نسوان حارتنا والحب
لم يكن الحزن والفرح والاحلام هو فقط من يوحّد حارتنا ، العنوان البريدي ايضا كان كذلك ( الاردن ِالكرك- الثلاجة – دكان الحاجة ختمه .
هكذا وصلت رسالة ابو سعد قادمة من الخليج العربي حتى وصلت للدكان ، وكان قدري أن أكون اول الواصلين الى الدكان ساعة وصولها ، لذلك طلبت الحاجة ختمه مني ان اتعرف الى اصحابها ، قلت هي لام سعد كما هو واضح من الخط الذي لا يقل سوء عن خطي .
حملت الرسالة واخذتها لأم سعد في الزقاق المجاور ، وما أن طرقت الباب حتى ظهرت بشعرها الأشيب المنكوش وهيئتها الرثه ، ذكرتني بحكايات جدتي عن الغولة التي كانت تمشّط شعرها بقفص صدري لانسان .
سلمتها الرساله ، وقبل ان أغادر سألتني بخيبة : ويش صفك يا عيل ؟
قلت : أول اعدادي .
قالت : يعني بتعرف تقرا وتكتب ؟
قلت : يعني .
قالت : تعال اقرا الي هالمكتوب تراني نسيت القرايه والكتابه من زمان .
اعلم ان ام سعد امرأة امية وكانت تتعلم في صف محو الامية الذي فتحته خالتي زكيه قبل عام ، لذلك لن تكتشف اخطائي ولن تعاقبني على ذلك مثل الاستاذ عدنان .
فتحت الرسالة ورحت اتلو عليها ما تيسر لي من الكلمات …
المقدمة هي ذاتها التي قرأتها في كل رسائل الغائبين عن حيينا وكأنهم توحدوا عليها ..
بعد السلام ارسل لكم هذه الرساله من بلاد الغربه …
حتى وصلت الى نهاية الفقرة .
كانت الكلمة الوحيدة في السطر الأول من الفقرة الثانية كفيلة بأن تربكني حد التعرق …
الملعون ابو سعد كتبها باللون الأحمر وبخط أكبر مما هي عليه باقي الكلمات ..
(حبيبتي أم سعد )
شعرت بالخجل الشديد وبدأ العرق يتصبب من جبيني ، والصمت تلبسني ،،
نهرتني أم سعد وطلبت مني أن أكمل القراءة .
احترت في امر الكلمة وكيف انطق كلمة حبيبتي في وجه أم سعد وانا الطفل الذي يخجل أن ينطقها في حلم.
لكزتني أم سعد هذه المرة بيدها الخشنه ، عبثا حاولت ان اتجاوز الكلمة بتجاهلها ولكن الكلمات غابت عن عيني ، قلت لأم سعد ( خط جوزكي مثل خرابيش الجاج مش عارف اقراه).
غضبت أم سعد وسحبت الرساله من يدي ولاذت الى بيتها بعد أن تركتني أغرق في خجلي بفعل كلمة (حبيبتي) وكنت اتساءل فيما اذا كان ابو سعد قد شعر بالخجل مثلي؟!
هل كانت أم سعد ستصفعني فيما لو قلتها ؟
يا ويلي لو عرف الاستاذ عدنان اني قرأت الكلمة لأم سعد ، لا شك انه سيعاقبني بتهمة السرسره والصياعه .
ظل الصمت يتلبسني وانا أفكر فيمن يجرؤ على قراءة الرسالة لأم سعد …
وكنت أردد ، تبا لك يا ابا سعد السرسري .
غابت الشمس كما غاب وجه أم سعد حين تركتني وأغلقت باب بيتها في وجه خجلي.