موقف عمومي

موقف عمومي
د. هاشم غرايبه

يغلب على طباع البشر التباين، فلكل سكان منطقة ثقافة توافقوا عليها، ومفاهيم اعتنقوها، يرونها مفهومة مستساغة فيما يرون مفاهيم الغير غريبة مستنكرة.
أكثر ما يكون ذلك سلوكيا في العادات والتقاليد، ومعاشيا في الطعام واللباس، واقتضى ذلك التنوع رضى كل طرف بما لديه.
العادات والتقاليد هي وليدة مفاهيم اجتماعية يمكن أن تتطور وقد تتعدل وفق الأوضاع االإقتصادية والسياسية، أما ما يتعلق بالطعام واللباس، فلا يمكن فرض ذوق جماعة على جماعة أخرى، فالناس مشارب.
لكن تبدأ المشاكل والصراعات عندما يرى البعض أنهم الأقوى وثقافتهم هي الأسمى، فيحاولون فرضها على الآخرين، ليس ذلك بهدف الإرتقاء بهم، بل هو ناجم عن الإستعلاء والرغبة بالتسلط.
التلاقح الحضاري سمة الإنسانية، فالهدف الذي أوجد الله التعددية بين البشر من أجله هو التعاون والتقارب أي التعارف:” وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”، وبذلك تتعلم الشعوب من تجارب بعضها البعض، فتتبادل المعارف والخبرات بأسلوب الأواني المستطرقة: تنساب من الأعلى الى الأدنى الى أن تتوازى.
من ضمن المفاهيم التي بدأ الغربيون بمراجعتها بعد أن اقتنعوا بخطئها، هي صعق الذبيحة قبل قطع رأسها، فأصبح كثيرون يستعملون اللحوم المكتوب عليها:”حلال”، الذي هو الطريقة الإسلامية (التذكية) في الذبح، بعد أن ثبت أن قطع الودجين يستنزف كل الدم في الجسم لأن القلب يستمر في النبض، أما إذا قطعت الرقبة فينقطع الحبل الشوكي ويتوقف القلب فورا وبذلك يبقى الدم في العضلات، مما يؤدي الى فساد اللحم بسرعة لأن الدم لا يخلو من الجرائيم، كما أنه سبب الطعم الكريه (الزنخة).
يتذرع من يعارضون التذكية، بأنها عمل وحشي، فالصعق أرحم، ويتطرف بعضهم باعتبار الأضاحي متعارضة من المشاعر الرقيقة، ويصل الأمر بآخرين الى أن يصبحوا نباتيين.
هنالك أمثلة عديدة لما قد لا يفهمه الناس فينكرونه، فنجد الذين لا يتناولون إلا طعاما نباتيا، لأنهم يعتقدون أنه من الوحشية أن يقتل الإنسان حيوانا من أجل الطعام، أو يستعبد البقرة فيأخذ حليبها الذي أدرّته لإبنها، أو يسلب الدجاجة بيضها الذي تعبت في انتاجه لكي يفقس صيصاناً.
إن الله أحكم بخلقه، فالخروف الذي يذبح ليؤكل لا يعلم بذلك ولا يعاني، والحيوانات كلها جميعا لا تحس بالمعاناة لأنها لا تدرك، الإنسان فقط هو الذي خصه بذلك لكي لا يستفحل مرضه فيتطبب، ولمّا لم يعطها الله أصلا القدرة على التعبير عما تحس به، فلماذا يجعلها تعاني من المرض وآلامه!؟، لذلك فهي مزودة بطبيب ذاتي يعالجها إن مرضت، رغم أنها تحس بألم الجرح لكي تبتعد عن الخطر والمفترسات، وأما البيطرة فهي اختراع بشري لمساعدتها على الشفاء.
لذا كل شيء في الأرض سخره الله لمنفعة الإنسان، فالخراف تتكاثر بما يكفي حاجة البشر، والبقرة تنتج يوميا عشرة أضعاف كمية الحليب التي يحتاجها وليدها، فالزيادة لمنفعة البشر، وكذلك الأمر مع الدجاجة التي تبيض 240 بيضة سنويا فيما لا تستطيع أن ترقد إلا على عشرين، لذا فالباقي لإطعام الإنسان، وكذلك الأمر مع باقي الحيوانات.
وكذلك النباتات التي سخرها الله لطعامه، وبعضها لشرابه (العصائر)، وأخرى لدوائه، ولكسائه مثل القطن والكتان، وإيوائه كخشب البناء..الخ، وهكذا الأمر مع كل الجمادات أيضا مثل الماء والهواء والتربة والأحجار والمعادن.
وهكذا نرى أن كل شيء في هذه الأرض قد ذلله الله وسخره لمنفعة البشر، وهذا ما عناه تعالى بقوله:” هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى