نحو النهضة -1

#نحو_النهضة -1

د. #هاشم_غرايبه

لا شك أن الحالة الراهنة لأمتنا هي حالة مرضية طال أمدها، فبعد توقف تقدم مجتمعاتنا العربية طوال فترة الدولة العثمانية، تعطل مجدداً على يد ما دعيت حركة التحرر القومي العربي، ورغم انتظار قرن من الوعود المعسولة تبين لنا أننا بتنا أكثر بعدا عن أمانينا في التقدم اعتمادا على الذات وعلى العزيمة المكنونة وعلى إغراء تجارب الأمم الأخرى.
لذلك شهدت مرحلة الألفية الثالثة مراجعة للمسار السابق وتحولا فكريا هاما، سماه البعض صحوة إسلامية.
في حقيقتها كانت ردة فعل طبيعية للفشل السياسي والإنهزام العسكري، لكن حتى لا نصاب مرة أخرى بخيبة الأمل من فشل المشروع الإسلامي مثلما فشلت قبله المشاريع القومية الليبرالية، يجب علينا عدم الإنقياد وراء الحماسة العاطفية اعتمادا على أن الله سينصرنا بناء على عودتنا الى منهجه، لأن ذلك هو وصفة الفشل المحقق من جديد، مثلما اعتقدنا أن العاطفة القومية الجامعة هي الكفيلة بتوحيدنا، فجاءت صدمة الإنفصال في الجمهورية العربية المتحدة وفي اليمن والسودان عقوبة قاسية على تهاوننا في تأسيس الوحدة على أسس العدالة المجتمعية والتوازن والتكامل الإقتصادي، والتي كان من المفترض تأسيسها وترسيخها بموازاة الإجراءات السياسية.
إذاً التأسيس والتمكين لهذا المشروع يجب أن يسبقه نهضة فكرية اجتماعية ثم اقتصادية سياسية، وأعتقد جازما أن التسلسل هذا من الضرورات المنطقية مثلما البناء: فالقواعد المتينة على أرضية صلبة لا تميد هي القاعدة الفكرية، والأعمدة السوية الحاملة للبناء هي الإجتماعية، أما الإقتصادية فهي الجدران المحددة للبنيان، ويأتي السقف آخرا والذي يمثله البعد السياسي للمشروع ليصبح البناء صالحا للسكن.
لعله من أهم أسباب تعثر أي مشروع نهضوي قائم على المنهج الإسلامي هو عدم اهتمام القائمين عليه بتفسير كثير من العلاقات المجتمعية وعدم الإجابة على بعض المفاهيم التي فهمت خطأ أو بتشويه متعمد أو تركت غائمة بسبب التهرب من التفسير، لذا يجب أن نبدأ بتوضيح أهمها.
لا يجوز لمن يتبنى المنهج الإسلامي سياسيا أن يكتفي بالقول بأن الإسلام هو الحل، وأن القرآن دستورنا، العنوان جميل لكن الشياطين تختبيء في التفاصيل، فلطالما كانت القوانين التي يقال أنها من روح الدستور لا تأتي كذلك بل لتمكين السلطة من التسلط، يجب أن يكون هنالك برنامج تفصيلي للحل الذي يبتغي التغير المنشود، وأن يشتمل على الإجابة على كثير من الإسئلة المقلقة لفئات متعددة من المجتمع.
سأتناول تاليا أولى القضايا المجتمعية المغيب بحثها، وهي دور المرأة، وسبب التغييب هو سيطرة المتشددين الذين يرون أن المرأة عورة كلها، لذا يرون وجوب طمسها كليا.
استعادة المرأة لدورها كشريك كامل للرجل في تحمل المسؤولية للتقدم وتحقيق الآمال، مرتكزة على المبدأ الإسلامي في أن المساواة هي في النظرة الإعتبارية، وليس في التماثل التام كما هي في الثقافة العلمانية، فالفوارق الفيزيولوجية والأدوار الوظيفية للرجل والمرأة تتكامل ولا تتطابق.
التقليعة السائدة الآن في منطقتنا العربية، هي اللهاث وراء الدعوات المشبوهة الدوافع تحت مسمى “الجندرية”، والتي يفسرها المبشرون بها على أنها تعني المساواة التامة بين الجنسين، بالطبع ذلك مختلف عن المساواة في الحقوق والواجبات والتي هي حق مشروع، لكن عبارة “التامة” هي أبعد من ذلك، إذ تعني إزالة الفوارق الفطرية بين الجنسين التي تميز الذكر عن الأنثى، سواء في المظاهر الجسدية أو الفيزيولوجية أو النفسية.
لا يخفى على العقلاء ما وراء هذه الدعوات من استغلال تجاري بحت لحاجات الإنسان وغرائزه، وما تنطوي عليه من مخاطر تدميرية للجنس البشري بإزالة الخاصية الزوجية (مؤسسة الأسرة)، التي تعتبر أساس البنية الإجتماعية، وتحويل العلاقات الحميمية المنتجة للتواد والتراحم العائلي، الى مجرد علاقات نفعية تحقق المتعة والمصلحة.
المجتمع الغربي يسعى حثيثا نحو الهاوية، فبعد إفراغه من قيم الإيمان التي هي ضمانة الفضيلة والحياة الرضية، جرى إلهاؤه بفقاعة زاهية الألوان (الديمقراطية)، والآن بالجندرية والمثلية لتفكيك المجتمعات الى أفراد، مما يسهل استفراد القوى الاحتكارية بهم، وبعد أن أفقدوا الإنسان إنسانيته، أصبح كل شيء سلعة لها سعر، وبات الانسان مربوطا الى عجلة الاستهلاك العملاقة التي تمضي به الى الضياع.
نحن بمخالفتهم في ذلك سننجو وننهض، فلدينا العقيدة، التمسك بها نجاة، وهي بيت الحكمة الذي تستخرج منه الوصفات الناجحة للحياة الفضلى.

اعلان
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى