مع اقتِراب إعلان هزيمة “داعش” النهائيّة من هو “العدو الجديد” الذي ستستخدمه أمريكا للتّدخُّل عسكريًّا في المِنطقة؟ هُناك قائمة بثلاثة أسماء.. ما هي؟ ولماذا نستشهِد ببعض السّوابق وأبرزها نظريّة كيسنجر حول “تدوير” عوائد النّفط؟ وهل ستتكرّر الحُروب والنّتائج نفسها؟
عبد الباري عطوان
عندما انهار الاتّحاد السوفييتيّ رسميًّا عام 1991 أدلى جوزيف لنز، أمين عام حزب النّاتو الأسبق (1971 – 1984)، بتصريحٍ قال فيه “علينا الآن أن نبحث عن عدو جديد لاستمرار خططنا التسليحيّة واستعداداتنا العسكريّة، وليس هُناك غير جماعات الإسلام السياسيّ المتشددة، وفي منطقة الشرق الأوسط خُصوصًا”.
في تلك الفترة لم تكُن الجماعات الإسلاميّة المتشددة مثل “القاعدة” قد ظهرت على السّطح بقوّة، وحتى لو كانت موجودة، فإنّها وقفت في خندق الحُكومات الغربيّة في مُواجهة العدو الشيوعيّ المُلحد الذي يُشكّل خطرًا مُشتركًا، وشاركت الولايات المتحدة في حربها في أفغانستان ضِد ما كان يُطلق عليه في حينها الاحتلال السوفييتيّ، ولعِب “المُجاهدون”، وبتسليحٍ غربيٍّ وتمويلٍ خليجيّ، دورًا مِحوريًّا في هزيمته، انتِقامًا للهزيمة الأمريكيّة المُهينة في أفغانستان.
الآن، ومع اقتِراب إعلان الولايات المتحدة وحُلفائها القضاء نهائيًّا على “الدولة الإسلاميّة” أو (داعش)، في آخر جُيوبها “العلنيّة”، أو فوق الأرض في شرق الفرات السوري، فإنّ السّؤال الذي يطرح نفسه هو عن هُويّة “العدو” الجديد الذي سيُحاربه الغرب، ويحشِد الطائرات والحُلفاء ومِئات المِليارات من الدولارات للقَضاء عليه؟
نطرح هذا السّؤال لأنّ الدول الغربيّة بقيادة أمريكا لا تستطيع النّوم فيما يبدو دون أن يكون هُناك عدو لتشغيل صِناعاتها العسكريّة، وتبرير تدخّلاتها الحربيّة، وإعادة “تدوير” عوائِد النفط بحيث تنتهي في مصارفها وخزائنها في نهاية المطاف، تمامًا مِثلما وقفت هذه الدول خلف الحرب العراقيّة الإيرانيّة، وغزو العِراق واحتلاله بعدها، وتغيير النّظام في ليبيا، والقائمة طويلة.
***
هُناك عِدّة دول أو اطراف “مُرشّحة” لكيّ تكون على قائمة العداء هذه، مُنفردة أو مُجتمعة:
الأولى: إيران التي ألغت الإدارة الأمريكيّة الاتفاق النووي معها، وفرضت عليها حِصارًا اقتصاديًّا خانقًا، وتحشد قُواها العسكريّة لمُواجهتها، سواء بتأسيس “الناتو” العربيّ الإسرائيليّ ليكون رأس حربة في أيّ حربٍ قادمة، أو تحشيد حاملات الطائرات، والغوّاصات استعدادًا لها، أو لإرغام القيادة الإيرانيّة على القُبول “صاغِرةً” بالتّعديلات الأمريكيّة للاتفاق المذكور.
الثانية: “حزب الله” الذي بات يُشكّل خطرًا وجوديًّا على إسرائيل بسبب خبراته العسكريّة الهائلة التي اكتسبها من خلال مُشاركته في الأزَمة السوريّة، أو ترسانته الضّخمة من الصواريخ من مُختلف الأبعاد، والذكيّة منها خاصّةً، وقيادته الصّلبة والمُجرّبة التي يُمكن أن تتّخذ قرار الحرب إذا اضطرّت لذلك.
الثالثة: تنظيم “القاعدة” الذي بدأت التقارير الأمريكيّة تتحدّث هذه الأيّام عن عودته بقُوّة إلى “الساحة الإرهابيّة” ومِلء الفراغ الذي سيترتّب على هزيمة “داعش” تحت قيادة حمزة بن لادن، نجل أسامة بن لادن، مُؤسّس هذا التنظيم ورصدها مُكافأةً مِقدارها مليون دولار لمن يُقدّم معلومات يُمكِن أن تُؤدّي إلى اعتقاله أو مقتله.
وربّما يتساءل البعض عن عدم إضافة روسيا والصين وكوريا الشماليّة إلى قائمة الأعداء المُحتملين، وهو تساؤل في محلّه، والسبب بسيط وهو أن هذه القوى الثلاث تملك أسلحة نوويّة، وترسانات صاروخيّة باليستيّة قادرة على إيصال هذه الأسلحة (رؤوس نوويّة) إلى العُمقين الأوروبيّ والأمريكيّ، ولهذا يقتصر “الإستئساد” الأمريكيّ على العرب والمُسلمين فقط، الذين يمكن أن يُشكّلوا خطرًا على دولة إسرائيل.
نشرح أكثر ونقول إنّ نظريّة هنري كيسنجر، وزير الخارجيّة الأمريكيّ الأسبق، و”عرّاب” كُل الحُروب والتدخّلات العسكريّة الغربيّة في المِنطقة، والمُستشار غير الرسميّ للرئيس الحالي دونالد ترامب، والدولة الإسرائيليّة العميقة ولوبيّاتها، هذه النظريّة التي أطلقها عام 1973 حول “تدوير” عوائد النّفط، وتأسيس قوّات التدخّل السريع ما زال يجري تطبيقها حرفيًّا في أكثر من دولة في منطقة الشرق الأوسط، وما ابتزاز ترامب للسعوديّة ودول الخليج ماليًّا، وجنِي مئات المليارات من عوائدها واحتياطاتها النفطيّة، تحت عناوين مُختلفة أبرزها “الحماية المدفوعة الثّمن”، إلا أحد هذه التّطبيقات.
***
نحن الآن في انتظار خطاب الرئيس ترامب الجديد الذي سيُعلن فيه “مُتباهيًا” تحقيق الانتصار النهائيّ على “الدولة الإسلاميّة”، تمامًا مِثلما أعلن سلفه جورج بوش الابن، إنجاز المُهمّة في العِراق بعد احتلاله في نيسان (إبريل) عام 2003.
حِصار إيران، وتبنّي قمّة وارسو لقرار يُصنّفها الخطر الأكبر الذي يُهدّد أمن واستقرار المِنطقة، وتأكيدات بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بأنّه لن يسمح مُطلقًا باستمرار وجود قوّاتها في سورية، ووضع بريطانيا فجأةً “حزب الله” بجناحيه السياسيّ والعسكريّ على قائمة الإرهاب، كلها مُؤشرات تبلور ملامح العدو الجديد.
نختم بسُؤالٍ لا يمكِن تجنّب طرحه في هذه العُجالة، هو عمّا إذا كانت أمريكا وحُلفاؤها ستكون قادرة على مُواجهة هذا العدو والقضاء عليه، بأقلّ الخسائر مثل ما كان عليه الحال في جميع تدخّلاتها العسكريّة السّابقة؟
إنّه سؤالٌ افتراضيٌّ، يندرج في إطار علم المُستقبليّات، ولهذا يصعُب الإجابة عليه، لأنّ هذه الإجابة تأتي في إطار التكهّن، ولكن لدينا إيمان قويّ بأنّ النّتائج ستكون مُختلفةً هذه المرّة.. والأيّام بيننا.