مُفارقات اقتصاديّة عَجيبة
سلامة الدرعاوي
إذا ما نظرت إلى الاقتصاد الأردنيّ فأنك تتحير في إطلاق وصف اقتصاديّ عليه لتحديد هويته، فلغاية الآن لا نعرف إذا كُنّا اقتصاد سوق أم اقتصادا اشتراكيّا، أم مُختلطا.
الأردن الذي نفذّ سياسة الخصخصة تحت مظلة صندوق النقد الدوليّ من خلال برامجه الإصلاحيّة الهيكليّة بهدف تعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصاديّ، تكون المُحصّلة في النهاية أن القطاع العام يكبر ويكبر لدرجة انه بات يستحوذ على اكثر من 56 بالمئة من الناتج المحلي الإجماليّ لِوحده، بمعنى آخر انه رغم الخصخصة فإن حجم القطاع العام ودوره ازداد ولم ينخفض حسب النظريّة والهدف من الخصخصة.
الحكومة بدأت قبل عامين تقريبا في إعادة النظر في مسألة دمج الهيئات والمؤسسات المُستقلة، وبدأت فعليّاً في دمج المؤسسات الاقتصاديّة الاستثماريّة تحديداً والمنتجة منها جميعاً جمعت تحت مظلة واحدة بنفس شكل وحجم الإنفاق والكادر والمديونيّة والعجز، وكأنك « يا ابوزيد ما غزيت».
الحُكومات وفي إطار مواجهتها لازمات الطاقة التي يتعرض لها الاقتصاد الأردنيّ وتأمين احتياجاته وضعت استراتيجيات للاستثمار في مختلف مجالات الطاقة من المتجددة إلى النفط والغاز وغيره من القطاعات التي بدأت الاستثمار فيها منذ سنوات وجنى مستثمروها أرباحا طائلة في حين تكبّدت الخزينة سنويّاً ما يزيد على النصف مليار دينار تدفعها سنويّاً للشركات المستثمرة على انتاج كهربائيّ لا يستخدم ويفوق احتياجات المملكة.
والأكثر خسارة على ذلك فوق خسارة الخزينة لمئات الملايين من الدنانير، فالمواطن والقطاع الخاص لم يتلمس أي تحسن على تعرفة الكهرباء والمحروقات منذ سنوات عديدة.
معالجات الحكومات بتضخم القطاع العام كانت نتائجها مصيبة بِكُلّ ما في الكلمة من معنى سواء على الصعيد الماديّ وكلفه على الخزينة، ام على صعيد الأداء والإنجاز للعاملين في القطاع.
الكُلّ يتذكر خطة إعادة الهيكلة في عام 2011 والتي قدرت كُلّفتها بـ82 مليون دينار لتبلغ الكُلّفة الحقيقيّة 48 مليون دينار لغاية الآن، ومرشحة لان تتجاوز الـ600 مليون في غضون العاملين الأخيرين، ناهيك عن هروب معظم الكفاءات والقوى البشريّة المميزة إما بالتقاعد المُبكر أو التعاقد الخارجيّ.
في أوقات الأزمات الماليّة التي تتعرض للخزينة -هي كثيرة جداً- تتعالى أصوات الحكومة بإزالة التشوهات ومنها الدعم الموجّه للسلع وبعض الخدمات، وفعلًا يتم إزالته من هذه الزاوية ولكن مع ذلك نجد أن الدولة تقوم بفتح التعيينات مما يترتب عليها نفقات تشغيليّة وتتبخر كُلّ إيجابيات رفع الدعم من الناحية الماليّة..
حتى بالتدقيق في بند الموازنة العامة تجد أن ميزانيات المؤسسات المستقلة والتي من المفترض أن تتحمل هي كامل شؤونها الماليّة تعاني من عجز كبير جدا يتجاوز النصف مليار دينار، في مديونيتها التي تناهز المليارين دينار ومع ذلك فالموازنة الرئيسيّة هي من تتكفل بسد عجز تلك المؤسسات المستقلة فقط بالإنفاق.
هذه بعض الشواهد الاقتصاديّة والمفارقات العجيبة.