مو مبين عليك
سالم محادين
يَعلَم من يُمارِسونَ الكِتابةَ سَواءً باحترافٍ أو كهوايةٍ أنّها فعلُ إرهاق، عَطفًا على التَّعبِ المُتأتي من تَوارُدِ الأفكار ومُحاكاتِها، بالإضافة إلى الأوامرِ المُستمرةِ التي يُصدِرُها العقلُ للقلب وبالعكسِ والهادفةِ لتحويلِ كُلِّ هذهِ الموادِّ الخام إلى نُصوصٍ تَصلُح للنشرِ والقراءةِ مع تزيينها بحيثياتٍ بَسيطةٍ تَجعَلُ منها مُحَببةً للقُراءٍ ودافعةً لهم أيضًا نَحوَ المَزيدِ من المُتابعة.
هذه الأُمور لا تَمنعُ بتاتًا إحساسَ المُتعةِ المُرافق لعزفِ الكَلمةِ فوقَ السَّطرِ وعبرَ تَدَرُجٍ سَلِسٍ يَضمَنُ قِيادةَ النَّصِّ بتأنٍ وإتقانٍ وُصولًا إلى اللحظةِ الأَجمل والمُتمثلةِ بهُطولِ الأحرُفِ عَفَويًا ولا إراديًا وكأنّها تعلمُ مُستَقَرّها والمَكان الذي سَتُوضَع فيه فَتَهوي إليهِ بأريحيةٍ تُشَكِّل في مَضمونِها روعةَ المُنتَج من جهةٍ وفرحةَ الكاتب بالتَّعبير الذي ظَنَّ جازِمًا أنه كانَ بالصِّيغةِ الأبهى.
أيضًا وفي السِّياق نفسه، على من يَكتُب أن يكونَ قبلَ ذلك قارئًا مُتَمَكِنًا صاحبَ ذائقةٍ عاليةٍ لأنَّ خبرتهُ العَالية تلك، هِيَ التي ستقودهُ لإبداعِ النَّصِ والتَّحكمِ فيهِ والحِفاظ على توازنهِ إضافةً إلى أنَّهُ سيكون القارئ الأول والأهم للكلماتِ ومَعانيها والمُدرك الحَقيقي للمَغزى والتَّفاصيل التي تمنح النص بعدًا جماليًا أكبر، ما يَجعلهُ في المُحَصِلة مُقَيِّمًا لما كتب وناقِدًا ناجِعًا بإمكانهِ إثر ما يملك أن يحمي الحرف من أيِّ زَلَّة.
ثُمَّ وعلى صَعيد التَّرابُط فإنَّ بإمكانِ أيِّ قارئٍ الوُصول إلى فَلَتانِ النَّصِ والتباعُدِ بينَ الفَقرةِ والأُخرى ما يُدخِلهُ ( القارئ أعني ) في تَشَتُتٍ يقودُ ذائقتهُ كمُطالِع إلى الاشمئزازِ والتَّوقفِ، كوننا في زَمنِ السُّرعةِ وخياراتِ القِراءةِ المُتعددة، فليسَ هُناك شَخصٌ على استعدادٍ لمُواصلةِ القِراءة إن أحسَّ بعدمِ الوُصولِ إلى المُتعةِ التي تَستَحِقُ وقته.
ما ذكرتُ أعلاه يُمَثِّل بعضَ قناعاتي التي علمتني إياها مُمارسة الكِتابة ( كهاوٍ بالطبع ) ومَحَبتي لها وشَغَفِي بها مع التَّنويهِ أنَّ كافّة هذهِ المُلاحظات مُجَرَّد تفاصيل لا يحتاجُها المَوهوب في الكتابةِ فهيَ تُراعي نَفسَها بنفسِها وبالفطرةِ، لكنني ارتأيتُ ذِكرَها لأُخبرَ نفسي وأتداولَ معها كيف يكونُ النَّص البَسيط قد مرَّ بخُطُواتٍ عديدةٍ لا يُدرِكُها حتى الكاتب نفسه، مع التَّوضيح أيضًا بأنَّ النص هو وليدُ علاقةٍ شرعيةٍ بين الفِكرِ والفِكرة ولكنهُ قد يأتي بغتةً قبل إشهارِ الإرتباط ليستنكرَ البَعض نُصوصكَ عبرَ السؤال: اللي بتنشره من كتاباتك؟ تُجيبهُم بنعم فيقولون : ( مو مبين عليك ).