتبر القمح أهمها، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن إنتاج القمح تراجع من 233 الف طن عام 1954 إلى 12 الف طن عام 2017! وأكد أن الاستراتيجية تتضمن تفعيل وتنشيط ودعم الصناعات الزراعية التحويلة التي ستمتص نسبة كبيرة من فائض الإنتاج وتشغيل أعداد كبيرة من الباحثين عن العمل، كذلك ستطبق الاستراتيجية معايير الجودة التي تتطلب تطوير أدوات وآليات الفرز والتعبئة والتغليف والشحن وكلها ستوفر فرص عمل جديدة، كما تطرق إلى تطوير قانون اتحاد المزارعين وتقديم الدعم للتعاونيات وتسهيل الصادرات والإعفاءات الجمركية..الخ .
منذ عقود والقطاع الزراعي يئن من المآسي والمصائب التي ألمت به ولم يجد له نصيرأ في محنه، بل ذهب الكثير من المسؤولين وبعض المأجورين من المحللين الاقتصاديين وكُتّاب التضليل إلى التقليل من شأن الزراعة وأهميتها في النشاطات الاقتصادية مما سهل على متخذي القرارات بفرض الضرائب عليها ورفع اسعار المحروقات والمياه والكهرباء وإيلاء القطاعات الاخرى الأهمية، اليوم هذه الاستراتيجية كما تابعت خطوطها الرئيسة خلال المؤتمر الصحفي تعالج معظم المعضلات والمشاكل إن لم تكن كلها التي تواجه هذا القطاع، نأمل أن لا تكون امتدادًا لما سبقها من خطط فشلت أو أفشلت، نأمل أن تتوفر الإرادة السياسية والدعم المالي لإنجاح هذه الاستراتيجية، وكما شاهدت معالي الوزير عبر الشاشة وأنا لا أعرفه شخصيًا لكني أعرف مدى اهتمامه بتطوير قطاع الزراعة وهو الأكبر من معرفتي له وكما يقال بالمثل الشعبي “العيون مغاريف الحكي” انه كان جادًا وصادقًا بكل ما قاله وكان سرده لملامح الاستراتيجية يدل على معرفته الكاملة لكل الأسباب التي أدت لتدهور هذا القطاع كما يدل على رؤيته وجديته بالنهوض بهذا القطاع الحيوي، وإن جاز لي كابن لهذا القطاع المطالبة بأن يوكل لمعاليه الإشراف على تنفيذ هذه الاستراتيجية حتى تحقق أهدافها كاملة عبر مسؤوليته كوزير للزراعة وتوفير الدعم المالي اللازم والمعنوي لها، فهذا القطاع الإنتاجي يعتبر الأهم في النشاطات الاقتصادية وأكبر حاضن ومشغل للأيدي العاملة المباشرة وغير المباشرة، فلم يعد لدينا ترف من الوقت لنخسر هذه القامة كما خسرنا غيره كانت لديهم رؤى وانتماء وطني وحس بالمسؤولية تجاه هذا القطاع وتجاه الوطن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى