تراتيل للسودان الغريق

تراتيل للسودان الغريق
كامل النصيرات

النيلُ المُتصابي؛ لا يعلمُ ما بيْ..يقتلُ ذاكرةَ الماءِ ويطويكا..يُعطيكَ الوقتَ الكافي لتموتَ بلا جدلٍ كي يعبثَ فيكا..كي تجري فيه وليسَ يجاريكا..النيلُ المًمْسِكُ قبضَتَهُ يعرفهُ اللهُ..تفسقُ دلتاهُ..فيصيرُ الموتُ هواهُ..ويصيرُ السودانُ ضحاياهُ.. لا نوحَ هنا؛ لا سفناً؛ لا يابسةً تتلقّاهُ..طوفانُ القرنِ المُتحضِّر والقرنُ الأوّلِ أشباهُ..إلاّ إنّ الغرقى المنبوذينَ من الساسةِ كانوا عملاً صالحْ..يجتازون حُظوظَ الوجعِ الوالعِ بالطعمِ المالحْ..واللون البشريِّ الكالحْ.. رائحةُ السودانِ بهذا الموتِ النيليِّ المبثوث على الشاشاتِ تقولُ: فضائحْ..وفضائحْ..وفضائحْ..!

من قالَ بأنّ النيلَ الكاذِبْ؛ غاضبْ..ويريدُ عروسا..النيلُ يجالسُ في السرّ كبارَ القومِ ؛ يعاهدُهم ألاّ يبقى محبوسا..ويواطئهم أن يقتلَ أحلام نساءِ الحيّ لكي لا تتوزّع حِنّاءُ الأعراسِ ليبقى السودانُ عبوسا..! يتجلّى فيهم من غير رهانٍ؛ فرهانُ الفقراءِ لقيمات الخبزِ وأن يجدوا بَلَلاً وغَموسا..! فقراءُ النيلِ متاعيسٌ؛ قد قيلَ بلا خجلٍ: مطلوبٌ من متعوسٍ أن يبقى متعوسا..!

كان هنا طفلٌ يسرق من نافورة شمسِ الأيّامِ وقوداً للأحلام وأن يبقى للأحلامِ مكانُ..كان هنا امرأةٌ خبّأتِ المشطَ بجوفِ الكحلةِ كي يخطفَ ضحكَتَها الفرسانُ..كان هنا شيخٌ يعرفُ كيف يعيدُ البهجةَ للجُملةِ؛ لكنّ الشيخَ بوقتِ الصرخةِ هاجمهُ النيلُ بسيفٍ عملاقٍ فتداعى مدميّاً فوقَ الكرسيِّ لسانُ..كان هنا أيتامٌ ؛ أغرابٌ؛ أشياءُ تُصانُ..صار هنا طوفانُ..والسودانُ هو السودانُ..يعشقُه الجريانُ..بل إنّ النيلَ يخاصمهُ؛ يختارُ الوقتَ النائمَ كي يقلبَ عاليها أسفَلَها فيجيءُ الفيضانُ..

السودانُ هو السودانُ..أثمانٌ تدفعُها أثمانُ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى