نحو تدريس تاريخ الأردن كمتطلب إجباري في الجامعات الأردنية

نحو تدريس #تاريخ #الأردن كمتطلب إجباري في الجامعات الأردنية

كتب ..د. عبدالله مطلق العساف


  ليس من نافلة القول إنَّ مسألة إقرار تدريس مادة تاريخ الأردن كمتطلب إجباري في الجامعات الأردنية، يفوق في أهميته وراهنيته الكثير من المساقات المفروضة على الطلبة كمتطلبات إجبارية أو اختيارية على مستوى الأقسام والكليات في الجامعات، بحسبان أنَّ مادّة تاريخ الأردن تقتضي أن يحصل الطالب على معلوماتٍ ضرورية تخصُّ تاريخ وطنه الذي ينتمي إليه ويرتبط به إرتباطاً شعورياً ووجدانياً وسياسياً واجتماعياً، فضلاً أنَّ فيه ماضيه وحاضره ومستقبله.
  لقد دأبت جميع دول العالم على الاهتمام بتاريخ أوطانها والاعتزاز به عبر ترسيخه في عقول الناشئة والأطفال والطلبة في مختلف مستوياتهم ومراحلهم الدارسية، وليس هذا الأمر من قبيل متطلبات البرامج التدريسية والتعلمية فحسب، وإنما انطلاقاً من استراتيجيات تعليمية وسياسية وطنية وقومية، تهدف إلى غرس مجموعة من القيم العليا في عقول أبنائها، إذ المُعتبر في الرابطة الوطنية يتجسّد في ثلاثة عناصر أساسية هي (الولاء والانتماء والهوية)، وما من شك أنَّ استمرار هذه العناصر فعّالة في الوجدان العام للأفراد ومنهم الطلبة، يعتمد دائماً في جزءٍ كبيرٍ منه على التاريخ وطرائق تدريسه وكتابته وإيصاله إلى العقول والقلوب عن الطلبة.
        إنَّ الخطط الدراسية التي تعتمدها جامعاتنا الرسمية والخاصة على حدّ سواء تشتمل على كثير من المتطلبات الإجبارية، فلا أقل من أن تدرج مادّة تاريخ الأردن في السياق ذاته، واقترح هنا أن يُصار إلى تشكيل لجنة وطنية عليا من الأكاديميين في الجامعات الأردنية، تكون مهمتُها إعدادَ وتأليفَ كتاب عن تاريخ الأردن في مختلف حقباته التاريخية، بحيث تشمل المادة المعرفية الحقول السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وفَقْ منهجية أصلية تراعي محتوى ومضمون وطبيعة المادة المعرفية في هذا الكتاب، وتتناسب مع المرحلة العمرية لطلبة الجامعة، ومستوى إدراكاتهم التعليمية والفكرية في هذه المرحلة من مراحل حياتهم.
        لا شك أنَّ الطالب الجامعي في هذا المستوى المعرفي والإدراكي الذي هو عليه في هذه المرحلة، يكون في حاجةٍ ضروريةٍ لإكساب عقله وتفكيره مضموناً أصيلاً ومعمقاً عن بلده ووطنه ومجتمعه، حيث يقف على عتبة الانتقال من مرحلة الجامعة إلى مرحلة النشاط والعمل في الميدان العام، وإذا ما كان وجدانه الوطني مُشبعاً وناضجاً بتاريخ وطنه وأمته، فمن المنطقي أن يجعل من هذا الوجدان خارطة رشاد سلوكية وثقافية، تكون هادية وملهمة له في مجالات انخراطه في الشأن الوطني العام.
   إنَّ حضور معنى التاريخ الوطني في قلوب الطلبة وعقولهم، يؤسس لازدهار فكرة المواطنة، التي تدور عليها جميع الأنشطة العامة والخاصة، عند الأفراد والجماعات على حدّ سواء، ومن هنا فإنَّ مطلب إدراج مادة تاريخ الأردن كمتطلب إجباري في الخطط الدراسية الجامعية، تنسجم مع هذه الرؤية الخاصة بفكر المواطنة المرتبطة بفكرة الوطنية على نحوٍ ضروري.
  إنّ الانسان ليشعر بالعجب الممزوج بالغيرة، عندما يصادف أشخاصاً كثيرين من أوطانٍ عديدة، كيف يشعر هؤلاء بالفخر والاعتزاز الصادق بتاريخهم بدافع من وطنيتهم المشبعة بتاريخ وطنهم، وكيف أنهم يحرصون بلا تكلّف أو تصنّع على إظهار هذا التاريخ وإبرازه للآخرين، فتاريخ أوطان هؤلاء بالنسبة إليهم، ليس مجرد ارتباط وجداني أو شعوري عاطفي، وإنما هو بالأحرى مشروع نماء وتطوّر وتقدّم ونهضة، فضلاً عن كونه تاريخ عراقة وأصالة، فما أحرانا أن تكون لدينا دائماً هذه القيم الوطنية الصادقة والأصيلة، بعد أن ينغرس تاريخ وطننا في القلوب والعقول بالنسبة لطلبتنا، لا سيما أنَّ نسبة كبيرة من الناشئة والطلبة ممّن هم على مقاعد الدراسة الجامعية، يبدون غير مُبالين أو مهتمين بمعرفة هذا التاريخ، خصوصاً مع شيوع ثقافة التسطيح الفكري والوطني، أمام هجمة وسائل الاتصال الالكترونية، التي تهتم بترويج الوعي التسطيحي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى