سواليف
وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب على قانون “قيصر” الذي تضمنه مشروع ميزانية وزارة الدفاع “بنتاغون”، ومن نقاط قوة القانون أنه قلما تحولت قضية خارجية وهي القضية السورية، إلى قضية قانونية داخلية أميركية، بحسب مراسل تلفزيون سوريا في العاصمة واشنطن.
من هو قيصر
أطلق لقب “قيصر” على عسكري سوري سابق انشق عن النظام وسرّب عشرات آلاف الصور لضحايا التعذيب من المدنيين السوريين في المعتقلات، واعتمدت على هذه الصور لجنة التحقيق الدولية المكلفة ببحث جرائم الحرب في سوريا لإثبات وقوع جرائم على يد نظام الأسد.
عمل”قيصر” على التقاط صور في الأماكن التي جرت فيها جرائم مدنية. ومنذ اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، كُلف بتصوير جثث المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام.
سرّب “قيصر” 55 ألف صورة لضحايا التعذيب الذي تقوم به الأفرع الأمنية بمعدل أربع صور تحديدا لكل جثة. فضحت الصور ما يجري داخل السجون، وسلطت الضوء على ما وصفت بأنها من أكبر الفظاعات التي عرفتها البشرية في تاريخها.
هكذا كانت البداية
كانت البداية بعيد اندلاع الثورة السورية، إذ يقول “قيصر” – في شهادته للكونغرس – إن عمليات القتل دشنت خلال مظاهرات درعا السلمية، حيث نقلت إليهم الأجهزة الأمنية نحو 45 من جثث المتظاهرين السلميين إلى داخل المستشفى العسكري المعروف باسم 601، وقيل إنها جثث “المندسين” من درعا. وبعدها بدأت الأعداد في ازدياد مهول امتلأت معه ثلاجات حفظ الموتى في وقت قياسي، الأمر الذي دفع المسؤولين إلى إلقاء الجثث في أماكن مختلفة، بينها مواقف السيارات.
وبحسب قيصر، كتب على كل جثة رقم التوقيف والفرع الأمني الذي اعتقل صاحبها، وبعدها بثلاثة أيام أو أربعة يأتي الطبيب الشرعي لمعاينة الجثث التي تركت في العراء عرضة للقوارض والحشرات. وبعد أن يكبر العدد ويتجاوز المئتين أو الثلاثمئة، يتم جمعها وأخذها إلى أماكن مجهولة. وبين القتلى أطفال أعمارهم تترواح ما بين 12 و14 عاما، وشيوخ يتجاوز عمر بعضهم 70 عاما.
الهروب من سوريا
هدفت أجهزة النظام الأمنية من التقاط صور لجثث الضحايا إصدار وثيقة وفاة دون الحاجة إلى تبرير قانوني للعائلة، ثم التأكد من تنفيذ الضباط لأوامر الإعدام التي صدرت لهم، وعدم إطلاق سراح أي معتقل لدى الأفرع الأمنية المختلفة.
خشي قيصر على سلامته الشخصية وسلامة أسرته بعد أن بعث بآلاف الصور إلى أحد معارفه وفي وقت لاحق، نودي على “قيصر” في الكونغرس الأميركي حيث عرض الصور على لجنة العلاقات الخارجية، في حين تم تشكيل فريق تحقيق دولي لبحث جرائم الحرب المرتكبة في سوريا، تأكد من مصداقية الصور.
حينها وجه “قيصر” خطابه إلى الكونغرس قائلا “جئت لأوجه رسالة لكم، الرجاء أوقفوا القتل في سوريا، هناك مذابح ترتكب والبلاد تدمر دون رحمة.. هناك عشرة آلاف ضحية لن يعودوا إلى الحياة، كانت لهم أحلام وطموحات وعائلات وأصدقاء، لكنهم قضوا في سجون الأسد.. السوريون يطالبونكم بفعل شيء مثلما فعلتم في يوغسلافيا السابقة”.
طرح القانون
يقول سعيد مجتهد رئيس المعهد السوري للتنمية في واشنطن، لـ موقع تلفزيون سوريا، إنه “في عام 2014 كان رئيس العلاقات الخارجية في مجلس النواب من الحزب الجمهوري النائب إيد رويس والنائب إليوت إينغل الذي يترأس مجموعة العلاقات الخارجية، يعتبر الرجل الثاني في العضوية، في ذلك الوقت كنا كأميركيين سوريين ندفع لإصدار عقوبات ضد النظام، عندما تمت الموافقة داخليا بين الأعضاء، كُتبت مسودة عقوبات للتصويت عليها، حينها جاء “قيصر” إلى واشنطن وعرض على مجلس النواب الصور، فقام النائب إينغل من الحزب الديمقراطي بتسمية العقوبات (سيزر)”.
صادق مجلس النواب الأميركي في تشرين الثاني 2016 بأغلبية ساحقة على مشروعي قانونين يفرض أحدهما إجراءات صارمة على داعمي نظام الأسد ماليا أو عينيا أو تكنولوجيا، بينما جدد الآخر قانون العقوبات المفروضة على إيران منذ عقود. واتهم نواب المجلس حكومة الأسد بارتكاب جرائم حرب، بينما تشهد أعداد القتلى زيادة مطردة. ووفقا لمشروع القانون الخاص بسوريا، فإن آلة الحرب الطاحنة المستمرة بعد نحو ست سنوات على اندلاع الثورة، أودت بحياة نحو نصف مليون شخص تقريبا.
ويضيف “مجتهد” أن مجيء قيصر إلى واشنطن كان صدفة لكنه أعطى زخما كبيرا لمشروع العقوبات، بسبب الصور ومداخلته كشاهد على ارتكاب الجرائم، كسب قيصر تعاطف معظم أعضاء مجلس النواب وقسما كبيرا من مجلس الشيوخ.
الإقناع.. هذا ما يحدث في سوريا
بعد التصويت في مجلس النواب عام 2016، أرسلت المشروع إلى مجلس الشيوخ وكان رئيس العلاقات الخارجية في المجلس سيناتور كروكر الذي عرقل هذه الجهود لأسباب عديدة، ويتابع مجتهد قائلا: “شخصيا تواصلت مع كروكر وناشطون سوريون آخرون كانوا على صلة مع مساعديه، لكننا لم ننجح في الحصول على دعمه، وطالب تعديل بعض النقاط لطرحها في مجلس النواب مجددا”. ويوضح أنه حتى عام 2019 صوت مجلس النواب على القانون ثلاث مرات بغالبية الأصوات ولم نستطع دفعها للتصويت في مجلس الشيوخ في الشهر الثالث من العام 2019 تم التواصل بيني وبين الدكتور زيد كيالي مع السيناتور جيمس ريش الذي حل مكان كروكر، إلى أن تم إقناعه بعد أن عرفناه بالوضع السوري”.
قانون (قانون قيصر سوريا لحماية المدنيين)، والذي قدمه النائب إليوت إنجل ووافق عليه مجلس النواب في 2017، وقد مُرر مشروع القانون، من مجلس النواب ووافقت عليه لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ. ويحتاج إلى موافقة كامل مجلس الشيوخ.
القانون دخل في دورة تشريعية جديدة مع بداية العام 2018، وأعيد التصويت عليه من جديد وفق القوانين الأميركية. لكن السناتور الجمهوري راند بول أوقف التصويت على القانون في كانون الأول من العام 2018، وذلك بموجب إجراءات “الموافقة بالإجماع” التي تسمح لمشرّع واحد بمنع التصويت على مشروع قانون لأسباب روتينية .
السيناتور بول الذي أعاق القانون في اللحظات الأخيرة، له تاريخ طويل في رفض تدخل الولايات المتحدة في سوريا ضد الأسد، فضلاً عن مطالبته المستمرة بالتقارب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
المرحلة الأخيرة.. إقرار القانون
بعد سعي من أفراد في الجالية السورية في أميركا، كان “عضو مجلس الشيوخ السيناتور جيمس ريش الفضل في رسم استراتيجية لإدخال قانون قيصر في موازنة الدفاع الأميركية، وهو قانون يتألف من مئات الصحفات، والفكرة الأساسية ان اعضاء مجلس الشيوخ لن يرفضوا التصويت على الميزانية وبالتالي سيكون قد صوتوا على القانون وهذا ما حدث”، يقول مجتهد.
كانت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي قد مررت بداية العام الجاري مشروع قانون قيصر لـ حماية المدنيين في سوريا لـ عام 2019، وحسب ما قالت مصادر على صلة بـ”الكونغرس” لـ تلفزيون سوريا، فإن مشروع القانون لم يحصل على الدعم الكامل من أجل التصويت عليه بشكل منفصل حيث كانت هناك مخاوف من اعتراضات من قبل بعض الأعضاء مثل السيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي “راند بول ” مما استدعى فكرة ربط قانون قيصر بمشروع قانون يحظى بموافقة الحزبين.
وسبق أن فشل القانون في الحصول على التصويت المطلوب لـ مرات متتالية في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما لكنّه عاد ولقي الزخم والدفع المطلوبين بسبب جهود الجالية السورية في أميركا، وبعد وصول الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.
بعد ربطه بقانون ميزانية وزارة الدفاع الأميركية، وبعد توافق اثني عشر من قادة وأعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديموقراطي على مشروع قانون الميزانية مع كل إضافاتها بما فيها قانون قيصر، أبصر القانون النور في ظرف أقل من أسبوع بعد التصويت على الميزانية ومن ثم توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب عليها يوم الجمعة لتصبح قانونًا نافذًا ومن ضمنها قانون قيصر الملحق بها.
منظمات سوريّة أميركية وناشطون بذلوا جهوداً كبيرة في الثماني والأربعين ساعة التي سبقت موافقة قادة في الكونغرس على عملية الربط هذه وبعد أن وصلوا إلى قناعة أنه لا يمكن التصويت على القانون بشكل منفصل بسبب الاعتراضات المحتملة والمتوقعة من قبل بعض أعضاء مجلس الشيوخ كما حصل في المرات السابقة.
وكشفت مصادر على صلة بتطورات الساعات الأخيرة المتعلقة بالقانون وتوافق الحزبين على ضمه إلى قانون ميزانية وزارة الدفاع، أن عشرة أعضاء من الحزبين وافقوا في بادئ الأمر على إضافة القانون إلى قانون الميزانية وكان هناك ضرورة لأن توافق رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي وزعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ السناتور تشاك شومر ، ما استدعى حملة اتصالات مكثفة من قبل أعضاء الجالية السورية ومن مختلف الولايات مع أعضاء في الكونغرس من أجل حث بيلوسي وشومر على التوقيع.
وقال قيصر بعد إقرار القانون لـ تلفزيون سوريا عن طريق المقرّب منه (معاذ مصطفى) رئيس منظمة الطوارئ الأميركية السورية، إن القانون “بارقة أمل لكل السوريين المضطهدين مِن أجل تحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في سوريا”.
واعتبر قيصر أن “القانون هو بداية النهاية لـ مجرمي نظام الأسد وداعميه الذين سفكوا الدماء وهتكوا الأعراض في سوريا”، لافتاً في الوقتِ عينه إلى أن “القانون ليس عصاً سحرية لـ عمل المعجزات، إنما أصبح منذ إقراره مسماراً دُقّ في نعش نظام الأسد الفاشي”.
ماذا يعني القانون؟
أوضح مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركية في بيان، أن “قانون قيصر يوفر للولايات المتحدة أدوات للمساعدة في إنهاء الصراع الرهيب والمستمر في سوريا من خلال تعزيز المساءلة على نظام الأسد. كما أنه يحاسب المسؤولين عن موت المدنيين على نطاق واسع وعن الفظائع العديدة بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية وغيرها من الأسلحة الهمجية. وينص القانون على فرض عقوبات وقيود على من يقدمون الدعم لأعضاء نظام الأسد، بالإضافة إلى العناصر التمكينية السورية والدولية التي كانت مسؤولة، أو متواطئة في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في سوريا”.
كما يضيف أن القانون “يسعى إلى حرمان نظام الأسد من الموارد المالية المستخدمة في تأجيج حملة العنف والتدمير التي أودت بحياة مئات الآلاف من المدنيين. يرسل قانون قيصر إشارة واضحة مفادها أنه لا ينبغي لأي ممثل خارجي الدخول في أعمال مع أو إثراء مثل هذا النظام”.
وأضاف بومبيو أن ترامب اتخذ خطوة مهمة بتوقيعه القانون، من أجل تحميل الأسد ونظامه مسؤولية المجازر التي ارتكبها في سوريا. وذكر بيان الوزير أن قيصر “خاطر بحياته لتهريب الآلاف من الصور التي توثق تعذيب وقتل السجناء داخل سجون نظام الأسد إلى خارج سوريا. ورسّخَ حياته للبحث عن العدالة لأولئك الذين يعانون من وحشية نظام الأسد. هذا القانون الجديد يجعلنا أقرب إلى فعل ذلك”.