مجلس الامن الوطني يفصل أمن النظام عن امن الوطن / د.محمد مقابلة

د.محمد مقابلة

بعيدا عن المناكفة او المعارضة لأجل المعارضة او المناكفة، فنحن في وقت عصيب و مريب من عمر الدولة الأردنية في ظل الحكم الهاشمي الذي حكم البلاد و العباد على هذه الأرض الطاهرة و الملخص أهلها لمدة قرن من الزمن، وفق عقد اجتماعي تم التوافق عليه بين الحاكم و المحكوم ( الملك-الشعب)عبر مراحل و فترات زمنية الى ان استقر هذا التوافق بالرضا و القبول عام 1952 بدستور راق و متقدم و صريح.

و لكن من الغريب و المعيب أننا أصبحنا نرى منذ سنوات قريبة عبثا مقصودا بهذا الدستور والذي هو سبب الاستقرار و الاستمرار لهذه الدولة و لهذا النظام على أساس انهما صنوان لا ينفصلان و لا ينفكّان. فاصبح الوصول الى الدستور و التعديل و التبديل فيه امرا يسيرا دون اعتبار او رجوع للشعب. و من قال ان الرجوع فيه لمجالس النواب التي تنوب عن الشعب فأقول: اذا كان النواب انفسهم يقولون انهم يمثلون ” الالوه” و لا يمثلون ” مَن انتخبوه”.!

حتى وصلنا الى مرحلة خطيرة من مراحل العبث بهذا الدستور لا يجب ولا يقبل السكوت عنها. ومن المضحك ان يأتي هذا العبث بأمن الوطن واستقراره تحت شعار ” من اجل الحفاظ على الامن الوطني”؛ و الحقيقة هي أن ما يجري هو عبث بالأمن الوطني.

مقالات ذات صلة

ما هو مفهوم الامن الوطني..؟

ان مفهوم الامن الوطني في ابسط وأشهر تعريفاته هو: تأمين سلامة الوطن من أخطار خارجية وداخلية تؤدي به الى الوقوع تحت سيطرة الأجنبي نتيجة ضغوط يمارسها على الدولة. ولا يكون الامن الوطني الا بحماية مصالح الوطن الحيوية.

ويرتكز الأمن الوطني لأي دولة على ثلاثة أركان رئيسية هي:

1.       تأمين كيان الدولة و حمايته

2.       تحقيق الاستقرار السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي

3.       تحقيق اعلى رضا شعبي من خلال الإجراءات و التدابير التي يقوم بها النظام الحاكم.

عند النظر و التمعن في هذا المفهوم و هذه الأركان نجد أنه و خلال السنوات الأخيرة تمّ العبث الخبيث و المقصود بكل مقتضيات الامن الوطني و هذا يقودني الى انك هناك فئة عابثة و مارقة نجحت بفصل “أمن النظام” عن مفهوم الأمني الوطني الشامل، و هذا الامر لم يكن واردا يوما من الأيام في اذهان الأردنيين و الهاشميين . و هذا أيضا يقودني الى أن التعامل مع الوطن من قبل النظام الحاكم اصبح تعاملا وظيفيا مستمدا استقراره و استمراره من الاجنبي لا من الشعب.

ان ما نراه من تعديات سافرات فاضحات على سيادة و كرامة هذا الوطن كاتفاقية الغاز مع العدو الصهيوني و اتفاقية النيات للماء و الكهرباء و اتفاقية تواجد القوات و القواعد الامريكية على الأرض الأردنية و غيرها مما يخفى علينا لغاية الان  ان هو الا تسليم تدريجي لرقبة الوطن ووضعها في حلقة حبل المشنقة على أعواد المشانق الصهيو-أمريكية و الصهيو-مسيحية.

ان تمكين العدو الصهيوني من السيطرة على مصالحنا الحيوية و تمكينه من التواجد و الانتشار على ارضنا الأردنية من خلال قوات عسكرية قتالية بزي امريكي دون حسيب او رقيب: ان هو الا تدمير و تفريط بمفهوم الامن الوطني كما عرّفناه.

و أما اركان و مرتكزات الامن الوطني التي ذكرتها انفا فقد تم تدميرها أيضا واحدة تلو الأخرى؛ فكيان الدولة مخترق بهذه الاتفاقيات و هذه القوات الاجنبية القتالية، و اما الاستقرار السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي فأنتم أعلم بالحال و المقال مني. وأما تحقيق الرضا الشعبي فما هذا السخط و التذمر الذي نراه و نسمعه حتى انه وصل لمن كانوا يوما رؤساء وزارات و جنرالات عسكرية و امنية سابقين الا دليل على ان كل ما تم من إجراءات و اتفاقيات و تحالفات تضرب هويتنا و عقيدتنا و أرديتنا و اقتصادنا بالصميم وقد لا تقوم لنا قائمة اذا صمتنا.

في مثل هذه الأحوال جاء طرح دسترة ” مجلس الأمن الوطني” ليتم انهاء عملية الفصل بين “امن النظام” و “امن الوطن”؛ بحيث يكون المبتغى و الغاية هو استمرار و استقرار النظام بغض النظر عن استمرار و استقرار الوطن الأردني بهويته و عقيدته و سيادته.

و في معرض ردي على من يقول: ان الغاية من تشريع ” مجلس الامن الوطني” هو المحافظة على الوطن من التنازعات الحزبية و الفئوية في حال وصلنا الى الحكومات البرلمانية و الحزبية – و التي لن نصل اليها ابدا- فأقول:

حسنا ولكن من يضمن لنا كأردنيين أن لا يكون من أعضاء مجلس الامن الوطني المزعوم شخص من مدرسة المحكوم باسم عوض الله؟ أو من اتباع الهارب وليد الكردي ؟ أو مريدي المحكوم عوني مطيع؟ و من يضمن لنا أن لا يكون من أعضاء هذا المجلس من هم من أتباع السفارات و الامارات التي ساهمت و دعمت قضية ” الفتنة” ؟؟؟ و من يضمن لنا أن لا يكون من أعضاء هذا المجلس -الذي لا سلطان عليه لاحد من النواب او الحكومات- مَن هم على شاكلة أعضاء المجلس العسكري الذي انقلب على قائده الذي حكمه ثلاثين عاما؟ و ما حسني مبارك عنا ببعيد.

خلاصة القول: ان ما يحدث من عبث مقصود في الدستور الأردني ان هو الا فصل بين امن النظام و امن الوطن . و ان النظام الحاكم اصبح ينظر الى امن الوطن من خلال منظاره و رؤيته لا من خلال منظار الوطن و رؤيته. و هذا لم يحدث ابدا من قبل؛ فأمن النظام و ورثة عرشه لا يأتي الا من الشعب و ليس من سوى الشعب.

و ختام القول: ان إقرار ” مجلس الامن الوطني” بهذه الصيغة هو دسترة وشرعنة للدولة العميقة التي لم و لن يعرف النظام و لا نعرف نحن من سيكون رجالها و لا نساءها في قادم الأيام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى