موازنة ٢٠٢١

موازنة ٢٠٢١: رسم الخطوط العريضة لإعداد مشروع قانون موازنة ٢٠٢١ – بلاغ رئيس الوزراء
د. فائق عكايلة

أصدر رئيس الوزراء بلاغه رقم ١٥ لسنة ٢٠٢٠ لإعداد قانون الموازنة العامة ومشروع قانون موازنات الوحدات الحكومية ومشروع نظام تشكيلات الوزارات والدوائر والوحدات الحكومية للسنة المالية ٢٠٢١.

وبعد الإطلاع على بلاغ الرئيس أعلاه والوقوف على مضامينه، فإنه بذلك قد رسم الملامح التالية والمتعلقة بموازنة ٢٠٢١ والتوظيف والمشاريع والرأسمالية:

الملامح الإيجابية:

١. تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي وذلك باستكمال المرحلة الثالثة من برنامج الدعم التكميلي بشمول ٣٥٠٠٠ أسرة جديدة من الأسر الفقيرة.

٢. إعادة صرف الزيادة على نسبة العلاوة الإضافية المقرة من قبل مجلس الوزراء بتاريخ ٢٠٢٠/٠١/٠٦، والزيادة المقررة على رواتب ضباط وأفراد القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية وعلاوة المعلمين والموقوفة كلها منذ مطلع عام ٢٠إلا أن قرار إعادتها ليس بأثر رجعي.

٣. استئناف الإنفاق الرأسمالي، والذي أوقفته حكومة الرزاز للسنة الحالية. إلا أنه يتبقى معرفة حجم ونوع هذا الإنفاق وآلية توزيعه قطاعياً وجغرافياً لنتمكن من الحكم على كفاءته وكفايته وفاعليته.

٤. تحقيق الإستقلال المالي والإداري لديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد لتمكينهما من الرقابة والمحاسبة والتدقيق بشكل أكثر حيادية واستقلالية، ولكنه لن يكون كما ينبغي من حيث الإستقلالية والحيادية المطلقة.

٥. تفعيل مهام وحدة الإستثمارات العامة لتحقيق أهدافها الاقتصادية من حيث در الدخول وخلق الوظائف. إلا أننا لا نستطيع الحكم على ذلك إلا بعد تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع. وسنراقب ذلك.

٦. تطوير برنامج “سند” ليشمل جميع الخدمات الرقمية الحكومية.

الملامح السلبية:

١. ما زالت صلاحيات تعيين رئيس ديوان المحاسبة منوطة برئيس الوزراء ومجلسه (حتى وإن تطلبت إرادة ملكية). وبما أن الدستور قد نص على أن ديوان المحاسبة هو عين مجلس الأمة على أداء الحكومة، فيجب أن يكون تعيين رئيس ديوان المحاسبة والموافقة على قانونه وأنظمته كلها صلاحيات منوطة بمجلس الأمة (بغض النظر عن الوضع المتردي لدور مجلس الأمة حالياً).

٢. عدم تبني خطة وطنية واضحة وصارمة لمحاسبة الفاسدين والمفسدين وتحصيل الأموال والثروات الوطنية التي نهبوها على مدار السنوات الماضية مهما بلغت مراكزهم أو مراكزهن، وذلك على غرار نظرية الرتزكارلتون التي أثبتت فعاليتها.

٣. لن يشهد عام ٢٠٢١ استحداث أي وظائف جديدة في القطاع العام، حيث نص بلاغ الرئيس على عدم رصد أي مخصصات جديدة لغايات استحداث وظائف جديدة لعام ٢٠٢١، وعدم التعيين على حساب المشاريع الرأسمالية. هذا التوجه سيفاقم من مشكلة البطالة والفقر، إذا ما اعتبرنا أن القطاع الخاص سيكون منهكاً من الآثار التي لحقت به جراء الجائحة الحالية ولن يكون من أولوياته التركيز على التوظيف إلا بقدر ما يحتاجه لتغطية الطلب الزائد المتوقع على منتجاته. وبالتالي، وبناءً على توجه الحكومة هذا، فإن معدل خلق الوظائف عام ٢٠٢١ سيكون أقل بكثير من معدل الطلب عليها، الأمر الذي سيفضي إلى إرتفاع معدلات البطالة وليس تخفيضها. ولا بد هنا من التنويه على مواربة الحكومة بخصوص الوظائف لعام ٢٠٢١؛ إذ تروج الحكومة إلى أنه سيكون هناك ١٧٠٠ وظيفة للصحة و ١٧٠٠ للتعليم و بضع وظائف لضريبة الدخل والمبيعات. هذا ليس صحيحاً على الإطلاق، لأن هذه الوظائف كلها هي ما تم رصده العام الماضي في موازنة عام ٢٠٢٠ لجدول تشكيلات الوظائف لعام ٢٠٢٠ نفسه، إلا أن حكومة الرزاز أوقفت كل هذه التعيينات حتى الآن، باستثناء حفنة من الوظائف العليا للمحاسيب و “الشلة”. وقد قامت الحكومة الحالية بترحيل هذه الوظائف إلى عام ٢٠٢١ بمخصصات موازنة ٢٠٢٠، وليس بمخصصات موازنة ٢٠٢١. وزير المالية الحالي له دور رئيس في هذه المواربة والتلاعب في بنود الموازنة.

٤. لم يتطرق بلاغ الرئيس لموضوع إستئناف خدمة العلم الذي تم إقراره خلال حقبة الرزاز، والذي بدوره كان يُسوِّف الموضوع ويؤجله حتى رحل دون تنفيذه. أما الحكومة الحالية فقد قررت تأجيل إستئناف خدمة العلم إلى أجلٍ غير مسمى، وبالتالي تلعب الحكومات على مشاعر الشعب وتطلعاته في إقرار خدمة العلم على الورق دون تنفيذها على أرض الواقع لإسكات الشعب وامتصاص سخطه بالطرق الشكلية التي – وللأسف – تنطلي على طبقة كبيرة من الناس.

٥. على الرغم من أسعار محلية جنونية للكهرباء، وجَّه رئيس الوزراء بإبرام إتفاقيات تصدير الكهرباء إلى دول الجوار! لا أعرف ما هي النظرية الإقتصادية التي تسير عليها المحشوة في أنوفنا زواتي عندما تود تصدير الكهرباء في ظل أسعار جنونية للكهرباء المحلية الاستهلاكية والإنتاجية؟! ندَرِّس طلابنا أن الدول تلجأ للتصدير في حال وجود فائض محلي في الإنتاج وميزة نسبية. هذا الفائض إن وُجد فإنه يؤدي إلى إنخفاض الأسعار إلى معدلاتها الطبيعية التي كنا ندفعها خلال الثمانينات مضافاً إليها معدل التضخم في المواد الأولية. وعليه، فإن وجود فائض في الكهرباء وفي نفس الوقت أسعار خيالية للكهرباء يعني بشكل واضح أن الحكومة تمارس سلطة الإحتكار الجشع على الشعب. لذا، فإن كانت الحكومة جادة بتنفيذ الخطاب الملكي، فعليها أن تخفض أسعار الكهرباء محلياً وعدم اللجوء إلى تصديرها إلا بعد أن يتم تخفيض أسعارها إلى السعر العادل، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الإستهلاك المحلي وتحقيق شركة الكهرباء لأهدافها الربحية. وما يتبقى بعد ذلك من فائض يمكن تصديره لتعظيم أرباحها أكثر وأكثر.

٦. بالرغم من توقعات الحكومة لمعدلات تضخم تتراوح بين ١.٣% و ٢.٥% خلال الفترة ٢٠٢١-٢٠٢٣، إلا أن ملامح موازنة ٢٠٢١ خلت تماماً من أي زيادة على رواتب الموظفين. الأمر الذي سيزيد من تآكل الدخول وانخفاض القوة الشرائية للناس.

٧. نص بلاغ الرئيس على أنه لا فرض لضرائب جديدة خلال عام ٢٠٢١. هذا قد يكون نظرياً، لكن فعلياً هناك ضرائب دخل جديدة كانت قد أُقرّت في القانون المعدل لقانون ضريبة الدخل والمبيعات لعام ٢٠١٨، حيث أن هناك فئة جديدة من متوسطي الدخل ستخضع لضريبة الدخل للسنوات المالية ٢٠٢٠ و ٢٠٢١ وما يليهما. إذ نص القانون على تدرج شريحة الإعفاء الضريبي الخاضعة لضريبة الدخل من ٢٣٠٠٠ ديناراً عام ٢٠١٨ لتنخفض إلى ١٨٠٠٠ ديناراً في نهاية هذا العام ٢٠٢٠ وما يليه. مما يعني أن مجموعة كبيرة من ذوي الدخول المتوسطة سيخضعون لضريبة الدخل اعتباراً من نهاية هذا العام والأعوام التي تليه.

٨. عدم التوجيه بضبط الإنفاق على البنود التي تشكل هدراً وفساداً مثل بند المكافآت “الذي يكون عادةً للمحاسيب وأصحاب المصالح”، بل على العكس، نصت التوجيهات الواردة في بلاغ رئيس الوزراء على، أقتبس: “عدم رصد أي مخصصات للمكافآت ضمن النفقات الرأسمالية والإقتصار على رصد هذه المخصصات ضمن مجموعة الرواتب في النفقات الجارية”. إنتهى الإقتباس. إن كان هناك نية لوقف الهدر في المال العام عن طريق قنوات المكافآت والإمتيازات الخاصة، فلماذا يتم الإبقاء على هذه المخصصات في الموازنة العامة وتقوم الحكومة بترحيل هذه المخصصات من باب النفقات الرأسمالية إلى باب النفقات الجارية؟! إن كان هناك جدية وعدم وجود نية لهدر المال العام، فالأمر يقتضي إلغاء مخصصات المكافآت هذه بالكامل من مشروع قانون الموازنة العامة.

٩. وفيما يتعلق بمصادر التمويل، تضمنت ملامح الموازنة أن المملكة ستحصل على جميع المنح والمساعدات المقدرة في الموازنة، الأمر الذي يُعتبر عامل مخاطرة وخطوة غير محسوبة. ذلك لأن جميع الدول المانحة سيكون من أولوياتها تعويض الخسائر والعجوزات في موازناتها جراء الجائحة. لذا فمن باب التحوط، يجب عدم رصد تلك المنح والمساعدات بالكامل، والإكتفاء برصد النسبة المؤكدة منها بحيث يكون هناك مخصص تحوط لا يقل عن 20%. فلأسباب سياسية أو إقتصادية أو جيوسياسية قد تتخلى بعض الحكومات عن إلتزاماتها تجاه الأردن. ثم ومن باب أولى على الحكومة العمل على إعداد موازنات مستقلة خالية من الإعتماد على المنح والمساعدات الأحنبية.

حمى الله الأردن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى