
#نشأة #مصطنعة و #مصير_محتوم.. #أفول #الأحزاب_السياسية في #الأردن “
بقلم: أ. د. محمد تركي بني سلامة
لم تعد أزمة الأحزاب السياسية في الأردن خافية على أحد؛ فهي أزمة مركبة تتجاوز ضعف البرامج والرؤى إلى بنيةٍ مشوّهةٍ نشأت في ظروف غير طبيعية، وغُذِّيت بثقافة الفرد الواحد والزعيم الأوحد، حتى باتت مقرات الأحزاب وفروعها شاهدة على حالة التآكل والجمود التي تعصف بالمشهد الحزبي من الداخل. من قاعات الاجتماعات الخاوية إلى المنابر البرلمانية التي تفتقر إلى الصوت الجمعي، تتجلى ملامح أزمة عميقة عنوانها: غياب الحياة الحزبية الحقيقية.
نشأة مصطنعة وأحزاب بلا جمهور
لقد نشأت معظم هذه الأحزاب نشأة مصطنعة، بلا جذور اجتماعية أو قاعدة فكرية، فكانت النتيجة كيانات هشة تتنازعها المصالح الشخصية أكثر مما توحدها البرامج السياسية. هي أحزاب تُصنع في الغرف المغلقة وتُدار كأنها شركات خاصة، تخلو من الروح الديمقراطية وتُقصي الرأي المخالف. ليس غريباً إذن أن نشهد موجات متكررة من الاستقالات والانشقاقات، فالتنظيم الذي يقوم على الولاءات الشخصية لا يمكن أن يصمد أمام أول اختبار.
الفردية والشخصنة.. آفة العمل الحزبي
تحولت الأحزاب عندنا إلى مسارح للفردية والشخصنة. الزعيم هو الحزب، والحزب هو الزعيم. يغيب الحوار الداخلي، وتُهمّش الكفاءات، وتُدار القرارات وفق المزاج لا المؤسسات. وحتى تحت قبة البرلمان، نجد السلوك التصويتي لأعضاء تلك الأحزاب انعكاساً لهذه الحالة، إذ يصوّت العضو وفق قناعاته أو مصالحه، لا وفق موقف حزبه المفترض. إنها فوضى سياسية مقنّعة، تدّعي التنظيم وتمارس العشوائية.
ديمقراطية غائبة وجمهور عازف
كيف يمكن لأحزاب لا تمارس الديمقراطية في داخلها أن تقنع المواطن بجدوى الديمقراطية في الوطن؟ المواطن الأردني اليوم أكثر وعياً من أي وقت مضى، وقد أدرك أن هذه الكيانات لا تمثله، ولا تعبّر عن همومه، بل تستهلك الوقت والجهد في صراعات داخلية لا طائل منها. لذلك عزف الناس عن الانخراط فيها أو حتى متابعة نشاطاتها، فأحزاب الأشخاص لا يمكن أن تتحول إلى أحزاب جماهير.
أحزاب إلى زوال.. وبدائل رقمية صاعدة
إن استمرار هذه الحالة ليس قدراً محتوماً، لكنه تحذير واضح بأن الأحزاب التي تنشأ نشأة مصطنعة مصيرها الزوال، لأنها ببساطة بلا روح. لن تعمّر طويلاً لأنها لا تنبض من نبض الشارع، ولا تعيش من طاقة الناس. في المقابل، تشكل منصات التواصل الاجتماعي اليوم بديلاً حقيقياً، فهي أكثر تفاعلاً وصدقاً وتأثيراً في الرأي العام من كثير من الأحزاب المسجَّلة على الورق. هناك، في الفضاء الرقمي، يولد الحوار الحر، وتتشكل القناعات، وتتبلور الاتجاهات.
إن إنقاذ الحياة الحزبية في البلاد يبدأ بالاعتراف بالخلل البنيوي العميق فيها، وبالتحول من أحزاب الأشخاص إلى أحزاب الأفكار، ومن التنظيمات الورقية إلى مؤسسات سياسية حقيقية تؤمن بالتعددية والمساءلة والتداول. ما لم يحدث ذلك، فسنظل ندور في حلقة مفرغة، تملؤها الشعارات وتخلو من الفعل، حتى تُطوى هذه الأحزاب كما تُطوى أوراق النسيان.




