من كلّ بستان زهرة – 72-
القلب السليم الذي لا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله به.
هو القلب الذي قد سلَّم لربه وسلَّم لأمره ولم تبق فيه منازعة لأمره، ولا معارضة لخبره،
لا يريد إلاّ الله ولا يفعل إلاّ ما أمره الله … فالله وحده غايته وأمره وشرعهُ ووسيلته…
قلب سليم من الشرك، وسليم من البدع، وسليم من الغي، وسليم من الباطل.
**********
تشبيه العلماء بالنجوم فلأن النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وكذلك العلماء…
النجوم زينة للسماء، وكذلك العلماء زينة للأرض…
العلماء رجوم لشياطين الإنس الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً…
العلماء رجوم لهذا الصنف من الشياطين ولولاهم لطُمست معالم الدين بتلبيس المضلين…
العلماء…الله سبحانه أقامهم حُراساً وحفظةً لدينه، ورجوماً لأعدائه وأعداء رسله.
**********
العلم غنى بلا مال، وعز بلا عشيرة، وسلطان بلا رجال.
**********
المتطيِّرُ ” المتشائم” مُتعبُ القلب، مُكمدُ الصدر، كاسف البال، سيئُ الخُلق
المتطير…. أشدُّ الناس خوفاً، وأنكدهم عيشاً، وأضيقهم صدراً، وأحزنهم قلباً.
**********
من لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة.
***********
السعادة الحقيقية هي سعادة نفسية روحية قلبية وهي سعادةُ العلم النافع وثمرتُه.
هذه السعادة لا يعرفُ قدرها ويبعثُ على طلبها إلا العلمُ بها.
إنما رغب أكثرُ الخلق عن اكتساب هذه السعادة لوعورة طريقها، ومرارة مباديها.
هذه السعادة…لا تنالُ إلا على جسر من التعب، فإنها لا تُحصَّلُ إلا بالجدَّ المحض.
لولا جهلُ الأكثرين بحلاوة هذه اللذة وعِظَم قدرها لتجالدوا عليها بالسيوف.
***********
أمراض القلوب أصعبُ من أمراض الأبدان.
غاية مرض البدن أن يُفضي بصاحبه إلى الموت، وأمَّا مرضُ القلب فيُفضي بصاحبه إلى الشقاء الأبدي.
**************
حاجة القلب إلى العلم ليست كالحاجة إلى التنفُّس في الهواء، بل أعظم.
العلم للقلب مثلث الماء للسَّمك إذا فقده مات.
العلم طعام القلب وشرابه ودواؤه وحياته موقوفة على ذلك.
إذا فقد القلب العلم فهو ميت، ولكن لا يشعر بموته.
*************
أحدها: أن العلم ميراثُ الأنبياء، والمال ميراثُ الملوك والأغنياء.
الثاني: أن العلم يحرسُ صاحبه، وصاحب المال يحرسُ ماله.
الثالث: أنَّ المال تُذهِبُه النفقات، والعلمُ يزكو على النفقة.
الرابع: أن صاحب المال إذا مات فارقه ماله، والعلمُ يدخلُ معه قبره.
الخامس: أن العلم يحكم على المال، والمال لا يحكم على العلم.
السادس: أن المال يحصل للمؤمن والكافر والبرِّ والفاجر والعلمُ النافع لا يحصل إلا للمؤمن.
السابع أن العالِمَ يحتاجُ إليه الملوكُ فمن دونهم وصاحب المالُ إنما يحتاج إليه أهلُ العُدم والفاقة.
الثامن: أن النفسَ تشرفُ وتزكو بجمع العلم وتحصيله والمالُ لا يزكيها ولا يكملها.
التاسع: أن المال يدعوها إلى الطغيان والفخر والخيلاء، والعلمُ يدعوها إلى التواضع.
العاشر: ما أطاع الله أحد قط إلا بالعلم، وعامة من يعصيه إنما يعصيه بالمال.
الحادي عشر أن العلم حاجب موصل لها إلى سعادتها التي خُلقت لها والمال حجاب عنها وبينها.
الثاني عشر: أن المال يستعبدُ مُحِبَّه فيجعلُه عبداً له، والعلم يستعبده لربه وخالقه.
الثالث عشر: أن الغني متقوم بماله فإذا عُدِمَ عُدمت قيمتُه والعالمُ لا تزولُ قيمته.
الرابع عشر: أن العالم يدعو الناس إلى الله بعلمه، وجامعُ المال يدعوهم إلى الدنيا.
الخامس عشر: غنى المال مقرون بالخوف والحزن، وغنى العلم مقرون بالأمن والفرح.
السابع عشر: أن الغنى بالمال هو عين فقر النفس، والغنى بالعلم هو غناها الحقيقي.
الثامن عشر: أن من أكرم لماله إذا زال ماله ذهب إكرامه، ومن أُكرِم لعلمه فإنه يزداد إكراماً.
التاسع عشر: أن غنى المال يبغضُ الموت ولقاء الله وأما العلم فإنه يحبِّبُ للعبد لقاء ربه.
العشرون: أن الأغنياء يموت ذكرهم بموتهم، والعلماءُ يموتون ويحيا ذكرُهم.
************
مراتب العلم:
أولها: حُسنُ السؤال.
الثانية: حُسنُ الإنصات والاستماع.
الثالثة: حُسنُ الفهم.
الرابعة: الحفظ.
الخامسة: التعليم.
السادسة: وهي ثمرته وهي العمل به ومراعاة حدوده.
*************
لا شيء أنفعُ للقلب من قراءة القرآن بالتدبر فإنه…يورثُ المحبةَ والشوقَ والخوفَ…
فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كلِّ ما سواها.
قراءة آيةٍ بتفكرٍ وتفهم خير من قراءة ختمةٍ بغير تدبرٍ وتفهمٍ.
***********
لا بد لكل نعمةٍ من حاسد، ولكل حقٍّ من جاحد ومعاند.
************
لا راحة للمؤمن دون لقاء ربه… والدنيا سجنُه حقاً.
تجدُ المؤمن بدنُه في الدنيا، وروحه في المحلِّ الأعلى.
**************
من عفا عفا الله عنه، ومن سامح أخاه في إساءته سامحه الله في إساءته، ومن تجاوز تجاوز الله عنه.
***************
طوبى لمن شغله عيبُه عن عيوب الناس…وهذا من علامة السعادة.
ويل لمن نسِي عيبه وتفرَّغ لعيوب الناس. هذا من علامة الشقاوة.
***************
النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، واليسر مع العسر.
*************
معنى الصبر: حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي والتسخط، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب .
***************
ذكر الله الصبر في القرآن في تسعين موضعاً.
سبحانه جعل الصبر عوناً وعدة وأمر بالاستعانة به…فمن لا صبر له لا عون له.
سبحانه علّق النصر بالصبر والتقوى.
سبحانه جعل الصبر والتقوى جُنة عظيمة من كيد العدو ومكره.
سبحانه أخبر أن ملائكته تُسلم عليهم في الجنة بصبرهم
سبحانه أباح لهم أن يعاقبوا بمثل ما عُوقبوا به ثم أقسم قسماً مؤكداً غاية التوكيد أن صبرهم خير
سبحانه رتب المغفرة والأجر الكبير على الصبر والعمل الصالح
سبحانه جعل الصبر على المصائب من عزم الأمور
سبحانه وعد المؤمنين بالنصر والظفر.
سبحانه علق محبته بالصبر، وجعلها لأهله.
أخبر عن خصال الخير أنه لا يلقاها إلا الصابرون.
سبحانه أخبر أنه إنما ينتفع بآياته ويتعظ بها الصبار الشكور
***************
قرن الله سبحانه الصبر بأركان الإسلام ومقامات الإيمان كلها:
الصبر قرنه بالصلاة، كقوله: ﴿وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِ ﴾ [البقرة:45]
الصبر قرنه بالأعمال الصالحة ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾ [هود:11]
الصبر جعله قرين التقوى كقوله: ﴿إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ ﴾ [يوسف:90]
الصبر جعله قرين الشكر كقوله ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُور﴾ [إبراهيم:5]
الصبر جعله قرين الحق كقوله: ﴿وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾ [العصر:3]
الصبر جعله قرين الرحمة كقوله: ﴿وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ﴾ [البلد:17]
الصبر جعله قرين اليقين كقوله ﴿لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ﴾[ السجدة:24]
الصبر جعله قرين الصدق كقوله ﴿وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰبِرَٰتِ﴾
الصبر جعله سبب محبته ومعيته وعونه ونصره وحسن جزائه، ويكفيه بعض ذلك شرفاً وفضلاً.
**************
فوائد الصدقة:
تقي مصارع السوء.
تدفع البلاء حتى أنها لتدفع عن الظالم.
تطفئ الخطيئة.
تحفظ المال.
تجلب الرزق.
تفرح القلب.
توجب الثقة بالله، وحسن الظن به.
ترغم الشيطان.
تزكى النفس وتنميها.
وتُحببُ العبد إلى الله وإلى خلقه، وتستُر عليه كل عيب.
تزيد في العمر.
تستجلب أدعية الناس ومحبتهم.
تدفع عن صاحبها عذاب القبر.
تكون عليه ظلاً يوم القيامة.
تشفع له عند الله.
تهون عليه شدائد الدنيا والآخرة.
تدعوه إلى سائر أعمال البر فلا تستعصي عليه.
**************
إنما أُكِلْتُ يوم أُكِل الثور الأبيض
يُروى أنَّ أمير المؤمنين عليًّا رضي الله عنه قال: «إنما مثلي ومثلُ عثمان رضي الله عنه كمثلِ أثوارٍ ثلاثةٍ كُنَّ في أَجَمَةٍ: أبيضَ وأسودَ وأحمرَ، ومعهنَّ فيها أسدٌ، فكان لا يقدر منهنَّ على شيءٍ لاجتماعهنَّ عليه، فقال للثور الأسود والثور الأحمر: «لا يُدِلُّ علينا في أَجَمَتِنا إلَّا الثورُ الأبيضُ فإنَّ لونَه مشهورٌ ولوني على لونكما، فلو ترَكْتُماني آكُلُه صَفَتْ لنا الأَجَمَةُ»، فقالا: «دونك فكُلْه، فأكله»، ثمَّ قال للأحمر: لوني على لونك، فَدَعْني آكُلِ الأسودَ لتصفُوَ لنا الأَجَمَةُ»، فقال: «دونك فكُلْهُ»، فأكله، ثمَّ قال للأحمر: «إنِّي آكِلُك لا محالةَ»، فقال: «دَعْني أُنادي ثلاثًا»، فقال: «افعلْ»، فنادى: «ألا إنِّي أُكِلْتُ يوم أُكِل الثورُ الأبيضُ»، ثمَّ قال عليٌّ رضي الله عنه: «ألا إنِّي هُنْتُ ـ ويُروى: وَهَنْتُ ـ يومَ قُتل عثمانُ»، يرفع بها صوتَه.
وهذا المثلُ يُضرب للرجلِ يُرْزَأ بأخيه.
مجمع الأمثال للميداني (١/ ٤٠)
**************
قال سفيان الثوريُّ: «ما بقي لي مِن نعيمِ الدنيا إلَّا ثلاثٌ: أخٌ ثقةٌ في اللهِ أكتسب في صحبتِه خيرًا، إن رآني زائغًا قوَّمني، أو مستقيمًا رغَّبني، ورزقٌ واسعٌ حلالٌ ليست لله عليَّ فيه تَبِعةٌ ولا لمخلوقٍ عليَّ فيه منَّةٌ، وصلاةٌ في جماعةٍ أُكْفى سهوَها وأُرْزَق أجْرَها».