ميلادُ النبوة: العَبَراتُ والعِبَرُ
شبلي العجارمة
کان #الجفاف و #القحط يأکل قلب تلك #الصحراء القاحلة,ظمأ الرمال الصفراء تحت وطأة هجيرها وهاجرتها,وظمأ الأجساد للعقول التي تنتج بدل أن تستهلك الزمنَ بملذاته,وظمأ #التاريخ الذي يدور في حلقة الهلکة المفرغة بين رحی النزق والثأر والوأد للأنفس الحية بإجحاف الجنس علی الجنس الآخر لأنوثته ,وتاريخ التبعية للروم والفرس , وظمأ الأرواح التي لا معنی لها ولا لوجودها ولا فرق بين أرواح مخلوقاتها التي تمشي علی رجلين أو علی أربعٍ أو تمشي علی بطنها,حياةُُ أشبه بالموت المجسد فوق الأرض بصور کثيرة ,وموتُُ مثل الحياة التي لا تاريخ يحدُّها ولا وقت يعدُّها,کل هذا اليباب بين قوسين حساب والقيمة بينهما صفرُُ مطلق .
في الثاني عشر من #ربيع_الأول من عام الفيل ,٥٧١ للميلاد تمخض رحم الجزيرة بوادٍ غير ذي زرع ,عن نطفةٍ کتب الله لرسالتها الخلود والکونية العامة قبل أن تتناقلها ظهور الرجال الأصفياء وأرحام النساء الصفيات,وُلدَ خيرُ من مشت به قدمُ في جفافات أخری أمرّ وأقسی من عطش الأرض التي احتضنت خطاه, من يتمه قبل ميلاه ليتمٍ في بواکير طفولته إلی جفاف وموت الأکف التي کانت تحنوا عليه, کل هذه الاختبارات والمحن لم تکن عبثاً ,بل لأن الرعاية لمحمدٍ ﷺ تفوق کل التصورات والتوقعات ,إنها ذات العناية التي ربته سراً لقيادة سفينة الأرض بکل ما حوت نحو شواطیء الفردوس وبر الفوز بالجنة والنجاة من النار ,إنه محمدُُﷺ ,ما إن بلغ الأربعين حِجةً حتی انسکبت کل صنوف الماء الأطهر ليترع الأرض العطشی رواءً وتفيض به الرياض والآکام وأودية الفيافي وسهول أرضها ,حتی أعشبت بنور رسالته وقيم بعثته وحجاج بلاغة القرآن العظيم کل أسماعٍ وصلت إليها ,وأبصرت کل عيونٍ رأتها.
فقد حل العدل بعد الجور والظلم ,وساد السلم بعد الحرب والتناحر ,وعمت المحبةُ بعد البغضاء والتناجش,واستفاق التاريخ بعد سباته العميق لتسطره الرجال التي حملت راية التوحيد بذٶابة السيف وماء الذهب ,وتمزقت ثياب التبعية وارتدت أمة العرب حلل الاستقلالية الفکرية والخلقية والعبقرية المحمدية الفذة التي لا زالت ترفرف بنودها إلی هذه اللحظة رغم تلبد غيوم الفرقة وسحاٸب الفتنة والفتور .
وکأن رسولنا الکريم ,وُلد کتاباً من الخلود کلما مررنا صفحاته ومرغنا وجوهنا في سطوره نهلنا من معينه العظات والعبر والآمال الجديدة المتجددة ,فمن يباب موت العشب في الصحراء انبعثت حياة الأرض بإنسانها ,ومن هامشية وجودنا علی التاريخ أخرجنا بعث محمدٍﷺ إلی حيز الوجود وفاعلية التأثير والتأثر.
فذکری مولد أبي الزهراء لم يتعاقب علينا حقبه لابتداع الاحتفاء بالشمع والدمع والحلوی ,بقدر ما هي ضرورة فقهٍ ملحة أن نعيد قراءة الظرف الذي وُلدَ فيه والأرض التي قبلت جبين النبوة وإنسان زمنه الذي بعث فيه حين کان بلا عناوين ولا تاريخ بل کان إنسان عصر مولده مجسمُُ له ظلال وأبعاد ,تحرکه قوی الشر ومزاجية الذات التي لا ضابط لها في هذه العشواٸية العريضة الصامتة.
#النبوة عبقريةُُ متجددة في زمن محاولات نسخ المعتقد والقيم ,والرسالة المحمدية محور هذا الکون عندما تحاول الفيزياء إثبات علاٸق الدوران والحرکة , والشخصية النبوية التي اتسقت جوهراً ومظهراً ,وخٍلقًةً وخُلُقاً ,ومسيرةً وسيرة ما هي إلا إرادةُُ کتبها الله لرحمة الإنسان الذي ما خلقه عبثاً وما أراد له الفناء والهلکة في العذاب بل الخلود الأبدي في جنانه التي فيها ما لا عينُُ رأت ولا أذنُُ سمعت ولا خطر علی قلب بشر.