نسمع عن الإصلاح، ولكن أينه ؟

نسمع عن #الإصلاح، ولكن أينه ؟ / د. #علي أحمد #الرحامنة 

من يق ول إن “حدّوثة إبريق الزيت” ت ارث مضى، فهو واهم …
فهذه الحكاية القصيرة الطويلة التي سمعناها وتعبنا مع حلقاتها المفرغة صغا ار، ن ارها “تتبختر” بين ظه ارنين ا صباحً ا ومساءً، يومًا بعد يوم، وسنة بع د سنة، وعقدًا بعد عقد من السنين. صحيح أن اسمها تغيّر، ولكنها هي هي: “ح دّوثة إبريق الزيت”، وإن استعارت لنفسها مسميّات جديدة، بما يتواءم مع م ازج هنا، وحالة هناك، وبين مطلب طالع، وآخر نازل. ويبدو أن المسمّى الأهمّ للحدّوثة صار “الإصلاح” في بلدنا الغالي، الأردن.
ومع أن القيادة السياسية الأعلى في البلد نادت ثمّ نادت الحكومات وكلّ المعنيّين بالشروع الجاد ف ي العمليّة الإصلاحية، إلاّ أن هذه العملية تبدأ في الإعلام، وتكاد به تنتهي. مرة تتشكّل لجنة، وفي أخرى تتمّ اللقاءات، وفي ثالثة يبادر المبادرون، ولكن، ما من إصلاح! وهنا يكمن السؤال -المعضلة: لماذا؟!
لنتفق أولا على ماهيّة الإصلاح المنشود، وميادينه، وأولو يّاته ،وسبُل تنفيذه .
في الماهيّة، لا تأتي الدعوة للإصلاح العامّ ، إلاّ في مواجهة حالة عطب أو عطل أو خلل سائد، يمثل الاستم ارر في التعايش معه مخاطر تبدأ بسوء حال العبا د، ولا تتوقف عند سوء حال البلاد، بل قد تطال قضايا الأمن الوطني والسلم الاجتماعي، وتتجاوزهما إلى ما هو أبعد من ذلك…
وفي ميادين الإصلاح، تبرز في بلادنا عناوين الاقتصاد والسياسة والإدارة، ولكل منها ميادينه الفرعية، ومفاعيله الاجتماعية والحياتية المباشرة ،وبعيدة المد ى، مثلما هو الحال مع مجمل مسيرة الوطن والمواطنين، أي الدولة في كلها وفروعها. أمّ ا في الأولويّات، فتتسابق قضايا الاقتصاد والسياسة على قمة سلم الأولويات، وتمرّ قضايا الإصلاح الإدار ي، وما أصعبها، في مرتبة ثالثة…
وفي سُ بُل التنفيذ؟

ناد ار ما نسمع أو نق أر ما ه و مقنع في هذا الموضوع خصوصًا، ولعلّ السبب في ذلك مردّه في أن هذا هو مربط الفرس، والذي في حدّه الحدّ بين السير فعلا في طريق إصلاحات جوهرية، أو “تسليك الوقت،” إلى أن يأتي فرج ما، لا أح د يعرف مصادره الدنيوية الملموسة. وحتى لا تكرّر هذه المقالة الخطأ نفسه، وفيما يشبه التذكير بأبجديّات السياسة، يمكن القول إن الميدان السياسي يبقى ذو أولوية، وبدون أولوية السياسة، بما هي إدارة للص ارعات، يصعب فعلا الخوض في عمليات إصلاح اقتصاديّ أو إدار ي أو أيّ إصلاح آخر. السياسة تقرّر الاتجاهات، والاتجاهات حاسمة في أيّ عملية إصلاحية ذات مصداقية. وبالطبع، هذه المنظومة لا تعني الفصل بين المركبات، فالسياسي والاقتصادي والإداري مركبات تتفاعل في كل لحظة، ضمن نظام واح د، وأن تكون الأولوية للسياسة، لا يعني انتظار تمامها، لتبدأ بعدها عملية أخرى… هذه المركبات متفاعلة، تعيش معًا ولا تنفصم، ولكن الرؤية السياسية هي التي تحدد مسا ار ت العمليّا ت الأعمّ، وهنا تأتي الأولوية.

ولكن من أين لنا أن ندير سياس يّا هذه العملية المركبة، ونحن نعيش عشرية سنوات بعد أخرى مع نظام انتخابيّ يصرخ أنه فاشل، وفيما “الخوف” من القوائم الوطنية يطغى على كلّ اعتبار آخر، والأح ازب والحريّات والإقبال على العمل الحزبي كينونا ت تئن تحت ما يشبه “العرفية من ط ارز جديد”؟ ومن أين لنا أن نصلح سياسيا، وفي الإدارة ومواقع أخرى من مصانع الق ارر ما بها من “حرس قديم” لا يرى الإص لاح إلا تهدي دًا له و”لمكتسب اته” المشبوهة!! والتلويح “بالديمغ ارفيا” صار شمّ اعة كل نكوص عن التغيير، لتبقى شعا ارت “دولة المواطنة” أمام علامات سؤال كبر ى! والأردن الذي شهد من قبل في مسيرته المديدة حكومات برلمانية فاعلة وقوية، وحياة حزبية متقدمة، صار “يُتهم” زوار بأنه غير مهيّأ بعد للديمق ارطية ومتلطباتها، وفي ذلك مجافاة للواقع، وإساءة للأردن يّين التوّاقين للنهوض بدولتهم، ديمق ارطيًّا، وفي شت ى المجالا ت…

وسياسيا واقتصاديا وإداريا )خصوصا(، أتعبنا ت اركم تدنّي الكفاءة، وغياب الضمير العامّ أمام أهل المصالح الشخصية، والقفز عن المحسوس بعبا ارت جهوية ضيقة، تخفي في الواقع رغبة في دفن أيّ تغيير جادّ، والذي هو في الواقع تهديد لكلّ عدوّ للتغيير .

وفي خلاصة غير كافية، لا بدّ من القول إن الأشخاص الذين أنتجوا الحاجة إلى إصلاحات بهذه السعة وهذا العمق، غير أهل لحمل أعباء الشروع في إصلاح جا دّ، وسيحاولون حتى أمام القيادة الأعلى للدولة، أن ي اروغوا ويماطلوا، وقد فعل وا ذلك وسيفعلونه، بصورة أو بأخر ى… أنريدهم أن ينقلبوا

على أنفسهم، وأن يأتيهم إلهام الإصلاح والديمق ارطية والعدالة وحسن الإدارة من حيث لا يدرو ن، ومن حيث لا يريدون، ومن حيث لا يستطيعو ن؟ ه اتوا مفردات جديدة، ولنأمل أن نصل إلى جُمل جديدة ونصّ جديد!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى