من كلّ بستان زهرة -112

من كلّ بستان زهرة -112

#ماجد_دودين

*************

عندما يشعر الإنسان الحكيم والعاقل والحصيف ويدرك انه أثناء رحلة الحياة يتقدم إلى الوراء …يتعيّن عليه أن يتوقف وينظر ويفكر ويقرر أن يرجع إلى الأمام حتى لا يواصل الصعود إلى الهاوية.

‏) وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) سورة العصر.

*************

قال صلى الله عليه وسلّم:(إذا صلَّتِ المرأةُ خَمْسَها، وصامَت شهرَها، وحصَّنَتْ فرجَها، وأطاعَت زوجَها، قيلَ لها: ادخُلي الجنَّةَ مِن أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شِئتِ) الراوي: أبو هريرة – المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الجامع – خلاصة حكم المحدث: صحيح.

للمرأةِ الصَّالحةِ -الَّتي تُؤَدِّي فُروضَها وتُطيعُ زوجَها- مَكانةٌ كبيرةٌ عندَ ربِّها، فيَرْضَى عنها، ويُخيِّرُها يومَ القِيامَةِ للدُّخولِ من أَيِّ أبْوابِ الجنَّةِ شاءَتْ.

وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “إذا صَلَّتِ المَرْأةُ خَمسَها” يعني: إذا أدَّتِ الصَّلواتِ الخَمْسَ المكتوباتِ كما يَنبغي وحافَظتْ على أوقاتِها، “وصامَتْ شَهْرَها”، أي: شهْرَ رَمَضانَ وأتمَّت ما فاتَها منه لعُذرٍ، “وحَصَّنَتْ فَرْجَها” بأنْ حَفِظتْه عن الحَرامِ، كالزِّنا والسِّحاقِ وغيْرِهِ، والفَرْجُ يُطلَقُ على القُبُلِ والدُّبُرِ، وأكْثَرُ اسْتِعْمالِهِ عُرْفًا في القُبُلِ، “وأطاعَتْ زَوْجَها”، أي: في كُلِّ ما يَتعلَّقُ بحُقوقِهِ المَشْروعَةِ، وفي غيْرِ مَعْصيَةٍ، “قِيلَ لها: اُدْخُلي الجنَّةَ من أَيِّ أبْوابِ الجنَّةِ شِئْتِ” يعني: يُنادَى عليها من أبوابِ الجنَّةِ الثَّمانِيَةِ، تَكريًما وتَشريفًا؛ لأنَّ هذه الخِلالَ هي أُمَّهاتُ أفْعالِ الخيرِ، وأسْبابُ دُخولِ الجنَّةِ، فإذا وَفَّتْ بها المرأةُ وُقِيَتْ شَرَّ ما عَداها.

*************

وقف قوم على عالم فقالوا إنا سائلوك أفمجيبنا أنت؟ قال: سلوا ولا تكثروا فإن النهار لن يرجع والعمر لن يعود، والطالب حثيث في طلبه، قالوا: فأوصنا قال: تزودوا على قدر سفركم فإن خير الزاد ما أبلغ البغية، ثم قال: الأيام صحائف الأعمال فخلدوها أحسن الأعمال، فإن الفرص تمر مر السحاب، والتواني من أخلاق الكسالى والخوالف، ومن استوطن مركب العجز عثر به، وتزوج التواني بالكسل فولد بينهما الخسران.

*************

المعاصي ما حلت في ديار إلا أهلكتها، ولا في قلوب إلا أعمتها، ولا في أجساد إلا عذبتها، ولا في أمة إلا أذلتها، ولا في نفوس إلا أفسدتها، ولو لم يكن من المعاصي إلا أنها سبب لهوان العبد على الله وسقوطه من عينه لكفى، وإذا هان العبد على الله تعالى لم يكرمه أحد، كما قال عز وجل: {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: ١٨]. ومن عقوبات الذنوب أيضًا أنها تزيل النعم، وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب، كما قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، وقد قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: ٥٣]. فأخبر تعالى أنه لا يغير نعمة أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه، فيغير طاعة الله بمعصيته وشكره بكفره وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غَيّر غُيّر عليه جزاء وفاقًا، وما ربك بظلام للعبيد، فإن غير المعصية بالطاعة غير الله عليه العقوبة بالعافية والذل بالعز، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد: ١١]. وفي بعض الآثار الالهية عن الرب -تبارك وتعالى- أنه قال: «وعزتي وجلالي لا يكون عبد من عبيدي على ما أحب ثم ينتقل عنه إلى ما أكره إلا انتقلت له مما يحب إلى ما يكره، ولا يكون عبد من عبيدي على ما أكره ثم ينتقل عنه على ما أحب إلا انتقلت له مما يكره إلى ما يحب”.

*************

كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إِذَا أَصْبَحَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَعْظَمِ عِبَادِكَ نَصِيبًا فِي كُلِّ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، مِنْ نُورٍ تَهْدِي بِهِ، وَرَحْمَةٍ تَنْشُرُهَا، وَرِزْقٍ تَبْسُطُهُ، وَشَرٍّ تَدْفَعُهُ وَضُرٍّ تَكْشِفُهُ، وَبَلَاءٍ تَصْرِفُهُ، وَفِتْنَةٍ تَدْفَعُهَا». وَإِذَا أَمْسَى قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ

  ))اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لاَ قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلاَ بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلاَ هَادِيَ لِمَنْ أَضْلَلْتَ، وَلاَ مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلاَ مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، وَرَحْمَتِكَ، وَفَضْلِكَ، وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لاَ يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ إِنِّي عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنَا، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزِيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ مَفْتُونِينَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللَّهُمَّ قَاتِلِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، إِلَهَ الْحَقِّ [آمِينْ((

)) اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ((

  )) اللَّهُمَّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنْ يَوْمِ السُّوءِ، وَمِنْ لَيْلَةِ السُّوءِ، وَمِنْ سَاعَةِ السُّوءِ، وَمِنْ صَاحِبِ السُّوءِ، وَمِنْ جَارِ السُّوءِ في دَارِ الْمُقامَةِ ((

اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، وبالسعادة آجالنا، وبلغنا مما يرضـيك آمالنا.

****************

إنّ الذي خلق الأكوان هو من أنزل القرآن

﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ – [سورة البروج الآية: 1]

أحد أبراج السماء: برج العقرب، الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً، أحد هذه الأبراج برج العقرب، في هذا البرج نجم صغير أحمر اللون متألق، اسمه قلب العقرب، هذا النجم الصغير المتألق الأحمر يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، كيف تعصي هذا الإله العظيم؟! الذي يعلم مثاقيل الجبال ومكاييل البحار وعدد ورق الأشجار وعدد قطر الأمطار … ألا ترجى جنّته؟ ألا تخشى ناره؟

أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنـا فإنا منحنا بالرضا من أحبنــــا

ولذ بحمانا واحتمِ بجنــابنـا لنحميك مما فيه أشرار خلقنـــا

وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـل وأخلص لنا تلقى المسرة والهنــا

وسلم إلينا الأمر في كل ما يكن فما القرب والإبعاد إلا بأمرنـــا

فيا خجلي منه إذا هـو قال لي أيا عبدنــا ما قرأت كتابنــــا

أما تستحي منا ويكفيك ما جرى أما تختشي من عتبنا يوم جمعنـا

أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً وتنظر ما به جـاء وعدنــــا

فأحبابنا اختاروا المحبة مذهبـاً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا

فـلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنــا

ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنــا

ولو ذقت مـن طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنــا

ولو نسمت من قربنا لك نسمـة لمــــت غريباً واشتياقاً لقربنا

فما حبنا سهل وكل من ادعـى سهولته قلنا له قــــد جهلتنا

***************

الآية التاسعة والعاشرة بعد المائة من سورة الكهف، وهي قوله تعالى:

﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) ﴾

كلنا يعلم أن دواة الحبر تكفي الإنسان عاماً بأكمله، وقد تكفيه عامين أو ثلاثة، أما لو أن الإنسان اشترى لتر حبر هذا اللتر يكفيه طوال العمر كتابة، فكيف إذا كان البحر كله مدادا لكلمات الله، كي نعلم ما معنى البحر ؛ القارات الخمس: أسيا، وإفريقيا، وأروبا، وأوقيانوسيا، وأمريكا، تشكل خمس اليابسة، وأربعة أخماسها بحراً، وأعمق نقطة بالبحر 12 كيلو متر، في خليج مريانا بالمحيط الهادي، فإذا كان أربع أخماس الأرض، القارات الخمس وما فيها من دول، وإفريقيا، وأوقيانوسيا، وأمريكا، وأروبا، كلها خمس البحر، و أربعة أخماس الأرض بحر، وفي أعماق متفاوتة، وعميقة، البحر كله مداد لكلمات الله.

﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾

يوجد آية أخرى تشبهها.

﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)﴾ سورة لقمان

غابات الأرض كلها أقلام، هناك غابات بالأمازون كلها عذراء لم يستطيع إنسان أن يدخلها.

﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾

هذا هو كتابنا هذا هو كتاب الله، تقرأ الآية ألف مرة، وفي كل مرة يتضح لك من معانيها ما كان خافياً عليك، وصف النبي كلام الله عز وجل أن لا يبلا على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وكلما زدته فكراً، زادك معناً وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، فهذا القرآن الكريم الذي هو منهج الله، الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه، ولا من خلفه

********************

أرحم الراحمين

أصبحت ضيف الله في دار الرضا – وعلى الكريم كرامة الضيفان

تعفو الملوك حين النزول بساحتهم – فكيف النزول بساحة الرحمن

يا من إذا وقف المسيء ببابه – ستر القبيح وجــــــــــــــــازى بالإحسان

وأنا المسيء وقد عصيتك سيدي – تعفو وتصفح للعبيد الجانــــــــي

لم تنتقصني إن أسأت وزدتني – حتى كـــــــــــــــــــأن إساءتي إحسانـي

يا أيها الأحباب إني راحل – مهما يطول عمري فإني فــــــــــــــــــــــــــــان

نوح الحمام على الغصون شجاني – ورأى العزول صبابتي فبكاني

إن الحمام ينوح من ألم النوى – وأنا أنوح مخافة الديـــــــــــــــــــــــــان

أنا لا أضام وفى رحابك عصمتي – أنا لا أخاف وفى حماك أماني

أنا إن بكيت فلن ألام على البكا – فلطالما استغرقت في العصيان

يا واحدا في ملكه ماله من ثان – يا من إذا قلت: يا مــــــــــولاي؛ لباني

أعصاك تسترني، أنساك تذكرني – كيف أنساك يا من لست تنساني؟

**************

الناس في طلب العلم على ثلاثة أحوال:

1 -رجل طلب العلم ليتخذه زاده إلى المعاد، ولم يقصد به إلا وجه الله تعالى والدار الآخرة؛ فهذا من الفائزين.

2 -ورجل طلبه ليستعين به على حياته العاجلة، وينال به العز والجاه والمال وهو عالم بذلك مستشعر في قلبه ركاكة حاله وخسّة مقصده؛ فهذا من المخاطرين، فإن عاجله أجله قبل التوبة خيف عليه من سوء الخاتمة وبقي أمره في خطر المشيئة، وإن وفق للتوبة قبل حلول الأجل وأضاف إلى العلم العمل، وتدارك ما فرط منه من الخلل؛ التحق بالفائزين بإذن الله.

3 – ورجل ثالث استحوذ عليه الشيطان، فاتخذ علمه ذريعة إلى التكاثر بالمال والتفاخر بالجاه والتعزز بكثرة الأتباع، يدخل بعلمه كل مدخل رجاء أن يقضي من الدنيا وطره، وهو مع ذلك يضمر في نفسه أنه عند الله بمكانة لاتسامه بسمة العلماء وترسمه برسومهم في الزي والمنطق مع تكالبه على الدنيا ظاهراً وباطناً؛ فهذا من الهالكين ومن الحمقى المغرورين؛ إذ الرجاء منقطع عن توبته لظنه أنه من المحسنين، وهو غافل عن قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) } (سورة الصف).

فكن من الفريق الأول واحذر أن تكون من الفريق الثاني، فكم من مسوّف عاجله الأجل قبل التوبة فخسر،

وإياك ثم إياك أن تكون من الفريق الثالث فتهلك هلاكاً لا يُرجى معه فلاحك.

منقول بتصرّف من كتاب (بلوغ الغاية من تهذيب بداية الهداية)

***************

إِنَّ الكَمَالَ الذِيْ سَادَ الرِّجَالُ بِهِ … هُوَ الوَقَارُ وَقَرْنُ العِلْمِ بِالعَمَلِ

فَقُلْ لِمَنْ يَزْدَهِيْ عُجْبًا بِمَنطِقِهِ … وَقَلْبُهُ فِي قُيُوْدِ الحِرْصِ وَالأَمَلِ

مَهْلاً فَمَا اللهُ سَاهٍ عَنْ تَلاعُبِكُم … لَكِنَّ مَوْعِدُكُمْ فِي مُنْتَهَى الأَجَلِ

وَقُلْ لِمَنْ فَخْرُه فِي فَتْلِ شَارِبِهِ … أَضَعْتَ عُمْرَكَ بَيْنَ الكِبْرِ وَالكَسَلِ

حَتَّامَ تُبْرِمُ يَا وَافِيْ القَفَا شَنَبًا … مَا فِي طَوَايَاهُ إِلا خَيْبَةُ الأَمَلِ

أَصْبَحْتَ بُعْبُعَ مَنْ فِي البَيْتِ تُزْعِجُهُمْ … هَلا أَخَفْتَ العِدَا يَا مُعْرَضَ الخَجَلِ

***************

أعد الله سبحانه وتعالى الجنة للمتقين (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)

فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلوب العالمين، فيها أنهار من ماء غير آسنٍ وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى، ولهم فيها من كل الثمرات والفواكه المتنوعة لذيذة الطعم سهلة المنار على المتناولين، وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون، ظلها ممدود وخيرها غزير غير محدود، وأنهارها تجري في غير أخدود، فتبارك الرب المعبود، دار جل من سواها وبناها، دار طابت للأبرار منازلها المزخرفة وسكناها دار تبلغ النفوس فيها منيتها ومناها، رياضها الناضرة مجمع الأصفياء المتحابين، وبساتينها الزاهرة نزهة المشتاقين، وخيام اللؤلؤ والدر على شواطئ أنهارها بهجة للناظرين، فيها خيرات الأخلاق حسان الوجوه قد جمع الله لهن الجمال الباطن والظاهر من جميع الوجوه، أبكارًا عربًا أترابًا كأنهن اللؤلؤ المكنون، قاصرات الطرف من حسنهن الذي قصر عن وصفه الواصفون، مقصورات في خيام اللؤلؤ والزبر جد عن رؤية العيون، يتمتع أهلها في كرم الرب الرحيم، وينظرون بأبصارهم إلى وجهه الكريم. فإذا رأوا ربهم تعالى نسوا ما هم فيه من النعيم، ينادي المنادي في أرجاء الجنة مبشرًا لأهلها بدوام النعيم سرمدًا، إن لكم إن لكم إن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، إن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبدًا، وإن لكم أن يحل الكريم عليكم رضوانه فلا يسخط عليكم أبدًا يتزاور فيها الأصحاب والأقارب والأحباب ويجتمعون في ظلها الظليل، ويتعاطون فيها كؤوس الرحيق والتسنيم والسلسبيل، ويتنادمون بأطيب الأحاديث متحدثين بنعم المولى الجليل، قد نزع من قلوبهم الغل والهم والأحزان، وتوالت عليهم المسرات والخيرات والكرم والإحسان، لمثل هذه الدار فيعمل العاملون، وفي أعمالها الموصلة إليها فليتنافس المتنافسون، فوا عجبًا كيف نام طالبها، وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها وكيف طاب القرار في هذه الدار بعد سماع أخبارها، وكيف قر للمشتاقين القرار دون معانقة أبكارها طريقها يسر على من يسره الله عليه، وهو امتثال الأوامر واجتناب النواهي والتوبة والإنابة إليه.

*****************

اتقوا النار التي أعدت للكافرين، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين، فإن الله أخبر أنه لا يُصلى النار إلا الأشقى، الذي كذب وتولى وجمع فأوعى، ونسى المبتدأ والمنتهى، فهي دار من طغى وبغى، وتجبر على الخلق وآثر الحياة الدنيا، دار الشقاء الأبدي والعذاب الشديد السرمدي، دار جمع الله فيها للطاغين أصناف العذاب، وأحل على أهلها السخط والسعير والحجاب، دار اشتد غيظها وزفيرها، وتفاقمت فظاعتها وحمي سعيرها، قعرها بعيد، وعذابها شديد، ولباس أهلها القطران والحديد، وطعامهم الغسلين وشرابهم الصديد، يتجرعه المجرم ولا يكاد يسيغه، ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت فيستريح من التنكيد، يتردد أهلها بين الزمهرير المفرط برده وبين السعير، ويلاقون فيها العنا والشقا فيا بئس المثوى ويا بئس المصير، ويُلقى عليهم الجوع الشديد المفظع، والعطش العظيم الموجع، فيستغيثون للطعام والشراب، فيغاثون من هذا العذاب بأفظع عذاب، يغاثون بماء كالمهل وهو الرصاص المذاب، خبيث الطعم منتن الريح حره قد تناهى، إذا قرب من وجوههم اسقط جلدها ولحمها وشواها وإذا وقع في بطونهم صهرها وقطع معاها، يغلي طعام الزقوم في بطونهم كغلي الحميم، فشاربون عليه من الحميم. فشاربون شرب الإبل العطاش الهيم. هذا نزلهم فبئس النزل غير الكريم. ينادون مالكًا خازن النار: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: ٧٧]. فيقول: {إِنَّكُم مَّاكِثُونَ لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف: ٧٨]. وينادون مستغيثين بربهم: ” … رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ، قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ) فحينئذ ييأسون من كل خير ويأخذون في الزفير والشهيق، وكلما رفعهم اللهب وأرادوا أن يخرجوا منها: أعيدوا فيها وقيل لهم: ذوقوا عذاب الحريق، لا يفتر عنهم من عذابها وهم فيه مبلسون ويبكون دماً بعد الدموع فلا يُرحمون، جزاء بما كانوا يكسبون. قد فاتهم مرادهم ومطلوبهم، واعترفوا بذنوبهم وأحاطت بهم ذنوبهم يدعون بالويل والثبور يا ثبوراه يا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله، وا حزننا من فظيعة العذاب والشقا، وا كربنا من دار العقاب وتجدد العنا، وا فجيعتنا من الخلود في الجحيم، ويا عظم البلاء، فما لنا من شافعين، ولا أولياء وأخلاء دافعين قد نسينا الرحمن في العذاب كما نسيناه، وكما جحدنا آياته وجزاءه ولقاء، فوالله إن أفئدتنا لتفتت من قوة العقاب، وإن قلوبنا لتتقطع من الكروب وعظم المصاب، سواء علينا أجزعنا أم صبرنا فالعذاب دائم وسواء دعونا أو سكتنا فليس لنا مشفق ولا ولي ولا راحم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى