هكذا ضاعت وتضيع الاوطان / م . عبدالكريم ابو زنيمة

هكذا ضاعت وتضيع الاوطان

يحكى أن ضبعاً كان يعيش في أحد الجبال وكان في كل ليلة يتسلل الى قطعان الأغنام في القرى المجاورة ويفترس منها ما يعجبه من الخراف السمان ،وكان من عادته أن يجلب ضحيته الى وكره أو مغارته في الجبل ،وليس بعيداً عنه كان أحد الحصينيات (الثعلب) يتعقبه ويراقبه عله يفوز بقطعة لحم من الفريسة ،لكن الضبع لم يكن يترك من فريسته شيئاً ، مرت الأيام على هذه الحال والحصيني يتضور جوعاً وجاره يسمن ، فكر الثعلب بطريقة يحصل من خلالها على مبتغاه وأخيراً اهتدى اليها ،وفي صباح يوم عاصف ماطر شديد البرودة قدم الى جاره وحياه بتحية الصباح ثم أردف قائلاً بعد قصير مجاملة :كم خفت عليك ليلة الأمس من هذا البرد يا جاري العزيز..وها أنا قد جئتك لآخذ مقاسك لاُخيط لك فروة تقيك من البرد..فرح الضبع لهذه اللفته الطيبة من الثعلب ،وبعد أن أخذ الحصيني القياسات قال للضبع : الآن عليك الباقي يا جاري العزيز ؛ فأنا لا حيلة لي على الخراف ،أجابه الضبع بأن هذه مسؤوليته وأنه سيختار له الكباش الكبيرة لكبر جلدها وصوفها ،لكن الثعلب قاطعه : لا لا لا يا جاري العزيز فان جلودها لا تصلح للفراء، وعليك اختيار الخراف الصغيرة الدسمة فان جلودها طرية وصوفها ناعم.
مضت الايام والضبع يجلب الخراف والحصيني يتلذذ بلحمها،مرت الأشهر وليس هناك فروة وكلما سأل الضبع عن فروته يجيبه الحصيني يلزم خروفا لخياطة الكُم ،وكلما سأله عن موعدها يجيبه بأنه يلزم خروفاً لرقعتها من هنا أو هناك حتى اكتشف الضبع أخيراً مكر وخداع الثعلب ،كشر عن أنيابه وحاول عبثاً اصطياد ومعاقبة الحصيني لأن باب وكره كان أصغر من حجم الضبع فحاصره لعدة أيام حتى أنهكه التعب والياس ،وكان بقربهما جذع شجرة كبير محفور من الداخل على شكل ماسورة عندما يتخلله الهواء يصدر صفيراً ، وجد الضبع ضالته في هذا الجذع حيث بدأ بتقليد الصفير وهو مرابط أمام وكر الثعلب ، بعد يومين أحضر الضبع ذلك الجذع ووضعه فوق وكر الحصيني وكلما أشتد الريح ازداد صفير الجذع والحصيني يرتجف خوفاً ، تمضي الأيام والجذع يصفر والحصيني يزداد هزالاً وضعفاً حتى مات خوفاً في وكره.
هذه حال الشعوب المرعوبة تموت جوعاً والضباع البشرية تنهش بجسم الوطن ،هكذا تضيع وتباع الأوطان عندما تخاف الشعوب من الحيطان وآذانها ومن الهواء وصفيره ، هكذا تنهب وتسرق الأوطان عندما تترك الضباع البشرية تصول وتجول ولا من يحاسبها ، تضيع الأوطان عندما لا يعرف أهلها الا لغة حب وعشق تراب الوطن ولا يعرفون لغات الرقص والعهر والسمسرة والعمالة والانتماءللخارج فيحرمون من المناصب والمراكز والوظائف القيادية ،تباع وتنهب وترتهن الأوطان عندما يتدلل أبناء زيد وعقل وسمير وسميره .. و..و.. ويختارون وظائفهم ومناصبهم وتُفصل لهم المؤسسات على مقاسهم في الوطن وخارجه لانهم يجيدون لغات ولكنات لا نجيدها وهم الذين لا تربطهم بالوطن إلا حقائب الأموال والصفقات وحقائب السفر بينما أبناء عوده ومفلح وعطيه الذين جبلوا تراب هذا الوطن بدمائهم وعرقهم وعطائهم يصطفون في طوابير البطالة لأنهم لا يجيدون إلا لغات الحب والوفاء والإخلاص والتضحية والانتماء والعشق لتراب هذا الوطن وزيتونه وزعتره وشيحه ودحنونه ،هذه الضباع البشرية هي من تزرع وتنمي الإرهاب للإجهاز على ما تبقى من ولاء وانتماء وطني.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى