نجمة الشيراتون السادسة / أسامة الجراح

نجمة الشيراتون السادسة

أسامة الجراح

اربد 28/11/2022

يستذكر جدي حاله ككل الأردنيين في الثامن والعشرين من تشرين الثاني في كل عام مشروعاً وطنياً لم يكتمل، وحلماً أردنياً لم يرى النور، يستذكر جدي كغيره من أحرار الوطن في ذات التاريخ بطلاً ومناضلاً من أبناء جلدتهم، حمل همومهم وصدح صوته بلسان حالهم.

وصفي الذي لم أعاصره كحال الكثيرين، بل عاصرت تلك الروح التي سكنت وجدان الأردنيين الأحرار، وجدي ذلك الرجل الطاعن في السن، يتمتم ويقول ما “زال مقعد وصفي شاغراً” ويتساءل أيعجزن الحرائر أن ينجبن من يملئ مكان وصفي ويسد رمق الوطن؟ لم يذكر لي جدي يوماً من هو مثل وصفي لا ممن سبقوه ولا ممن خلفوه في المنصب.

وصفي الذي أحب الأرض فأحبته كان وطنياً أردنياً بامتياز، حمل المحراث وفلح الأرض ايماناً منه بأن الأرض لا تحرثها إلا سواعد أبنائها، وكان يصب جل اهتمامه بجعل الأردن مكتفي ذاتياً، متيقناً بأن ما تنتجه الأرض هي نفط الأردن، وتبلور هذا في جملة قرارات اتخذها دولة الرئيس من أهمها تخصيص الأراضي الشرقية في العاصمة عمان للبناء والأراضي الغربية للزراعة، لأن البناء يحيي الصحراء ويقتل الزراعة.

استطاع الشهيد البطل بحكمته في غضون 15 يوماً القضاء على المتصهينين الذين عاثوا في الأراضي الأردنية فساداّ وأرادوا تأليب نظام الحكم الهاشمي، وردد مقولته الشهيرة “نهمر عليهم”، إلى أن قضى على الكثير من قياداتهم وفرار آخرين، وأعاد إلى الأردن أمنه واستقرارها من جديد.

لم يكن وصفي يحمل الهم الأردني فحسب بل كان يحمل هماً عربياً في دفاعه عن ثرى فلسطين ومحاولاته العديدة إعادة الصراع لأصله “عربي اسلامي”_ “إسرائيلي” وليس عربياً عربياً، وبانت مواقفه البطولية في مناداته بوحدة الصف وتوحيد الكلمة، وإعداد العدة لمواجهة العدو الحقيقي والخطر الأكبر.

أخطأ وصفي يوماً في النحو فرد عليه أحد الصحفيين، دولة الرئيس مخزونك النحوي قليل، فرد وصفي لكن مخزوني الأردني كثير وهذا يكفي.

في الوقت الذي لم يعد هناك مخزون نحوي ولا أردني عند مسؤولينا وحكوماتنا المتعاقبة، فتأتي الحكومة تليها الحكومة والرئيس يليه الرئيس ولا يستذكر الأحرار إلا وصفي، الذي ضحى بدمه اعلاءً لكلمة الحق ورفعةً لشأن الأردن عربياً ودولياً.

ذهب وصفي إلى القاهرة للمناداة بوحدة العرب وحثهم على تحرير الأرض بإعداد العدة وتوحيد الصفوف، بعيداً عن الذل والاستسلام والركوع، إلا أن يد الغدر والخيانة امتدت لتغتال بسمتنا وتدفن عروبتنا، ليرسم وصفي بدمائه الزكية نجمة سادسة لفندق الشيراتون في القاهرة، نجمة ستبقى مضيئة إلى الأبد.

في الدارج من أقوالنا بالتعزية أن يتلطف المخبر عن الموت بأن يقول للسائل “فلان اعطاك عمره”، ولا أجد هذا التأدب أصح انطباقاً على أحد بقدر انطباقه على دولة الشهيد البطل وصفي التل، نعم لقد اعطى عمره لهذه الأرض لهذا البلد وهذا الشعب.

“احدى وخمسون عاماً وما يزال المنصب شاغرأ”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى