
إنعاش الذاكرة
د. هاشم غرايبه
حصر مفهوم الإرهاب بالإسلاميين يدل على أن الحرب على الإرهاب هي حرب على الإسلام وحلقة في سلسلة الحروب الصليبية، وتسمية القلة من المتطرفين بأنهم هم سبب القلاقل في العالم، هي من باب خلق الذرائع ليس إلا، وإذا ما نحينا تفجيرات نيويورك التي ثبت أنها مدبرة لتبرير عدوان أمريكا على العالم الإسلامي، فليس لهؤلاء قوة عسكرية مؤثرة، ولا لأفعالهم التي كانت محصورة بالعالم الإسلامي أي مساس بأمن العالم واستقراره.
إن كانت هذه الحقائق غائبة عن الدهماء من الأوروبيين المنساقين وراء التضليل الإعلامي، إلا أنها ظاهرة للعيان عندنا، ولا تحتاج لإثباتات، لكن انسياق البعض من العالم الإسلامي وراءها والإنخراط فيها تحت شعار “إنها حربنا”، لها دوافع متعددة، ليس منها قطعا الحرص على الأمة.
فالأنظمة منساقة بحكم التبعية لأمريكا، لكن لها مصلحة أيضا باستغلال تهمة الإرهاب للبطش بمن تخشاهم، وتمثل لها نافذة اسنثمارية بعمولات وعقود تزويد للجيوش، وطمعا بالمساعدات التي تقدم لللاجئين.
أما القوى اليسارية والقومية فانخرطت في هذا التحالف المشين، طمعا بأن استهداف الإسلاميين سيضعف منافسيهم (الإخوان المسلمين)، وسيخلو الميدان لهم، والذي بات وجودهم فيه هامشيا.
وإيران نسيت أن الغرب يعتبرها إسلامية، فانخرطت في هذه الحملة مسفرة عن وجهها الطائفي، طمعا في إضعاف محيطها العربي، وانسياقا وراء أحقاد فارسية على الدولة الإسلامية لم تنقطع منذ اغتيالها الفاروق.
بعد انتهاء الحملة بتحقيق الغرب لأهدافه التي خطط لها، وخروج الفئات الثلاث الآنف ذكرها مذمومة من شعوب الأمة، تلاحقها لعنات دماء الضحايا الأبرياء التي سفكت ظلما وبهتانا، لذا فهي لا تفتأ تحاول تبرئة نفسها، ورمي من يكشف تآمرها بأنه يتوهم المؤامرة.
المؤامرة حقيقية أكدها من حبكوها ووزعوا الأدوار على قادة الأنظمة العميلة لهم، وهي ليست وهما، وأقوى تأكيد لذلك جاء على لسان الجنرال ” مايكل فلين” مستشار الرئيس ترامب الذي كان من المرشحين ليكون نائبه، وقد تولى سابقا رئاسة المخابرات العسكرية، ونشر كتابا عنوانه “ميدان المعركة The Field of Fight”، وعن الفكرة الكامنة وراء نشره يتحدث فيقول:
“نحن “نخوض حرباً عالميةً ضدّ حركةٍ جماهيرية تبشيرية من الأشرار، معظمهم يستلهمون (أفكارهم) من أيديولوجيا الشمولية: الإسلام المتشدّد”.
يتبنى “فلين” فكرة الباحث “مارك لينش” الذي يعمل في مركز “كارنيجي” والذي هو إحدى مؤسسات المخابرات الأمريكية العاملة تحت إطار بحثي أكاديمي، ويعتبر إطاراً يستقطب كل معادي الإسلام، هذه الفكرة عنوانها: “كلهم متشابهون”، أي تعتبر المسلم الذي ينتهج الفكر الإسلامي معاديا، لذا فهو إرهابي من حيث المبدأ إلى أن يثبت أن إسلامه تظاهر وشكلي.
كما يلفت “لينش” إلى أن نظرية “كلهم متشابهون” تحظى باستحسان الأنظمة العربية التي تسعى إلى نزع الشرعية عن خصومها السياسيين غير العنفيين. ويسهل إيصالها إلى الرأي العام الذي بات موجَّهاً منذ أحداث 11 سبتمبر نحو النظر إلى الإسلام بعين الريبة.
يقول “فلين” إن أهم ما أنادي به خلق تحالفات للقرن الحادي والعشرين، وكمثال على مثل هذه التحالفات، الرئيس المصري “السيسي” الذي اعتبره صديقا وزميلا فعندما كنت مسؤولا عن منطقة شمال افريقيا، كانت وظيفته مدير المخابرات لمصر، وأنا أؤيد ما نادى به الحاخام “هاوسمان” من ضرورة أن نحتضن رئيس مصر السيسي، فهو أول رئيس مسلم يجرؤ على أن يقول في الأزهر عام 2014 ” أنتم المسلمون لماذا تريدون قتل الناس”.
هكذا يمكننا أن نلقي بالحمل على العالم العربي، وقد أبدى “السيسي” كمثال على ترحيبه بقيادة أمريكا لتحالف لتشويه الفكر المتطرف (يقصد الإسلام).
ثم يؤكد ذلك بصراحة حينما يقول: “هذا فكر الإسلام وهو سرطان خبيث داخل جسد 1.7 مليار إنسان على هذا الكوكب ويجب استئصاله”.
هذا التحالف العسكري الذي ينادي به ويسمية الناتو الجديد يضم الدول الإسلامية من المغرب الى أندونيسيا، وقد بدأ تطبيقه منذ زمن، وتم فيه تحويل كل الجيوش العربية من قوات عسكرية الى قوات خاصة لمحاربة الإرهاب، كما تجد أن خطاب الأنظمة يتمحور دائما حول الإرهاب
هكذا تظهر الحقيقة ..القضية ليست في محاربة بضعة آلاف متطرف، بل هي تهدف الى اجتثاث الإسلام من أساسه.