سواليف
تطلق الولايات المتحدة في 30 تموز/يوليو باتجاه المريخ أحد أكثر مسباراتها تطورا وهو مركبة كبيرة بست عجلات في محاولة للعثور على أدلة بأن جراثيم فعلية كانت تجوب مياه الكوكب الأحمر قبل ثلاثة مليارات ونصف مليار سنة. وستستمر رحلة “برسفيرنس” لأكثر من ستة أشهر. وفي حال هبط الروبوت على سطح المريخ من دون أن تلحق به أضرار، سيبدأ استكشافا علميا على سنوات عدة بغية أخذ عشرات العينات الصخرية ويحفظها على أن ينقلها روبوت آخر في المستقبل إلى الأرض.
ويخلف “برسفيرنس” أربعة مسبارات أمريكية عريقة أحدثت منذ نهاية التسعينات بفضل الأقمار الاصطناعية والروبوتات الثابتة تحولا جذريا في معرفة الإنسان للمريخ بتوفيرها الأدلة بأن الكوكب الأحمر لم يكن على الدوام جافا وباردا كما هو الآن. فقد توافرت على المريخ عناصر الحياة في ما مضى من مياه ومكونات عضوية ومناخ مُوات.
ويأمل العلماء أن يجدوا في العينات التي سيأخذها “برسفيرنس” متحجرات بكتيريا أو جراثيم أخرى للتأكيد أن المريخ شهد فعلا شكلا من أشكال الحياة في الماضي الغابر. وتعمل وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) عن بعد منذ أشهر بسبب جائحة كوفيد-19 إلا أن الجدول الزمني للمهمة البالغة ميزانيتها 2,7 مليار دولار، لم يتأثر.
وقال رئيس ناسا جيم برايندستاين: “إنها واحدة من مهمتين عملنا جاهدين على ضمان إطلاقها في تموز/يوليو”. وتتواجد الأرض والمريخ على الجانب نفسه من الشمس كل 26 شهرا وهي فرصة مواتية ينبغي عدم تفويتها. وحدهم الأمريكيون نجحوا في إنزال روبوتات من دون أضرار على سطح المريخ هي أربعة مسبارات ثابتة وأربعة متحركة، باثفايندر وسبيريت واوبورتيونتي وكوريوسيتي، وهو الوحيد الذي لا يزال نشطا. وتأكد في السنوات العشرين الأخيرة فقط، أن الكوكب الأحمر كان يحوي في ما مضى محيطات وأنهارا وبحيرات.
وأكد مسبار “كوريوسيتي” وحده وجود جزئيات عضوية إلا أن الأجهزة على متنه لا يمكنها أن تبت بمصدرها البيولوجي المحتمل. وحاولت أولى المسبارات الأمريكية “فايكينغ 1″ و”فايكينغ 2” إيجاد أثر للحياة على المريخ اعتبارا من 1976 لكن بشكل عرضي. وروى ج. سكوت هوبارد الذي أطلق برنامج استكشاف المريخ الحالي في العقد الأول من الألفية “تجارب رصد أثر للحياة كانت فشلا ذريعا”.
وقررت ناسا عندها العمل على مراحل من خلال دراسة التربة وتحليل الصخور على الصعيد الكيميائي والجزيئي فضلا عن عمليات رصد كثيرة عبر الأقمار الاصطناعية. وقد تبين لعلماء الجيولوجيا تدريجيا أن الحياة متوافرة فعلا في المريخ بشكل سائل وحددوا المناطق التي كانت تعتبر الأنسب لقيام الحياة في الماضي.
وقال سكوت هوبارد: “معرفة إن كان المريخ قابلا للحياة بشكل محتمل وما هي آثار الحياة التي نبحث عنها كانت مراحل ضرورية لإرسال مهمة مكلفة جدا إلى هذا المكان الذي اختير بعناية لأخذ عينات منه”.
وسيحط “برسفيرنس” في 18 شباط/ فبراير 2021 في فوهة جيزيرو التي كانت موقعا يجري فيه نهر قبل 3 إلى 4 مليارات سنة مخلفا الوحول والرمال والرواسب “في أحد أفضل مناطق الدلتا حفظا على سطح المريخ” على ما قالت كايتي ستاك مورغن من الفريق العلمي للمهمة. وعثر على الأرض، على جراثيم متحجرة في الصخور تعود لمليارات السنوات.
ويبلغ طول المسبار ثلاثة أمتار ووزنه طنا وهو مجهز بـ19 كاميرا وبمذياعين وبذراع آلية من مترين. وأهم التجهيزات فيه هما جهازا ليزر وجهاز أشعة اكس توجه إلى الصخور للمساعدة في تحليل تركيبتها الكيميائية والجزئية وفي رصد مكونات عضوية محتملة.وفي المسبار أيضا مروحية اختبارية صغيرة وزنها 1,8 كيلوغرام ستقوم بأول رحلة لطوافة على كوكب آخر غير الأرض. ولن يتمكن “برسفيرنس” على الأرجح من القول إن كانت الصور تحوي جراثيم قديمة.
ومن أجل التحقق من ذلك ينبغي تقسيم العينيات بعد نقلها إلى الأرض إلى شرائح دقيقة جدا لرصد وجود آثار مجهرية لأجسام قديمة. وقال كن ويليفورد المسؤول المساعد عن المشروع العلمي لوكالة فرانس برس: “التوصل إلى إجماع علمي فعلي بأن المريخ شهد شكلا من أشكال الحياة سيتطلب عودة العينات”. وقال العالم إنه ينبغي عدم توقع متحجرات أصداف فالعلماء يظنون أن الحياة إن قامت فعلا على المريخ، لم يتح لها الوقت اللازم لتتطور إلى أشكال معقدة قبل أن يجف الكوكب كليا.