موقف عمومي

موقف عمومي
د. هاشم غرايبه

استفحل الذعر في العالم، خوفا من وباء (فيروس كورونا)، ولا تكاد تجد نشرة أخبار إلا ويتصدرها الحديث عنه، في منطقتنا العربية، تحس الأنظمة المستبدة بالراحة مؤقتا، فهي لها (جمعه مشمشية) جراء انصراف هم المواطنين عن متابعة فسادها المستفحل، وفشلها المتلاحق، فالخوف من الوباء أشغلهم عن ذلك.
لا أحد بإمكانه وقف هذه الحالة، فهي تمثل نقطة ضعف البشر، فقد خلق الإنسان هلوعا، إلا المصلين ..وهؤلاء أقلية بين البشر، ومع أن الله أكرمنا من بين البشر باستثنائنا من الهلوعين، فنحن مطمئنون لأن الآجال بيد الله، فلا يستقدمها مرض ولا يستأخرها طب، لكن ذلك لا يحول دون أخذنا بالأسباب، فالله تعالى أمرنا أن نعد لكل أمر عدته، ولا نترك ذريعة إلا سددناها، وبعدها نتوكل على الله مهيء الأسباب وموجد السنن، ونوكل أمرنا إليه، فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
قبل معرفة سبل الوقاية والعلاج، يجب علينا أولا أن نفهم طبيعة هذا المرض، فهو ينجم عن فيروس شديد العدوى، والفيروس ليست طبيعته معروفة الى الآن، لذا فلا يمكن إدراجه تحت تصنيف المملكة الحيوانية أو النباتية، لأنه عبارة عن شيفرة جينية تدخل على الخلية الحية فتتغير لتصبح فيروس، وبما أن جدارها الخلوي يبقى كما هو، لذا لا يمكن للأجسام المضادة في الدم أن تميزها عن السليمة، لذلك يستفحل المرض لضعف إمكانية مقاومته.
عدد الفيروسات المكتشفة الى الآن يزيد عن الخمسة آلاف، وقليل منها تم إيجاد المطعوم له، وكثير منها لا تشكل خطورة بسب ضعف خاصية العدوى، لكن هذا الفيروس الذي أطلق عليه العلماء مسمى ( 19- COVID) سريع الإنتقال من الشخص المصاب الى السليم عن طريق السوائل وبالرذاذ الصادر عن العطاس وحتى بالملامسة، لأن الفيروس قادر على البقاء في وسط جاف بضع ساعات، كما أنه لا يتأثر بالحرارة.
خطورته على الحياة ليست عالية، فنسبة كبيرة يشفون، وتتمكن مناعة الجسم الطبيعية من القضاء عليه، بعد توفير العناية له في المستشفى، لكن الخطورة تكمن في انتشار الإصابة لدرجة تفوق قدرة المستشفيات الإستيعابية.
من هنا نفهم الجدية والإهتمام الدولي في محاصرة المناطق الموبوءة به، لمنع توسع دائرة انتشاره، ولما أصبحت وسائل المواصلات متقدمة، لدرجة بات العالم قرية واجدة، لذا يتعاظم القلق لدى جميع الدول من احتمالية وصول الوباء إليها.
فقد ظهر بداية في الصين، قبل ثلاثة شهور، وخلال فترة قصيرة ظهر في كوريا وإيطاليا وأيران، وخلال الأسبوع المنصرم ظهر في العديد من الأقطار الأوروبية مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا واسبانيا، كما ظهر في أمريكا، وفي بعض الأقطار العربية كالسعودية والكويت والإمارات، أما الأخطر فهو ما حذرت منه منظمة الصحة الدولية، هو إصرار الدولة المصرية على التستر على انتشاره، بذريعة ساذجة وهي السياحة، لكن يبدو أن السبب الحقيقي يعود الى تخبط النظام الغارق في الفساد.
رغم أن نسبة الوفيات منخفضة مقارنة بالأوبئة السابقة، وتبلغ 3.4 %، بينما كانت في (السارس) 9.6 % ، وفي (الميرس) كانت 34 % ، إلا أنه يجب عدم الإستهانة به والتعامل معه بأقصى درجات الجدية من قبل الأجهزة الرسمية.
ما بيد الأفراد هو اتخاذ الإجراءات التي تحد من العدوى، وهي معروفة في ديننا قبل أن تنشرها منظمة الصحة العالمية بقرون كثيرة.
فالإسلام هو أول من شرع الحجر الصحي، فقال صلى الله عليه وسلم: “اذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا” [متفقٌ عليهِ]، وحذر من مخالطة المصاب: “فر من المجذوم فرارك من الأسد”.
وحينما وقع طاعون عمواس غادر الفاروق وصحبه الشام، فعارضه أبو عبيدة قائلا: أتفر من قدر الله، فأجابه: نعم نفر من قدر الله الى قدر الله، وبقي أبوعبيدة فأصابه المرض ومات ودفن هو وجمع كبير من الصحابة في غور الأردن.
أما الإجراءات الفردية كالإمتناع عن العناق والمصافحة واتباع وسائل النظافة والتعقيم، فهي من الدين، وليست بدعة من الغرب حتى نعرض عنها.
وبعد أن نتخذ كل أسباب الوقاية نوكل أمرنا الى الله مدبر الأمور، وندعوه أن يحفظنا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى