
من وحي زياد الرحباني
حين تنظر إلى لبنان وثقافة لبنان وصنّاع اللغة والأدب والشعر والثقافة والموسيقى فلا بد أن تنعم بكلمات جبران خليل جبران الشاعر والروائي والفيلسوف، وتعتريك قشعريرة الكلمات ووهجها حين تذكر بشارة الخوري الذي مزج العامية بالفصحى في رائعته:
يا ورد مين يشتريك وللحبيب يهديك، يهدي إليك الأمل والهوى والقبل.
ترنّم ايليا أبو ماضي شاعر المهجر بريشته الرنانة:
كم تشتكي وتقول إنك معدم والأرض ملكك والسما والأنجم
ولك الحقول وزهرها ونخيله ونسيمها والبلبل المترنم
وما بين إيليا أبو ماضي وإلياس فرحات وغيرهم ممن تعجّ الساحة الثقافية اللبنانية والعربية بنجومهم تدوّن الصفحاتُ أعمالَ الأخوين رحباني.
رحل نجلهم الغامض الغائب الحاضر وقد امتلأت باحة الكنيسة بمحبيه ومحبي أمّه جارة القمر، كان زياد ينبض بالصدق والشفافية ولا يتورع عن الألفاظ الثورية النابية.
حين تسأل عن ديانته لا تجد ما يشير إليها فقد كان أمميا ثوريا يترفع عن العصبيات والتمذهب وكان يدرك أن أتباع الاستعمار يستخدمون لعبة الدين لسفك الدماء.
كان أدونيس وبدوي الجبل نجوم ثقافة ولم يكونا علويين، كان نزار قباني شاعراً لا شيعياً وبدر شاكر السياب غابة نخيل لحظاتِ السحر لا سنيّا.
رحل زياد ولم ترحل كلماته الجريئة التي قد تكون تحت تأثير الحرية الزائدة أو المشروب الروحي الذي جعله يحلق بعيداً.
كان زياد دفاقاً في لحنه ونثره وشعره على قدر ما يجعله يفرّ من واقعه الأليم الطائفي المذهبي.
شعب بيشرب قهوة كثير لازم يكون أوعى من هيك
فكّرنا يللي راح منيح، طلع منيح يللي راح
في ناس بينهم وبين الفهم، سوء فهم
ما تقلّي طوّل بالك، هيك أطول شي
لم يترك نقداً إلا وأذاع به، ليتنا نملك شيئاً من جراءتك يا أبو عاصي حتى نفضفض فننفُضَ ما تكلّس فوق شرايين قلوبِنا.
لا كرامة لك في وطنك إنْ لم تستطع قولَ ما تريد دون أن تخشى على نفسك السجن القسري وعقوبات الجرائم الالكترونية.
رحل زياد ولم يرحلْ قلمُه وبوحُ لسانِه ومدرستُه وسيبقى في قلوب الكثيرين، وليتنا يا زياد ننعُم ببعضِ حريتِك فنقولُ ما في قلوبنا.