من كل #بستان #زهرة -39- ماجد دودين
الحمد لله فاطر الأرض والسموات، عالم الأسرار والخفيات، المطّلع على الضمائر والنيّات، وأحاط بكل شيء علما، ووسع كل شيء رحمة وحلما، وقهر كل مخلوق عزة وحكما … يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما، لا تدركه الأبصار، ولا تغيره الدهور والأعصار، ولا تتوهمه الظنون والأفكار، وكل شيء عنه بمقدار، أتقن كل ما صنعه وأحكمه وأحصى كل شيء وعلمه، وخلق الإنسان وعلّمه، أحمده سبحانه على ما ألهمه من معلوم وفهمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من عرف الحق والتزمه. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من صدع بالحق وأسمعه.
انظر في المال والحال والصحة إلى من هو دونك … وانظر في العلم والدين والأخلاق الفاضلة إلى من هو فوقك لتجمع بين التواضع وعلوّ الهمة.
قال صلى الله عليه وسلّم:” انظروا إلى من هو أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقَكم ، فإنه أجدَرُ أن لا تزدَروا نعمةَ اللهِ عليكم”
القَناعَةُ من أجلِّ أَخلاقِ المُؤْمِنينَ، وهي علامةٌ على الرِّضا بقَدَرِ اللهِ، كما أنَّها تُهوِّنُ صُعوبَةَ الحَياةِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “انْظُرُوا إلى مَنْ هو أَسْفَلَ منكم”، أي: مَنْ هو أَقَلُّ منكم في أُمور الدَّنْيا وتَقْسيمِها، “ولا تَنْظُروا إلى مَنْ هو فَوْقَكُم” فيها؛ فإنَّ هذا النَّظَرَ “أَجْدَرُ”، أي: أَحَقُّ “أنْ لا تَزْدَروا”، أي: لا تَحْتَقِروا “نِعْمَةَ اللهِ عليكم”؛ وذلك أنَّ نَظَرَ الإنْسانِ إلى مَنْ هو أعْلى منه؛ يُؤَدِّي إلى اسْتِحْقارِ ما عِندَ نَفْسِهِ من النِّعَمِ، فيَسْتَقِلَّ النِّعْمَةَ ويُعرِضَ عن الشُّكرِ؛ لأنَّ كثيرًا من الناسِ يَصبِرُ على المقدورِ فلا يَسْخَطُ، وهو غيرُ راضٍ به؛ فالرِّضا أمرٌ آخَرُ، وقد يُؤَدِّيهِ ذلك إلى كُفْرانِ النِّعْمَةِ، وأنَّه ليس عليه شيْءٌ من النِّعْمِ؛ فيَكْفُرَ نِعْمَةَ اللهِ عليه، ولذلك قالَ اللهُ تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131]، وإذا أَعْرَضَ عن التأمُّلِ في أحْوالِ أهْلِ الدُّنْيا وما وُسِّعَ عليهم، هانَ عليه ما هَمَّهُ واسْتَكْثَرَ ما أُوتِيَ، وإذا نَظَرَ بعَيْنِ الحَقيقةِ، فالمُكْثِرُ ليس معه إلَّا هَمُّ الإكْثارِ وحِفْظِ المالِ، والدُّنْيا سَريعةُ الزَّوالِ، وإذا تحوَّلَ المالُ وضاعَ، فإنَّهم لا يُغْبَطونَ على ذلك، بل إنَّهم يُرْحَمونَ ويُرْثَى لهم.
وفي الحَديثِ: بَيانُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان مُداوِيًا للقُلوبِ، فعَلَّمَها كيف تَصْنَعُ، ووَصَفَ لها الدواءَ. وفيه: إرْشادٌ إلى الاعْتِبارِ بأَحْوالِ الدُّنْيا، وأنَّ السَّعادَةَ ليستْ مالًا فقطْ … وفيه: أنَّ مِن أعظمِ ما يُعينُ على استشعارِ النِّعمِ كثرةَ التأمُّلِ فيها والنظرَ في حالِ مَن هُم أقلُّ حالًا منك.
إذ نِلْتَ مِنْ دُنياك خَيرًا فَجُدْ بِهِ … فَإِنَّ لِجَمعِ الدَّهْرِ من صَرْفِهِ شَتَّى
فَكَمْ مِن مُشَتٍ لَمْ يُصيِّفُ بأهْلِهِ … وَآخَرُ لَمْ يُدْرِكْهُ صَيْفٌ إِذا شَتَى
من استخف بشيء من حرمات الله فلا تأمنه على شيء مما تخاف عليه وكن منه على حذر دائما لأن من لا يخاف الله لا يؤمن على شيء أبدا.
الجاهل من يعصي الله في طاعة هواه والشيطان والنفس الأمارة بالسوء
نح نفسا عَن الْقَبِيح وصنها … وتوق الدُّنْيَا وَلَا تأمننها
لَا تثق بالدني فَمَا أبقت الدُّنْيَا … لحى وَدِيعَة لم تخنها
إِنَّمَا جِئْتهَا لتستقبل الْمَوْت … واسكنتها لتخرج عَنْهَا
ستخلى الدُّنْيَا وَمَا لَك إِلَّا … مَا تبلغت أَو تزودت مِنْهَا
وسيبقى الحَدِيث بعْدك فَانْظُر … خير أحدوثة تكون فكنها
قرب الصالحين داع للصلاح وقرب الأشرار والركون إليهم مضرة على العقول والأبدان والأديان والأخلاق
رُبَّ أخ لك لم تلده أمك، ورب بعيد أقرب من القريب، ورب أمنية جلبت منيّة، وربّ حال أفصح من لسان، ورب سكوت أبلغ من كلام، ورب ساع فيما يضره، ورب عطب تحت طلب، ورب مبلّغٍ أوعى من سامع، وملوم لا ذنب له.
العجب ممن يحتمي من المآكل الرديئة ولا يترك الذنوب مخافة رب العالمين ويستحي من الخلق ولا يستحي من الله الذي لا تخفى عليه خافية
القلب مثل البيت الذي له ستة أبواب ثم قيل احذر أنْ لا يدخل عليك من أحد الأبواب شيء فيفسد عليك البيت والِأبواب هي العينان واللسان والسمع والبصر واليدان والرجلان فمتى انفتح باب من هذه الأبواب بغير علم ضاع البيت
من علامات التوفيق للإنسان دخول أعمال البر عليه من غير قصد لها، وصرف المعاصي عنه مع سعيه إليها وفتح باب الالتجاء والافتقار إلى الله تعالى في كل الأحوال، واتباع السيئة الحسنة، وعظم الذنب في قلبه وإن كان من صغائر الذنوب والإكثار من ذكر الله وحمده وشكره والاستغفار.
أَيا مَن لَيْسَ لي مِنْهُ مُجيْرٌ … بِعَفْوكَ مِن عَذَابك أَسْتجِيْرُ
أَنَا العَبْدُ المُقِرُّ بِكُلِّ ذَنْبٍ … وَأَنْتَ السَّيْدُ المَولَى الغَفُوْرُ
فَإِنْ عَذَّبْتَنِي فَبِسُوءِ فِعْلِي … وَإِنْ تَغْفِرْ فَأَنْتَ بِهِ جَدِيْرُ
أَفِرُّ إِِليكَ مِنْكَ وَأَيْنَ إِلا … إِليكَ يَفِرُّ مِنْكَ المُسْتَجِيْرُ
واخَجلَةِ القَلْبِ مِن إِحْسَانِ سَيْدِهِ وَاحَيْرةَ القَلْبِ مِنْ أَلْطَافِ نَعْمَاهُ
وَاحَسْرةَ الطَّرْفِ كَمْ يَرنُوا لِخائِنةٍ … مِن المآثِم لا يَرْضَى بِهَا الله
فَكَمْ أَسَاتُ وبِالإِحْسَانِ عامَلني … واخَجْلتي واحيائي حِيْن ألقَاهُ
وَكَمْ لهُ مِنْ أَيادٍ غَيْرِ واحدةٍ … وَافَتْ إِلى تُريْنِي أَنْهُ الله
بِلُطْفِهِ وبفضْلٍ مِنْهُ عَرَّفني … في حُبِّهِ كَيْفَ أَرْجُوهُ وَأَخْشَاهُ
نَعَى لكَ ظِلُّ الشَّبَاب المشيب … وَنَادَتْكَ بِاسْم سِوَاكَ الخُطُوبِ
فكن مُسْتعد لِدَار الفنَاء … فَإِنَّ الذِي هو آتٍ قَريب
أَلَسْنَا نَرى شَهواتِ النُفُوس تَفْنَى … وَتَبْقَى عليها الذُّنُوب
وَقَبْلَكَ دَاوَي المرِيضَ الطَبيْبُ … فَعَاشَ المَريْضُ وَمَاتَ الطَبيب
يَخَافُ على نَفْسِهِ مَنْ يَتُوب … فكَيْفَ تَرى حال من لا يَتُوب
ست خصال يرفع الله بها العبد العلم النافع والأدب المستفاد من الكتاب والسنة والأمانة والعفة والصدق والوفاء
من نتائج المعصية قلة التوفيق وفساد الرأي وخفاء الحق وفساد القلب وخمول الذكر وإضاعة الوقت ونفرة الخلق والوحشة مع الرب ومنع إجابة الدعاء وقسوة القلب ومحق بركة العمر ولباس الذل وضيق الصدر
الشكر من أعلى المقامات وهو أعلى من الصبر والخوف والزهد وهو مقصود لنفسه ولذلك لا ينقطع في الجنة وليس فيها خوف ولا توبة ولا صبر ولا زهد والشكر دائم في الجنة قال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ}.
الشكر لله يتم بأمور:
أولا: أن يحمد الله على نعمه بلسانه ويشكره.
ثانيا: أن يعتقد أن هذه النعمة أو النعم آتيته من الله.
ثالثا: أن لا يستعين بها على معاصيه بل يطيع الله فيها.
رابعا: أن يعرف فضل الله عليه وكرمه فليستحي من الله فلا يعصيه
عمر الإنسان ميدان للأعمال الصالحة المقربة إلى الله والموجبة الثواب له في الدار الآخرة وهذه هي السعادة التي يكدح العبد ويسعى من أجلها وليس له منها إلا ما سعى كما قال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} وقال تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ}.
بَقيَّةَ العُمْرِ عِنْدِي ماله ثَمَن … وَإِنْ غَدَا لَيْسَ مَحْسُوبًا مِنَ الزَّمَنِ
يَسْتَدرك المَرءُ فِيْهَا كُلَّ فَائِتَةٍ … مِنَ الزَّمَانِ وَيَمْحُو السُّوء بِالحسنِ
عن ابن عباس أنه قرأ {فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} [مريم84] فبكى وقال آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخول قبرك
لمّا كان الموت أمرا حتما لا بد منه لكل نفس فلا بد من تذكره دائما وأبدا ففي تذكره محاسبة للنفس على ما قدمت من خير أو شر فإن قدمت خيرا فذكر الموت يريحها ويحثها على التزود من الأعمال الصالحة والابتعاد عن كل شر وإن فرطت وأهملت واستمرت على فعل المعاصي والشرور فذكر الموت يردعها عن غيها وطغيانها ويحول بينها وبين عبثها.
يَا وَيْحَ نَفْسِي من تتابع حَوْبتي … لو قد دعاني للحساب حسيبي
فَاسْتَيْقِظِي يَا نَفْسُ وَيَحكِ وَاحْذَرِي … حذرًا يَهيجُ عَبْرتي وَنَحِيْبي
وَاسْتَدرِكي ما فات مِنْكِ وسابِقي … سَطواتِ موْتٍ لِلْنُفُوس طَلُوبِ
وَابْكِي بُكاء المُسْتَغِيْثِ وَأعْولِي … إِعْوالَ عَانٍ في الوثاقِ غَرِيْبِ
هَذَا الشَّبَابُ قَدْ اعْتَلَلْتُ بِلَهْوِهِ … أَفَلَيْسَ ذَا يَا نَفْسُ حِيْنَ مَشيْبِي
هَذَا النَّهَار يَكرُّ وَيْحَكِ دَائِبًا … يَجْرِي بِصَرْف حَوادثٍ وخُطُوبِ
هَذَا رقيْبٌ لَيْسَ عَنِّي غافِلاً … يُحْصِي عليَّ وَلَوْ غَفَلْتُ ذُنوبِي
أَوَ لَيْسَ مِنْ جَهْلٍ بِأَنِّي نَائِمٌ … نَوْم السَّفِيْهِ وَمَا يَنامُ رَقِيْبِي
العجب كلّ العجب ممن عرف الله فعصاه وعرف الشيطان فاتّبعه وعرف الدنيا فركن إليها!!!
للهِ قَومٌ أَطَاعُوا الله خَالِقَهُم … فآمنوا واسْتَقَامُوا مِثْل ما أُمِرُوا
وَالوَجْدُ والشوقُ وَالأَفْكَارُ قُوتهُمُوا … وَلازَمُوا الجَدَّ والإدْلاجَ في البُكَرِ
وَبَادَرُوا لرِضَا مَوْلاهُمُوا وَسَعَوْا … قَصْدَ السَّبِيْلِ إليه سَعْي مُؤْتَمِرِ
وَشَمَّرُوا وَاسْتَعَدُّوا وِفْقَ ما طُلِبُوا … وَاسْتَغْرقوا وَقْتهُم في الصَّوم والسَّهرِ
وَجَاهَدُوا وانْتهوا عَمَّا يُبَاعِدُهم … عَنْ بَابِهِ وَاسْتَلانُوا كُلَّ ذِي وَعرِ
جَنَّاتُ عَدْنٍ لَهُم مَا يَشتهون بها … في مَقْعَدِ الصِّدْقِ بَيْنَ الرَّوض والزَّهرِ
لَهُم مِنَ اللهِ مَا لا شَيءَ يَعْدِلُهُ … سَمَاعُ تَسْليمِهِ وَالفَوزُ بِالنَّظرِ
وَنَفسكَ فازْجُرْها عَن الغَي والخَنَا … وَلا تَتَّبْعها فَهي أُسُّ المَفَاسِدِ
وَحَاذِرْ هَواهَا مَا اسْتطعَتَ فَإِنَّهُ … يَصُدُّ عَن الطاعاتِ غَيْرَ المجاهِدِ
وَإِن جهادَ النَّفس حَتْمٌ على الفتى … وإنَّ التُّقَى حَقًّا لِخَيْرُ المَقَاصِدِ
فَإِنْ رُمْتَ أن تُحْظى بنَيْل سعادةٍ … وَتُعْطى مَقَامَ السالكينَ الأَمَاجِدِ
فَبَادِرْ بِتَقْوَى الله واسْلُكْ سبيلها … ولا تَتَّبعْ غَيَّ الرَّجيم المُعَانِدِ
وَإِيَّاكَ دُنْيا لا يَدُومُ نَعِيْمُهَا … وَإِنَّكَ صَاح لَسْتَ فِيْهَا بِخَالِدِ
تَمَسَّكَ بِشَرْعِ اللهِ وَالْزَمْ كِتَابهُ … وَبِالعِلْمِ فاعْمَلْ تَحْوِ كُلَّ المَحَامِدِ
أَلا يَا غَفَلاً تُحْصَى عليه … مِنَ العَمَل الصَّغِيْرةُ وَالكَبِيْرة
يُصَاحُ بِهِ وَيُنْذَرُ كُلَّ يَوْمٍ … وَقَدْ أَنْسَتْهُ غَفْلَتُهُ مَصِيْرَه
تَأَهَّبْ لِلرَّحِيْل فَقَدْ تَدَانَي … وَأَنْذَرَك الرَّحِيْلَ أَخٌ وَجِيْرَة
وَكَمْ ذَنْبٍ أَتَيْتَ عَلَى بَصِيْرة … وَعَيْنُكَ بالذِي تَأَتِي قَرِيْرَة
تُحَاذِرُ أَنْ تَراكَ هُنَاكَ عَيْنٌ … وإِنَّ عَلَيْكَ للعَيْنُ البّصِيْرَة
وَكَمْ مِن مَدْخَل لَوْ مُتَّ فِيْه … لَكُنْتَ بِهِ نَكَالاً لِلْعَشِيْرَة
وُقِيْتَ السُوءَ وَالمكرُوُه مِنْهُ … وَرُحْتَ بِنعْمَةٍ فِيْهِ سَتِيْرَة