
سواليف
الأدب الذي لا يقول شيئاً عمل غير اخلاقي
الروائي التشيكي ميلان كونديرا
الأدب الحقيقي هو الذي يهزك من الداخل
الروائي الانجليزي
ت س اليوت
ليس بالضرورة ان تقال الفكرة الكبيرة بكثير من الرمز ، بل قد تقال بشيء من البساطة
الروائي الشهيد غسان كنفاني
ومن هنا أدرك ذلك الشعور تماما ، حينما انتهيت من قراءة مجموعة الكاتب والقاص محمود الشمايلة نسوان حارتنا أن حلقي اصبح جافا اكثر ، واني امام واقع ليس كالواقع العادي ، تراءت لي الوجوه جميعها ، الجدة نجمة ، والحاجة ختمة صاحبة البقالة وفاطمة وام ابراهيم ، الذي قال عنها محمود جملة تجاوزت الشعر والنثر والجمال ووقع اللغة
غادرت بيتها بنصفين ، نصف حزين ونصف حزين اكثر
ترى اي عاطفة تسكن ذلك الرجل واي طفولة لا تود مغادرته ، وهل نصوصه المجنونة تلك تضحكنا حينا بكثير من الدمع ، فنتوه مع صدق الحوار وصدق المعنى وصدق بيوت الطين التي ذهبت وذهب الذين نحبهم معها ، ربما لو أن شخصيات محمود في مجموعته محض خيال ، يصنعها لتكتمل القصص لمررنا عليها مرور الكرام ، لكني ادرك أن في كل قصة يرد اسم الجدة أو احدى النسوة أجزم انهن يخرجن من الورق ليصبحن كائنات حية امام القارىء ، وانا شخصيا كنت بعد انتهاء القراءة تتملكني رغبة أن اقبل جبين الجدة نجمة ، محركة الحدث ، وصانعة الحوار المليء حنينا وفقراً وضحكات ايضاً
ترى هل هو الفقر الذي قاله محمود ترى هل هو الزيت والزعتر الذي اشتاقه ولماذا لم يصرح مباشرة لذلك ، بكل بساطة انا سأجيبكم
محمود الشمايلة قال الوجع بكثير من الضحك ، هو قاص ماكر ومن الطراز الرفيع ايضاً ، لم يشا أن يكون مباشرا ولم يشأ ايضاً ان يكتب بصوت عال ، بل أدرك منذ اللحظة الاولى أنه سيكون أمام موقف صعب ، وأظن انه قال ساكتب قارئي ،
لماذا انهى احدى قصصه حينما وبخته أمه وذكرت مثلا عن اللحم ، قال ، أدركت اني كنت نهما في اكل البطاطا ، هكذا وبكل بساطة وبقليل من الكلمات ذكر الفقر والحاجة والدمع الذي يترافق مع تلك الثنائية
في هذه الامسية نحن امام قاص يكتب القصة بالشعر نحن يا يا احبائي في هذه الليلة أمام كاتب استطاع وبكم هائل من الدهشة ان يجعل قارئه يبتسم وربما تعلو ضحكته لكنه لن يتركه قبل ان يجعل تلك الضحكة ممزوجة بدمعتين واكثر
في تفاصيل نسوان حارتنا يطالع المكان بكامل كبريائه وفقره والفته يسحبك رويدا رويدا نحو بحر الحنين لتصرخ لوحدك ، يا الهي هذا الرجل يكتبني
بيوت الطين والازقة المتعرجة عين سارة ، صوبة البواري شبشب البلاستك الذي قال عنه يوما ، حين رمتني أمي به لم تصبني ، وقالت ، وهل تظن أني لم استطع اصابتك ، أظن ان مجموعة محمود نسوان حارتنا هي وصفة سحرية لمن يستبد به الحنين ولا يجده
صرت احدث اولادي عن الغولة كما كانت تحدثني جدتي لاولادي الان ، لكنهم صاروا يضحكون ، عدت الى طفولتي المنكسرة حينما كنت الوذ بحضن جدتي باحثا عن الدفء باحثا عني
نسوان حارتنا ، المجموعة القصصية التي لا تقرأ وحسب ، بل تحس ، ستخرج تفاصيل القرية امام القارىء ، ربما ، ستسمع موسيقى مختلفة تماما مثل قطعة البيانو الناعمة