نسائم الأسحار وآداب الدعاء في شهر رمضان المبارك

نسائم #الأسحار وآداب #الدعاء في #شهر_رمضان المبارك / ماجد دودين

قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: ١٨٥ – ١٨٦].

في وسط سياق الآيات التي تتحدث عن الصوم، نجد لفتة عجيبة إلى أعماق النفس وخفايا السريرة، نجد العوض الكامل الحبيب المرغوب عن مشقة الصوم، والجزاء المعجّل على الاستجابة لله تعالى، نجد ذلك العوض وهذا الجزاء في القرب من الله جلّ وعلا وتقدّس، وفي استجابته للدعاء، تُصوّرُه ألفاظ شفافة منيرة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}. فإني قريب… أجيب دعوة الداع إذا دعان… أيّ رقة؟!، وأيّ شفافية؟!، وأي إيناس. وأين تقع مشقة الصوم ومشقة أي تكليف في ظل هذا الود، وظل هذا القرب؟!! وظل هذا الإيناس.

وفي كل لفظ في الآية كلِّها تلك النداوة الحبيبة: إضافة العباد إليه سبحانه، والرد المباشر عليه منهم سبحانه، لم يقل لهم: فقل لهم إني قريب، إنما تولى بذاته العلية الجواب على عباده بمجرد السؤال… قريب… ولم يقل: أسمع الدعاء… إنما عجل بإجابة الدعاء: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} … إنها آية عجيبة… آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة، والود المؤنس، والرضى المطمئن، والثقة واليقين… ويعيش منها المؤمن في جنابٍ رَضَىٍّ وقربى ندية، وملاذ أمين وقرار مكين. وفي ظل هذا الأنس الحبيب، وهذا القرب الودود، وهذه الاستجابة السريعة من الله يوجه الله تعالى عباده للاستجابة له، والإيمان به، لعل هذا يقودهم إلى الرشد والهداية والصلاح، فالثمرة الأخيرة من الاستجابة هي لهم كذلك، وهي الرشد والهدى والفوز والصلاح والفلاح، فالله سبحانه غنيّ عن العالمين.

والرشد الذي ينشئه الإيمان وتنشئه الاستجابة لله هو الرشد المطلوب للحياة السعيدة التي تُرضي الله، واستجابة الله للعباد مرجوة حين يستجيبون له وهم يرشدون، وعليهم أن يدعوه ولا يستعجلوه، فهو يقدّر الاستجابة في وقتها بتقديره الحكيم، فسبحان من أطمع المطيع والعاصي، والداني والقاصي في الانبساط إلى حضرة جلاله برفع الحاجات والأماني بقوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}.

تدل هذه الآية على تعظيم حال الدعاء من وجوه:

الأول: كأنه سبحانه وتعالى يقول: عبدي… في مقام الدعاء لا واسطة بيني وبينك.

الثاني: أن قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي} يدل على أن العبد له، وقوله: {فَإِنِّي قَرِيبٌ} يدل على أن الرب قريب للعبد.

والثالث: لم يقل: فالعبد مني قريب؛ بل قال: أنا منه قريب…

وانظر إلى كرم الجواد الذي إذا لم يُسأل يغضب، قال تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ٤٣]، وقال تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: ٧٧]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لم يسأل الله يغضب عليه”.

فالدعاء تذلل وخضوع، وإخبات وانطراح على سُدَّةِ الكريم. وإن لم يكن رمضان وقت الدعاء المستجاب، ففي أي شهر يكون الدعاء؟، وهو وقت الشفاه الذابلة والطاعة الكاملة، والبطون الضامرة، وقت نزول الملائكة، وقت فتح أبواب الرحمة وأبواب السماء.

ولكن أبواب السماء تحتاج إلى مفاتيح تنفتح بها؛ فإن الله جل جلاله بحكمته ورحمته جعل لكل شيءٍ سببًا، وأمرنا بالأخذ بالأسباب لنصل إلى مراده سبحانه وتعالى من غير أن نتعلق بها؛ فهو سبحانه غنيٌّ عن الأسباب، ولكنها من سنن الله الربانية أن تكون البداية من العبد في إظهار الافتقار والحاجة والله يتمم له ويعطيه أكثر من مراده.

ولذلك جمع العلماء للدعاء آدابًا وأسبابًا يُرجى لمن التزمها أن يحوز دعاؤه القبول وإليكم آداب الدعاء وتشمل:

(١) أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل.

(٢) أن يغتنم الأحوال الشريفة: وإليك بعض الأوقات والأحوال التي يستجاب فيها الدعاء:

· وقت التنزّل الإلهي: قال – صلى الله عليه وسلم -: “إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى فيها خيرًا من أمر الدنيا والآخرة؛ إلا أعطاه إياه وذلك في كل ليلة”.

· في السجود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم”.

· أن يبيت على ذكر فيتعار من الليل فيدعو: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ما من مسلم يبيت على ذكر طاهرًا فيتعار من الليل فيسأل الله تعالى خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله له”.

· عند الأذان: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إذا نودي بالصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء”.

· بين الأذان والإقامة: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد”.

· عند نزول المطر، وعند التقاء الجيوش، وعند إقامة الصلاة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: “اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث”.

· آخر ساعة من نهار يوم الجمعة: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله تعالى فيها شيئًا إلا آتاه الله إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر”.

· دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب: دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير؛ قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب لا يرد”.

· دعوة المسافر، والمظلوم، والوالد لولده، ودعوة الصائم: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر”.

· عدم العجلة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي”.

· دعاء رمضان: فهو وقت صيام وزمان شريف، وهناك علاقة وطيدة بين فتح أبواب السماء وأبواب الرحمة وإجابة الدعاء، وهي حاصلة في رمضان، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لله في كل يوم وليلة عتقاء، لكل عبد منهم دعوة مستجابة”.

(٣) أن يدعو مستقبل القبلة، ويرفع يديه إلى السماء.

(٤) خفض الصوت بين المخافتة والجهر، قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: ١١٠]، قالت عائشة – رضي الله عنها -: أي بدعائك، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “يا أيها الناس إن الذي تدعون ليس بأصم ولا غائب”.

(٥) أنْ لا يتكلف السجع في الدعاء، ادع بلسان الذلة والافتقار، لا بلسان الفصاحة والانطلاق.

(٦) التضرع والخشوع والرغبة والرهبة.

(٧) أن يجزم بالدعاء، ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه فيه: قال سفيان بن عيينة: لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه، فإن الله -عز وجل- أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الحجر: ٣٦ – ٣٧].

(٨) أن يلح في الدعاء، ويعظم المسألة، ويكرر الدعاء ثلاثًا: قال ابن مسعود: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا، وقال – صلى الله عليه وسلم -: “إذا تمنى أحدكم فليكثر؛ فإنما يسأل ربه”.

(٩) أن يفتتح الدعاء بذكر الله والثناء عليه، وأن يختمه بالصلاة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، قال رسول الله: “كل دعاء محجوب حتى يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم -“.

من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين، وهو أكرم من أن يدع ما بينهما.

(١٠) وهو الأدب الباطن، وهو الأصل في الإجابة، التوبة ورد المظالم والإقبال على الله -عز وجل، فذلك هو السبب القريب في الإجابة.

الدعاء والمناجاة والتضرع والافتقار بالأسحار؛ عبادة لها لذة، وفي رمضان لها طعم آخر، لها في رمضان مذاق خاص، والسعيد من قام في السحر يناجي ربه؛ ليستنشق نسيم الأنس بالله.

وفي هذا المقام بالبكاء على النفس، والرجاء لفضل الله، والخوف من النيران وطلب الجنان، نتعرض لأمثلة عطرة من مناجاة وأدعية السلف الأكابر، لنتعلم كيف ندعو ربنا ونستفتح لديه بالدعاء، ولم نتعرض لأدعية القرآن الكريم والسنة؛ فهي بفضل الله معروفة لديكم ومشهورة.

«طوبى لعبد أصبحت العبادة حرفته، والفقر مُنيته، والعزلة شهوته، والآخرة هِمته، وطلب العيش بُلغَتُه، وجعل الموت فكرته، وشغل بالزهد نيته، وأمات بالذل عزته، وجعل إلى الرب حاجته، يذكر فى الخلوات خطيئته، وأرسل على الوجنة عبرته، وشكا إلى الله غربته، وسأله بالتوبة رحمته. طوبى لمن كان ذلك صفته، وعلى الذنوب ندامته. جأر الليل والنهار، وبكاء إلى الله بالأسحار، يناجى الرحمن، ويطلب الجنان، ويخاف النيران». لو رأيتم أرباب القلوب والأسرار، وقد أخذوا أهبة التعبد في الأسحار، وقاموا في مقام الخوف على قدم الاعتذار، {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}.

عقدوا عزم الصيام وما جاء النهار، وسجنوا الألسنة فليس فيهم مهذار، وغضوا أبصارهم ولازمٌ غَضُّ الأبصار، فانظر مدحهم إلى أين انتهى وصار، أحزانهم أحزان ثكلى مالها اصطبار، ودموعهم لولا للتحري لقلت كالأنهار، ووجوههم من الخوف قد علاها الصفار، والقلق قد أحاط بهم ودار، {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}.

جَدُّوا في انطلاقهم إلى خلاَّقهم، ورضوا أنفسهم بتحسين أخلاقهم، فإذا بهم قد أذابهم كرب اشتياقهم، أتدري ما الذي حبسك عن لحاقهم: حب الدرهم والدينار.

أيقظنا الله وإياكم من هذه السِّنة ورزقنا اتباع النفوس المحسنة، وآتانا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة ووقانا عذاب النار.

وهذه نماذج من أدعية الصالحين ومناجاتهم:

· ربِّ، ما أحكمَك وأمجدَك وأجودَك وأرأفك، وأرحمك وأعدلك وأقربك، وأقدرك وأقهرك، وأوسعَك وأقضاك، وأبينك وأنورك وألطفك وأخبرَك، وأعلمك وأشكرك وأحلمك، وأحكمك وأعطفك وأكرمك…

· إلهي … تم نورك فهديت فلك الحمد، عَظُمَ حلمك فغفرت فلك الحمد، بسطت يدك فأعطيت فلك الحمد، ربنا وجهُك أكرمُ الوجوه، وجاهُكَ أعظمُ الجاه، وعَطِيتُك أفضل العطية وأهناها، تطاع ربَّنا فتشكر، وتعصى فتغفر، وتجيب المضطر، وتكشف الضر، وتشفي السُّقم، وتغفر الذنب، وتقبل التوبة، ولا يجزي بآلائك أحد، ولا يبلغ مدحك قول قائل.

· إلهي … يا حَسَنَ التجاوز، يا من أظهر الجميل، وستر القبيح، يا من لا يؤاخذ بالجريرة، ولا يهتك الستر، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا صاحب كل نجوى، ويا منتهى كل شكوى، يا كريم الصفح، يا عظيم المَنّ، يا مبتدئًا بالنعم قبل استحقاقها، يا ربَّنا وسيدَنا ومولانا، ويا غايةَ رغبتِنا، أسألك يا الله؛ أنْ لا تشوي وجهي بالنار.

· اللَّهم، أنت أحق من ذُكر، وأحق من عُبد، وأعظم من ابتغي، وأرأف من ملَك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا نِدَّ لك، كل شيء هالك إلا وجهَك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتعصى فتغفر، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حُلْتَ دون النفوس، وأخذت بالنواصي، وكتبت الآثار، ونسخت الآجال، القلوب لك مُفضية، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، الخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الرؤوف الرحيم، اللَّهم لا تحرمني خير ما عندك بسوء ما عندي.

· سيدي … قصدَكَ عبدٌ روحُهُ لديك، وقيادُةُ بيديك، واشتياقه إليك، واحسرتاه عليه، ليله أَرَق، ونهاره قلق، وأحشاؤه تحترق، ودموعه تستبق، شوقًا إلى رؤيتك، وحنينا إلى لقائك، ليس له راحةٌ دونك، ولا أمل غيرك.

· سيدي … أحلى العطايا في قلبي رجاؤك وأعذب الكلام على لساني ثناؤك … وأحب الساعات إليّ ساعةٌ يكون فيها لقاؤك.

· إلهي. . أغلقت الملوك أبوابها، وبابك مفتوح للسائلين، غارت النجوم، ونامت العيون، وأنت الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، إلهي … فرشت الفرش، وخلا كل حبيب بحبيبه، وأنت حبيب المتهجدين وأنيس المستوحشين.

· إلهي … إن طردتني عن بابك فإلى باب مَن ألتجي، وإن قطعتني عن خدمتك فخدمة مَنْ أرتجي …

· إلهي … إن عذبتني فإني مستحق العذاب والنقم، وأن عفوت عني فأنت أهل الجود والكرم، يا سيدي لك أخلص العارفون، وبفضلك نجا الصالحون، وبرحمتك أناب المقصرون، يا جميل العفو، أذقني برد عفوِك وحلاوة مغفرتك، وإن لم أكن أهلًا لذلك، فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة.

· سبحانك خالقي … بأي وجهٍ ألقاك، وبأي قدم أقف بين يديك، بأي لسانٍ أناطقك، بأي عينٍ أنظر إليك؟، وأنت قد علمت سرائر أمري، وكيف أعتذر إليك إذا ختمت على لساني، ونطقتْ جوارحي بكل الذي قد كان مني!!

· سبحانك خالقي … فأنا تائبٌ إليك، فأقبل توبتي، واستجب دعائي، وارحم شبابي، وأقلني عثرتي، وأرحم عَبرتي، ولا تفضحني بالذي قد كان مني.

· إلهي … عرفتنا بربوبيتك، وأغرقتنا في بحار نعمتك، ودعوتنا إلى دار قدسك، ونعمتنا بذكرك وأنسك.

· إلهي … ما عصيناك جهلًا بعقابك، ولا تعرضًا لعذابك، ولكن سولت لنا نفوسنا، وأعانتنا شقوتنا، وغرنا سترك علينا، وأطمعنا في عفوك برك بنا، فالآن من عذابك من يستنقذنا؟!، وبحبل من نعتصم إن قطعت حبلك عنا؟، واخجلاه من الوقوف غدًا بين يديك!!، وافضيحتنا إذا عُرضت أعمالنا القبيحة عليك!!، اللَّهم اغفر ما علمت، ولا تهتك ما سترت.

· يا من أقام لي غرس ذكري، وأجرى لي أنهارًا تجري، وجعل لي أيام عيد في اجتماع الورى، وأقام لي فيهم أسواق التقوى؛ أقبلت إليك معتمدًا عليك، ممتلئ القلب من رجائك، ورطب اللسان من دعائك، في قلبي من الذنوب زفرات، ومعي عليها ندامات، إن أعطيتني قبلت، وإن منعتني رضيت، وإن تركتني دعوت، وإن دعوتني أجبت، فأعطني إلهي ما أريد، فإن لم تعطني ما أريد؛ فارزقني الصبر على ما تريد.

· اللَّهم، ارحم غربتي في الدنيا، وارحم مصرعي عند الموت، وارحم قيامي بين يديك.

· إلهي … ما أشوقني إلى لقائك، وأعظم رغبتي لجزائك، وأنت الكريم الذي لا يخيب لديك أمل الآملين، ولا يبطل عندك شوق المشتاقين.

· إلهي … كيف أيأسُ من حسن نظرك بعد مماتي، ولم تولني إلا الجميل في حياتي.

· إلهي … إن كانت ذنوبي قد أخافتني؛ فإن محبتي لك قد أجارتني، فتول من أمري ما أنت أهله، وعُدْ بفضلك على من غره جهله.

· إلهي … لو أردت إهانتي لما هديتني، ولو أردت فضيحتي لم سترتني، فمتعني بما له هديتني، وأدم لي ما به سترتني.

· اللَّهم، يا وأسع المغفرة، ويا باسط اليدين بالرحمة، افعل بي ما أنت أهله.

· إلهي … أذنبت في بعض الأوقات، وآمنت بك في كل الأوقات، فكيف يغلب بعض عمري مذنبا جميع عمري مؤمنا؟!

· إلهي … كيف أمتنع بالذنب من الدعاء، ولا أراك تمتنع مع الذنب من العطاء؟!، فإن غفرت فخير راحم أنت، وإن عذبت فغير ظالم أنت.

· إلهي … أسألك تذللًا، فأعطني تفضلًا.

· اللَّهم، استعملنا بسنة نبيِّنا، وتوفَّنا على ملته، وأوزعنا بهديه، وارزقنا مرافقته، وعرفنا وجهه في رضوانك والجنة، اللَّهم خذ بنا إلى سبيله وسنته، نعوذ بك أن نخالف سنته وسبيله، اللَّهم أقر عينه بمن يتبعه من أمته، واجعلنا منهم، وأوردنا حوضه، واسقنا مشربًا رويًّا لا نظمأ بعده أبدًا، اللَّهم ألحقنا بنبينا غير خزايا ولا نادمين، ولا خارجين ولا فاسقين، ولا مبدلين ولا مرتابين، واجعلنا من الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

· إلهي … إن كان صغر في جنب طاعتك عملي، فقد كبر في جنب رجائك أملي.

· إلهي … إن دعاني إلى النار أليم عقابك، فقد دعاني إلى الجنة جزيل ثوابك.

· هذه أدعية سلفنا … ما أطيبَها … ما أرقَّها … ما أطيبَ أملَهم في المناجاة، ما أقربهم من طريق النجاة، لو ذاق الغافل شراب أنسِهم في الظلام، أو سمع الجاهل صوت حنينهم في القيام، وقد نصبوا لما انتصبوا له الأقدام، وترنموا بأشرف الذكر وأحلى الكلام، وضربوا على شواطئ أنهار الصدق الخيام، وركزوا على باب اليقين بالحق الأعلام، وزمُّوا مطايا الشوق إلى دار السلام، وسارت جنود حبهم والناس في الغفلة نيام، وشكَوْا في الأسحار ما يلقَوْن من وقع الغرام، ووجدوا من لذة الليل ما لا يخطر على الأوهام، وإذا أسفر النهار تلقَوْهُ بالصيام، وصابروا الهواجر بهجر الشراب وترك الطعام، وتدرعوا دروعَ التقى خوفًا من الزلل والآثام، فنورهم يُخجلُ شمسَ الضحى وبدرَ التَّمَام، فلأجلهم تَنْبُتُ الأرض، ومن جَرَّاهم يجري الغَمَام، وبهم يُسامح الخطاؤون وُيصفح عن أهل الإجرام، فإذا نازلهم الموتُ طلبَ لهم كأسَ الحمام، وإذا دفنوا في الأرض فَخَرَت بحفظها تلك العِظام؛ فعلى الدنيا إذا ماتوا من بعدهمُ السلام.

· بتصرف واختصار يسير من كتاب أسرار المحبين في رمضان – [محمد يعقوب]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى