من يعرف بالضبط مكان أبو بكر البغدادي ؟!
مكانه غير معلوم حتى اللحظة لأن لا أحد أعلن بشكل جازم ومؤكد وبالدليل عن مصيره “حي أم ميت”، “معتقل أم طليق”.
المشهد مربك جدا، ولإطفاء مزيد من الغموض عليه لا بأس من تسويق روايات متناقضة ومن مصادر مختلفة ومختلقة وفي فترات متقاربة جدا.
الرجل قتل، الرجل اعتقل، الرجل يختبىء في مكان ما، حتى أن روايات صحفية ومشاهد فيديو نشرت ما بين عامي 2015 و2016 زعمت أنه ليس سوى عميل إسرائيلي اسمه شمعون ايلوت، وهذه الرواية تحتاج إلى تدقيق.
وما هي حقيقة مزاعم إدوارد سنودن- الذي سرب تفاصيل برامج التجسس لوكالة الأمن القومى الأمريكية – التي تقول بأن البغدادي ليس إلا “نتاج خطة أمريكية وإسرائيلية وبريطانية، تهدف إلى جمع أغلبية مجاهدي العالم المتطرفين داخل تنظيم واحد، لنشر الفوضى في الشرق الأوسط وهدم الدول، ما يعطى إسرائيل والعالم الغربي فرصة أكبر للسيطرة على ثروات تلك المنطقة.”
هل نحن أمام “تنظيم” حقيقي بالقوة والتنظيم التي تحدث فيها الغرب عنه وعن زعيمه، أما أننا أمام صناعة إعلامية محبوكة بدقة وعلى درجة عالية من الاحترافية؟!
لنأخذ أخر أربع أو خمس روايات ونعيد قراءة نصوصها كما هي دون أي تدخل تحريري، فقط مجرد قراءة لتحليل المضمون .
أواخر شهر أيار /مايو الماضي أعلنت صحيفة “ديلي ميرور” البريطانية عن أنباء تفيد بمقتل زعيم “التنظيم” أبو بكر البغدادي بغارة جوية نفذها الطيران الحربي السوري على مدينة الرقة.
لكن الحكومة السورية وعلى لسان الرئيس بشار الأسد وعبر وزارة الخارجية الروسة نفت الخبر، رغم أن وزارة الدفاع الروسية هي نفسها كانت مصدر خبر قتله.
وبعدها بأيام قليلة نشر الموقع الخاص بالإذاعة الإيرانية صور قال إنها لجثة البغدادي.
وعرض الموقع صورتين للبغدادي، حيا، وصورتين أخريين ميتا، تحت عنون “البغدادي مات” و”نهاية الحلم بدأت”.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن مسؤول مقرب من المرشد الأعلى علي خامنئي، قوله أنه:” من المؤكد أن زعيم البغدادي لاقى حتفه.”
وقال علي شيرازي، مندوب خامنئي في “فيلق القدس” للوكالة دون الخوض في تفاصيل :”الإرهابي البغدادي حتما مات”، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”.
وبعدها بإيام عاد الروس وأكدوا في 17 يونيو/ حزيران الماضي، إن قواتهم ربما قتلت البغدادي في ضربة جوية في سوريا، الذي سبق أن أعلنوا عن مقتله قبل شهر وقتلته القوات الإيرانية قبلهم بأيام .
وقال رئيس لجنة الدفاع في مجلس الاتحاد بالبرلمان الروسي فيكتور أوزيروف إن احتمال مقتل زعيم تنظيم البغدادي “يكاد يكون مؤكدا بنسبة 100 %”.
وقالت وزارة الخارجية الروسية إن هناك “درجة عالية من الثقة” في أن البغدادي قد قتل، حسب وكالة الإعلام الروسية.
لكن واشنطن شككت في الرواية الروسية وإنه ليست لديها معلومات لإثبات صحة هذه التقارير، فيما شكك مسؤولون عراقيون أيضا في الأمر “كون داعش لم يعرض بعد صورا له في أي مكان يعزز ثقتنا في أن البغدادي قتل”. وفقا لمصدر عراقي.
وقال المتحدث باسم التحالف الكولونيل ريان ديلون في بيان صحافي في وزارة الدفاع الأميركية “ما نعلمه بالتأكيد أنه إذا كان (البغدادي) على قيد الحياة فنحن نتوقع ألا يكون قادرا على التأثير في ما يدور حاليا في الرقة أو الموصل أو في تنظيم داعش بوجه عام”.
وأضاف ديلون “ومع ذلك.. فليس لدينا أي دليل ملموس على ما إذا كان حيا أو ميتا”.
هذا الأرباك لا يتوقف على أنباء مقتله وإنما يطال تفاصيل أخرى تتعلق بالرجل، فهو وفقا لوزارة الداخلية العراقية يدعى إبراهيم عواد إبراهيم السامرائي، ومن ألقابه “أبو دعاء” و”الكرار” و”علي البدري السامرائي” لأنه أصلا ليس بغدادي. وتقول أسرته أنها تتحدر من سلالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وتفيد سيرته، وفق مواقع جهادية، أنه “رجل من سلالة دينية، إخوانه وأعمامه رجال دين ومدرسون للغة العربية والفقه”. فيما يعتقد أن اسمه عوض بن إبراهيم البدري، وولد في مدينة سامراء عام 1971، وحين كان طالبا في المدرسة اضطر إلى إعادة دراسة إحدى السنوات المدرسية لمرة واحدة، وتمكن بعد ذلك من تخطي الثانوية العامة عام 1991 بنتيجة 481 من أصل 600 نقطة.
وحصل في شهادة الثانوية العامة على درجات إضافية كونه “شقيق لأحد الشهداء”، فقد توفي شقيقه الأصغر حين كان جنديا في الجيش العراقي في عهد صدام حسين. أما البغدادي نفسه فلم يتم قبوله لتأدية الخدمة العسكرية، لأن شهادة صحية صادرة عن جامعة أظهرت أنه يعاني من قصر النظر في العينين.
وبعد إنهائه التعليم الثانوي تقدم البغدادي بطلب الدراسة في جامعة بغداد، وأراد بحسب وثائق إدارة الجامعة دراسة القانون، وكانت رغبته الثانية والثالثة هما علم اللغات وعلم التربية، ولكن درجاته في شهادة الثانوية العامة لم تكن كافية لدخول أحد هذه الفروع الدراسية، فالتحق في نهاية المطاف بكلية الشريعة الإسلامية في جامعة بغداد.
وحصل منها على البكالوريوس في الدراسات القرآنية، وبعدها على الماجستير عام 2002 ، وتمحورت رسالته حول موضوع تلاوات القرآن الكريم، وبعد ذلك على شهادة الدكتوراه عام 2006 في الاختصاص ذاته.
وتتلمذ على يد أبو مصعب الزرقاوي الزعيم السابق لتنظيم “القاعدة” في العراق الذي قتل في قصف أمريكي عام 2006 .
في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2006 ضربت طائرة حربية أمريكية مخبأ يُعتقد أنه للمسلحين بالقرب من الحدود السورية في محاولة لقتل البغدادي، في ذلك الوقت كان يعرف بأنه شخص بارز في تنظيم “القاعدة” في العراق دون أية معلومات إضافية.
ورغم تقرير الاستخبارات الذي يفيد بأن الرجل كان موجودا في ذلك المخبأ وقت تنفيذ الهجوم إلّا أنه لم يتم العثور على جثته، وفي النهاية تبين أنه لم يقتل في الهجوم.
كان جزءا من شبكة “القاعدة” في بلدات صغيرة بالقرب من الحدود السورية، وكانت مهمته في ذلك الوقت تسهيل وترتيب قدوم “النشطاء” والراغبين في الانضمام إلى صفوف ” القاعدة” من سوريا والسعودية.
وكشفت صحيفة “ديلي بيست” الأمريكية أن البغدادي الذي كان معتقلا في قاعدة أميركية بالعراق لسنوات طويلة، وأنه قال للجنود الأميركيين لحظة إطلاق سراحه في عام 2009: “نراكم في نيويورك”، ونقلت الصحيفة عن الجنرال كينيث كينج أنه يتذكر ما قاله البغدادي لحظة مغادرته السجن عندما قال: “أراكم في نيويورك يا شباب”، وحينها لم يأخذ كينج هاتين الكلمتين على محمل الجد .
ويقول كينج إنه لم يكن يتخيل أنه خلال أقل من خمس سنوات فقط سيجد أن البغدادي سيتصدر وسائل الإعلام وتقارير الأخبار، ويتابع “أنا لست متفاجئا أن يكون هذا الرجل أمضى الكثير من وقته في مخيم اعتقال بوكا، لكنني متفاجئ أنه ذاته الذي كنت أراه”، ويؤكد أن “أسوأ السيئين كانوا محتجزين في مكان واحد، لكن البغدادي لم يكن من بينهم”.
ويبدي إحباطه بسبب إطلاق سراحه حيث يقول: “نفذنا العديد من المهمات، وفقدنا الكثير من جنودنا خلالها، من أجل إلقاء القبض عليه، ثم أطلقنا سراحه”.