موقف عمومي

#موقف_عمومي

د. #هاشم_غرايبه

في كل أزمة عالمية، يكثر الحديث عن حقوق الإنسان، وضرورة احترامها، ودائما ما يتخذ الغرب موقف المدافع عن هذه الحوق، ويتهم الطرف المعادي بانتهاكها.
لقد ترسخت في القرنين الأخيرين مسألة في العقول، لدرجة لا تقبل النقاش، وهي أن الغرب هو المتبني لهذه الحقوق، وأنه هو الذي أرسى مبدأ القبول بالآخر والتعايش معه، وأنه هو الراعي المؤتمن عليها لأن لديه بنية حقوقية قوية لا يؤثر عليها يمين متطرف ولا نزعة عنصرية.
في حقيقة الأمر كل المفاهيم والقيم والأعراف مسألة نسبية، تختلف باختلاف المفاهيم والظروف والأزمان، فهل حقيقي القول بأن مفاهيم الغرب الآن حققت المتطلب، وبإمكانها أن تصبح حكما ومرجغية معيارية فيما يتعلق بهذه الحقوق، وتكفل تطبيقها؟.
الإجابة بأن القوانين والأعراف التي يضعها البشر ليست مطلقة الصحة، ولا ثابته، لأنها خاضعة لأهوائهم المتقلبة، وتراعي تلبية مصالحهم المتباينة، ورسوخ الأخلاق والقيم من ثبات مصدرها، لذلك فما كان مصدرها الله هي الثابتة فقط، وهي المطلقة الصحة، لأنها صادرة عن خالق البشر، العليم بنواياهم، الخبير باحتياجاتهم.
في اثبات ذلك، لو استعدنا أحداث التاريخ لمعرفة مدى ذلك التطبيق، لنستذكر حدثين تاريخيين حدثا في العصر الزمني نفسه، الأولى في المنطقة التي تحتكم الى القيم الإلهية، أي في الديار الإسلامية، عندما قام أحد ولاة بني أمية بإجراءات ظالمة بحق بعض النصارى في الشام، وعندما علم الامام الأوزاعي بذلك وقف مدافعا ومذكرا الوالي بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من آذى ذمياً فأنا خصمه”، فاستجاب الوالي وأعاد الحقوق لأصحابها.
في المقابل في أوروبا عام 1209 أرسل البابا حملة صليبية ضد مجموعة مسيحية خالفت تعاليم الكنيسة الكاثوليكية في جنوب فرنسا، وعندما وصل القائد الى مشارف مدينة “بيزييه” المتمردة أعطى أوامره بقتل كل من في المدينة، فقال له بعض معاونيه: لكن فيها بعض الكاثوليك، فقال: اقتلوهم جمبعا والرب سيتعرف على المؤمنين.
قد يعترض البعض بأن ذلك كان في عصور الظلام، والأوروبيون الآن متنورون ومتحضرون، لكن اعتراضه يفسد حينما نجد أنه في نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد انتهائها باستسلام ألمانيا، قامت طائرات الانجليز بدك مدينة “دريسدن” ولم تبق فيها حجرا على حجر، كما قام الجنود الفرنسيون والأمريكيون باستباحة المدن الألمانية لعدة شهور واغتصاب كل النساء فيها.
وحتى في أيامنا هذه، ظل الاحتكام الى القيم المنعارف عليها نسبيا وظرفيا، فظل الغرب يعلن الفصل بين الرياضة والسياسة، حينما يُطلب معاقبة النظام العنصري في الكيان اللقيط، لكنه في حالة الحرب الأوكرانية، نسي ذلك وقام بحرمان اللاعبين الروس من كل المسابقات الدولية.
وفي أهم مبادئ حقوق الانسان، وهي عدم جواز الاحتلال بالقوة، سكت الغرب خمسة عشر عاما على احتلال الكيان اللقيط جنوب لبنان، فلم يحرك ساكنا، بل لم يستنكر ذلك مجرد استنكار، فيما وجدناه منذ اليوم الثاني لدخول العراق الكويت نادى بالويل والثبور، وحشد الأحلاف وجيّش الجيوش، ولم يكتف بتحريرها، بل احتل العراق ودمرها.
هل من يفعل كل ذلك يصلح أن يكون مرجعا في الأخلاق، وحكما يحتكم اليه في احقاق الحقوق؟.
في حقيقة الأمر ليس الأوروبيون وحدهم يمارسون ازدواجية المعايير، بل كل من يمتلك القوة يغريه تفوقه بظلم الأضعف، فرأينا أبشع المجازر تمارس على يد الصينيين واليابانيين والهنود والروس.
نسنخلص أنه لا يؤتمن على رعاية حقوق الإنسان الا من كان فوق أهواء البشر، وهي التشريعات الالهية.
بتطبيقها فقط تتحقق العدالة للجميع، ويأمن الضعيف شر الأقوى.
لذلك نرى الظالمين والفاسدين يتبنون تحييد الدين، بفصله عن تنظيم شؤون الناس (السياسة).

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى