من كلّ بستان زهرة – 106-

من كلّ بستان زهرة – 106-

#ماجد_دودين

**************

لقد كانت القلوب موضع العناية التامة عند السلف الصالح لأنهم يعلمون أنها كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إذا صلحت صلح الجسد كله» وذلك لأنها مبدأ الحركات البدنية، والإرادات النفسانية، فإن صدرت من القلوب إرادة صالحة تحرك البدن حركة طاعة، وإن صدرت عنها إرادة فاسدة تحرك البدن حركة فاسدة، فهو كملك والأعضاء كالرعية، ولا شك أن الرعية تصلح بصلاح الملك وتفسد بفساده، وكان واجبًا علينا أن نكون كما كان سلفنا في العناية بهاتيك القلوب لأن بها سعادتنا بإذن الله وبها شقاؤنا، ولكن يا للأسف ما كان من ذلك شيء والذي كان منا أننا أهملنا قلوبنا إهمالاً تتجرح له القلوب، وتذوب له الأكباد ولذلك نشأ فينا نتيجة الإهمال كثرة الأمراض في القلوب وتشعبت وأعضلت وصعب شفاؤها، وانعدم أطباؤها ومن وصل إلى هذا الحد فهو في خطر عظيم.

مقالات ذات صلة

فمن الأمراض التي أزمنت في قلوبنا مرض الرياء الذي لا يكاد يسلم منه إلا النوادر، ومن الأمراض التي أصبنا بها مرض العجب، ولهذا يعتقد الصغير منا والكبير الكمال في نفسه ومن اعتقد ذلك في نفسه هوى لأنه لا يلتفت إلى ما به كمال الرجال، ومرض ينتج مرضًا آخر هو مرض الكبر وصف الأنذال والأرذال والجهال، والمتكبر لا ينظر إليه بعين الرضا، والكبر ينشأ عنه مرض الحسد والحسود يتمنى زوال نعمة الله عن خلقه، والحسد يولد الحقد الذي ربما حمل صاحبه على قتل من لا ذنب له إلا ما أولاه الله من النعم، وليس هذا كل ما في قلوبنا من الأمراض بل فيها مرض البخل والشح الذي وصل بنا إلى منع الزكاة أو بعضها، وغير ذلك كثير وكلها أمراض مهلكات، ونحن لا نهتم بقلوبنا ولا بأمراضها وإنما نهتم بأمراض أجسامنا، ونبادر في علاجها إلى المستشفيات، وأمراضها يسيرة بسيطة بالنسبة إلى أمراض القلوب، ونهتم أيضًا بجمال ظواهرنا فنبالغ في تحسين ملابسنا ومراكبنا ومساكننا ومجالسنا وأبداننا، انظر إلينا عند الذهاب إلى مقر العمل لتتعجب من تغفيلنا وانخداعنا، ولو كانت عنايتنا بالقلوب كعنايتنا بالملابس فقط ما كنا بهذه الحالات المحزنات.

اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيننا وبين الصدق والنية الصالحة والإخلاص والخشوع والمراقبة واليقين والعلم والمعرفة والفصاحة والبيان والفهم في القرآن وخصنا منك بالمحبة والاصطفائية ووفقنا للعمل الصالح الرشيد والرزق الهنيء الذي لا حجاب به في الدنيا ولا حساب ولا سؤال ولا عقاب عليه في الدنيا والآخرة واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

**************

عباد الله بما أن الله جل وعلَا منّ عليكم بالإسلام فيجب عليكم أن تحبوه، فإنه الذي بيده خير الدنيا والآخرة، وأن تحبوا رسوله – صلى الله عليه وسلم – الذي لولا الله ثم لولاه لكنتم من حطب جهنم تلتهب بكم أبد الآبدين، وأن تحبوا أحباب الله، وأحبابه هم الذين لزموا طاعة مولاهم وتباعدوا عن معصيته كما يتباعد الإنسان عما يقتله من سم ونحوه بل السم أهون وأخف من كثير من المعاصي كيف لا والمعاصي لا تسلم فاعلها إلا إلى العذاب الأليم إن لم يتجاوز عنه مولاه، مضى في صدر هذه الأمة أناس قال الله فيهم: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤] . وهم الذين كانوا بأرواحهم في سبيل الله يجودون، وكانوا يرون السعادة كل السعادة في ذلك الجود وإذا لم يستطيعوا كانوا لذلك يحزنون وكان هؤلاء الناس يحبون رسولهم فوق محبتهم لأموالهم وأنفسهم وكان حب أحدهم لأخيه أعظم من حبه لآثاثه وماله يحب له ما يحب لنفسه ولذلك كانوا في كل المنافع لا يعرفون إلا خلق الإيثار، كما حكى الله عنهم بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩)

**************

لا تَبْكِ للدُّنْيَا ولا أَهْلِهَا … وابْكِ لِيَوْمٍ تَسْكُنِ الحَافرة

وابْكِ إذا صِيْحَ بِأهلِ الثَّرى … فاجْتَمَعُوا في سَاعَةِ السَّاهِرة

وَيْلَكِ يَا دُنْيَا لَقَدْ قَصَّرَتْ … آمَالُ مَن يَسْكُنُكِ الآخرة

***************

واذْكُرْ مُنَاقَشِةَ الحِسَابِ فَإِنَّهُ … لا بُدَّ يُحْصَى مَا جَنَيْتَ وَيُكْتَبُ

لَمْ يُنْسَهُ المَلَكَانِ حِيْنَ نَسِيْتَهُ … بَلْ أَثْبَتَاهُ وَأَنْتَ لاهٍ تَلْعَبُ

***************

 قال بعض السلف: إني أدخل في الصلاة فأحمل هم خروجي منها ويضيق صدري إذا فرغت لأني خارج منها ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «وجعلت قرت عيني في الصلاة ومن كانت قرة عينه في شيء فإنه لا يود أن يفارقه ولا يخرج منه فإن قرة عين العبد نعيمه وطيب حياته به”.

وقال بعض السلف إني لأفرح بالليل حين يقبل لما تتلذذ به عيشتي وتقر به عيني من مناجاة من أحب وخلوتي بخدمته والتذلل بين يديه وأغتم للفجر إذا طلع لما أشتغل به بالنهار عن ذلك فلا شيء ألذ للمحب من خدمة محبوبه وطاعته

أين هؤلاء ممن لذتهم وأنسهم عند المنكرات.!!!

**************

عَلَى الصَّلَواتِ الخَمْسِ حَافظْ فَإِنَّهَا … لآكَدُ مَفْرُوضِ عَلَى كُلِّ مُهْتَدِ

فَلا رُخْصَةِ في تَرْكِهَا لِمُكَلَّفِ … وَأَوْلَ مَا عَنْه يُحَاسَبُ في غدِ

بِإِهْمَالِها يَسْتَوجِبُ المَرَءُ قَرْنَهُ … بِفرعونَ مَعْ هَامانَ في شَرِّ مَوْرِدِ

وَمَا زَالَ يُوصِي بِالصَّلاة نَبِيُّنَا … لَدَى الموتِ حَتَّى كَلَّ عن نُطْقِ مِذْوَدِ

**************

دخل عمر بن عبد العزيز رحمه الله على سابق البربري وهو يتمثل بالأبيات المشهورة من قصيدة الأعشى.

أَجِدَّكَ لَم تَسمَع وَصاةَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الإِلَهِ حينَ أَوصى وَأَشهَدا

إِذا أَنتَ لَم تَرحَل بِزادٍ مِنَ التُقى وَلاقَيتَ بَعدَ المَوتِ مَن قَد تَزَوَّدا

نَدِمتَ عَلى أَن لا تَكونَ كَمِثلِهِ وَأَنَّكَ لَم تُرصِد لِما كانَ أَرصَدا

فغشي على عمر رحمه الله فلما أفاق قال زدنا فقال القصيدة التي تلي:

بِاسْمِ الذِي أَنْزِلَتْ مِنْ عِنْدِهِ السُّوَرُ … الحَمْدُ للهِ أَمَّا بَعْدُ يَا عُمَرُ

إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ مَا تُبْقِى وَمَا تَذَرُ … فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ قَدْ يَنْفَعُ الحَذَرُ

واصْبِرْ عَلَى القَدَرِ المَقْدُورِ وارْضَ به … وَإِنٍ أَتَاكَ بِمَا لا تَشْتَهِي القَدَرُ

فَمَا صَفَى لامْرِئٍ عَيْشٌ يُسَرُّ بِهِ … إِلا وَأَعْقِبَ يَوْمًا صَفْوُهُ كَدَرُ

قَدْ يَرعَوِي المَرْءُ يَوْمًا بَعْدَ هَفْوَتِهِ … وَتُحْكمُ الجَاهِلَ الأَيَّامُ والعِبَرُ

إِن التُّقَى خَيْرُ زَادٍ أَنْتَ حَامِلُهُ … وَالبِرُّ أَفْضَلَ مَا تَأَتِي وَمَا تَذَرُ

مَن يَطْلُبِ الجَوْرَ لا يَظْفُرْ بِحَاجَتِه … وَطَالِبُ العَدْلِ قَدْ يُهْدَى لَهُ الظَّفَرُ

وَفي الهُدَى عِبَرٌ تُشْفَى القُلُوبُ بِهَا … كَالغَيْثِ يَحْيَى بِهِ مَنْ مَوتِهِ الشَّجَرُ

وَلَيْسَ ذُو العِلْمِ بالتَّقْوَى كَجَاهِلِهَا … وَلا البَصِيرُ كَأَعْمَى مَالَهُ بَصَرُ

وَالذِّكْرُ فِيْهِ حَيَاةٌ لِلْقُلُوبِ كَمَا … تَحْيَا البِلادُ إِذَا مَا جَاءَهَا المَطَرُ

والعِلْمُ يَجْلُو العَمَى عَن قَلْبِ صَاحِبه … كَمَا يُجَلِّي سَوادَ الظُّلمَةِ القَمَرُ

لا يَنْفَعُ الذِّكْرُ قَلْبًا قَاسِيًا أَبدًا … وَهَلْ يَلِيْنُ لِقَوْلِ الوَاعِظِ الحَجَرُ

ما يَلْبَثُ المَرْءُ أَنْ يَبْلَى إِذَا اخْتَلَفت … يَوْمًا عَلَى نَفْسِهِ الرَّوْحَاتُ وَالبِكَرُ

وَالَمْرءُ يَصْعَدُ رَيْعَانُ الشَّبَابِ بِهِ … وَكُلُّ مُصْعِدَةٍ يَوْمًا سَتَنْحَدِرُ

وَكُلُّ بَيِتٍ سيبلى بَعْدَ جِدَّتِهِ … وَمِن وَرَاءِ الشَّبَابِ المَوْتُ والكِبَرُ

والمَوْتُ جسْرٌ لِمَنْ يَمْشِيْ عَلَى قَدَمِ … إِلى الأُمُورِ التِي تُخْشَى وَتنْتَظَرُ

فَهُمْ يَمُرُّونَ أَفْوَاجًا وَتَجْمَعُهَم … دَارٌ يَصِيْرُ إِلَيْهَا البَدْو والحَضَرُ

كَمْ جَمْعُ قَوْمٍ أَشَتَّ الدَّهُر شَمْلَهُم … وَكُلُّ شَمْلٍ جَمِيْعٍ سَوْفَ يَنْتَثِرُ

وَرُبَّ أَصْيَدَ سَامَ الطَّرْفِ مُقْتَضِبًا … بَالتَّاج نِيْرانُه لِلْحَرْبِ تُسْتَعرُ

يَظَلُّ مُفْتَرِشَ الدِّيْبَاجِ مُحْتَجِبًا … عَلَيْهِ تُبْنِى قِبَابُ المُلْكِ وَالحُجَرُ

إِلى الفَنَاءِ وَإِن طَالَتْ سَلامَتُهُم … مَصِيْرُ كُلِّ بَنِي أنثَى وَإِنْ كَبُرُوا

إِذَا قَضَتْ زُمْرٌ آجالَها نَزَلَتْ … عَلَى مَنَازِلِهِم مِنْ بَعْدِهَا زُمَرُ

أَصْبَحْتُمْ جُزُرًا لِلْمَوْتِ يَأْخُذُكُمْ … كَمَا البَهَائِمُ فِي الدُّنْيَا لَكُمْ جُزُرُ

أَبَعْدَ آدَمَ تَرْجُونَ الخُلُودَ وَهَل … تَبْقَى الفُرُوعُ إِذَا مَا الأَصْلُ يَنْعَقِرُ

وَلَيْسَ يَزْجُرُكُمْ مَا تُوعَظُونَ بِهِ … وَالبَهْمُ يَزْجُرُهَا الرَّاعِي فَتَنْزَجِرُ

لا تَبطُرُوا واهْجُروا الدُّنْيا فإِنَّ لهَا … غِبًا وَخِيْمًا وَكُفْرُ النِّعْمَةِ البَطَرُ

ثُمَّ اقْتَدُوا بالأُوْلَى كَانُوا لَكُمْ غُرَرًا … وَلَيْسَ مِن أُمَّةٍ إِلا لَهَا غُرَرُ

مَتَى تَكُونُوا عَلَى مِنْهَاجِ أَوَّلِكُمْ … وَتَصْبِرُوا عَن هَوَى الدُّنْيَا كَمَا صَبَرُوا

مَالِي أَرَى النَّاسَ والدُّنْيَا مُوَليَّةٌ … وَكُلُّ حَبْلِ عَلَيْهَا سَوْفَ يَنْبَتِرُ

لا يَشْعُرُونَ إِذَا مَا دِيْنَهُم نُقِصُوا … يَوْمًا وَإِنْ نُقِصَتْ دُنْيَاهُم شَعِرُوا

حَتَّى مَتَى أَكُ في الدُّنْيا أَخَا كَلَفٍ … في الخَدِّ مِنِّي إِلى لَذَّاتِهَا صَعرُ

وَلا أَرَى أَثَرًا لِلذكْرِ في جَسَدِي … وَالحَبْلُ في الحَجَرِ القَاسِي لَهُ أَثَرُ

لَوْ كَانَ يَسْهِر لَيِلي ذِكْرُ آخِرتِي … كَمَا يُؤرِّقَنِي لِلْعَاجِلْ السَّفَرُ

إِذَا لِدَاوَيْتُ قَلْبًا قَدْ أَضَرَّ بِهِ … طُولُ السِّقامِ وَكَسْرُ العَظْمِ يَنْجَبِرُ

ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى المَعْصُومِ سَيِّدِنَا … مَا هَبَّت الرِّيْحُ واهْتَزَّتْ بِهَا الشَّجَرُ

*************

إِذَا أَتَى اللهُ يَومَ الحَشرِ في ظُلَلٍ … وَجِيءَ بِالأُمَمِ المَاضِينَ والرُّسُلِ

وَحَاسَبَ الخَلْقَ مَنْ أَحْصَى بِقُدرَتِه … أَنْفَاسَهُم وتَوفَّاهُم إِلى أَجَلِ

وَلَمْ أَجِدْ في كِتَابِي غَيْرَ سَيِّئَةٍ … تَسُوءني وَعَسَى الإِسْلامُ يَسْلَمُ لِي

رَجَوتُ رَحْمَةَ رَبِّي وهي وَاسِعُةٌ … وَرَحْمَةُ اللهِ أَرْجَى لِي مِنَ العَمَلِ

**************

عباد الله لا شيء أغلى عليكم من أعماركم وأنتم تضيعونها فيما لا فائدة فيه. ولا عدو أعدى لكم من إبليس وأنتم تطيعونه، ولا أضر عليكم من موافقة النفس الأمارة بالسوء وأنتم تصادقونها، لقد مضى من أعماركم الأطايب، فما بقي بعد شيب الذوائب.

يا حاضر الجسم والقلب غائب، اجتماع العيب مع الشيب من أعظم المصائب، يمضي زمن الصبا في لعب وسهو وغفلة، يا لها من مصائب، كفى زاجرًا واعظًا تشيب منه الذوائب، يا غافلاً فاته الأرباح وأفضل المناقب، أين البكاء والحزن والقلق لخوف العظيم الطالب أين الزمان الذي فرطت فيه ولم تخش العواقب، أين البكاء دما على أوقات قتلت عند التلفاز والمذياع والكرة والسينماء والفيديو والخمر والدخان والملاعب واللعب بالورق والقيل والقال.

**************

غَفَلْتُ وَحَادِيْ المَوتِ فِي أَثَرِيْ يَحْدُو … فَإِنْ لَمْ أَرُُُُحْ يَوْمِيْ فَلا بُدَّ أَنْ أَغْدُ

أَنَعِّمُ جِسْمِيْ بِاللَّبَاسِ وَلِيْنِهِ … وَلَيْسَ لِجِسْمِيْ مِنْ لِبَاسِ البِلَى بُدُّ

كَأَنِّيْ بِهِ قَدْ مَرَّ في بَرْزخِ البِلَى … وَمِِنْ فَوْقِهِ رَدْمٌ وَمِنْ تَحْتِهِ لَحْدُ

وَقَدْ ذَهَبَتْ مِنِّيْ المَحَاسِنُ وَانْمَحَتْ … وَلَمْ يَبْقَ فَوْقَ العَظْمِ لَحْمٌ وَلا جِلْدُ

أَرى العُمْرَ قَدْ وَلَّى وَلَمْ أَدْرِك المُنَى … وَلَيْسَ مَعِيْ زَادٌ وَفي سَفَرِيْ بُعْدُ

وَقَدْ كُنْتُ جَاهَرْتُ المُهَيْمِنَ عَاصِيًا … وَأَحْدَثْتُ أَحْدَاثًا وَلَيْسَ لَهَا رَدُّ

وَأَرْخَيْتُ خَوْفَ النَّاسِ سِتْرًا مِنْ الحَيَا … وَمَا خِفْتُ مَنْ سِرّيْ غَدًا عِنْدَهُ يَبْدُو

بَلَى خِفْتُهُ لَكِنْ وَثِقْتُ بِحِلْمِه … وَأَنْ لَيْسَ يَعْفُو غَيْرُهُ فَلَهُ الحَمْدُ

فَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَيءٌ سِوَى المَوْتِ والبلى … عَن اللَّهْوِ لَكِنْ زَالَ عَنْ رَأْيِنَا الرُّشْدُ

عَسَى غَافِرُ الزَّلاتِ يَغْفِرُ زَلَّتِي … فَقَدْ يَغْفِرُ المَوْلَى إِذَا أَذْنَبَ العَبْدُ

أَنَا عَبْدُ سُوْءٍ خُنْتُ مَوْلاي عَهْدَهُ … كَذَلِكَ عَبْدُ السُّوءِ لَيْسَ لَهُ عَهْدُ

فَكَيْفَ إِذَا أَحْرَقْتَ بِالنَّارِ جُثَّتِي … وَنَارُكَ لا يَقْوَى لَهَا الحَجَرُ الصَّلْدُ

أَنَا الفَرْدُ عِنْدَ المَوْتِ وَالفَرْدُ في البِلَى … وَأَبَعَثُ فَرْدًا فَارْحَمْ الفَرْدَ يَا فَرْدُ

**************

اقتربت الساعة وقرب التحول والمسير، وأزفت الآزفة وليس هناك حميم ولا نصير وكتبت الصحيفة فلا نسيان لقليل ولا كثير {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [النمل: ٧٥] .

تالله لقد غرت الأماني أكثر خلق الله فتركوا سبيل الهدى وأعرضوا عن دار التهاني والقرار فوقعوا في شرك الردى وتمادوا على التواني وظنوا أن يتركوا سدى ونسوا قوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: ١٨٣] . وقوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: ٣] ، وقوله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: ٥٦] .

عباد الله كيف حالكم إذا قمتم من القبور حيارى حفاة عراة غرلاً، وقد عظمت الأهوال {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى} [الحج: ٢] . ولزمت الصحف الأعناق ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين.

كيف أنتم إذا سمعتم قول الجبار {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ} [ق: ٢٨] ، {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: ٣٠] . وقوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [يس: ٦٠] .

فعند ذلك يؤخذ المجرمون بالنواصي والأقدام، ويطرح في الجحيم من كان له على المعاصي جراءة وإقدام.

ويمرح بالنعيم من قدم الخيرات لدار السلام وعمل الباقيات الصالحات ويحظى بجنة عرضها كعرض السماء والأرض فاتقوا الله عباد الله واسلكوا طريق الشرع القويم الذي لا اعوجاج فيه وقوموا بأوامر المنان ولا تتبعوا خطوات الشيطان.

**************

وَاذْكُرْ وقُوفَكَ في المَعَادِ وَأَنْتَ في … كَرْب الحِسَابِ وَأَنْتَ عَبْدًا مُفْْرَدًا

سَوَّفْتَ حَتَّى ضَاعَ عُمْرُكَ بَاطِلاً … وَأَطَعْتَ شَيْطَانَ الغِوَايَةِ وَالعِدَا

فَانْهَضْ وَتُبْ مِمَّا جَنَيْتَ وَقُمْ إلى … بَابِ الكَرِيْمِ وَلُذْ بِهِ مَتَفَرِّدًا

وَادْعُوهُ في الأَسْحَارِ دَعْوَةَ مُذْنِبٍ … وَاعْزِمْ وَتُبْ وَاحْذَرْ تَكُنْ مُتَرَددًا

وَاضْرَعْ وَقُلْ يَا رَبِّ جِئْتُكَ أَرْتجي … عَفْوًا وَمَغْفِرَةً بِهَا كَيْ أَسْعَدَا

فَلَعَلَّ رَحْمَتَهُ تعُم فإِنَّهَا … تَسَعُ العِبَادَ وَمَنْ بَغَى وَمَن اعْتَدى

وإِذَا أَرَدْتَ بَأَنْ تَفُوزَ وَتَتَّقِي … نَارَ الجَحِيمِ وَحَرَّهَا المُتَوَقِدَا

أَخْلِصْ لِمَنْ خَلَقَ الخَلائِقَ واعْتَلى … فَوْقَ السمواتِ العُلَى وَتَفَرِّدَا

ثُمَّ الصَّلاة على النبيِّ مُحَمَّدٍ … خَيْرِ الوَرَى نَسَبًا وَأَكْرَمَ مَحْتَدًا

**************

عَلَيْكُم بِتَقْوَى اللهِ لا تَتْرُكُوْنَهَا … فِإِنَّ التُّقَى أَقْوَى وأَوْلَى وأَعْدَلُ

لِبَاسُ التُّقَى خَيْرُ الملابِسِ كُلِّهَا … وَأَبْهَى لِبَاسًا في الوُجُودِ وَأَجْمَلُ

فَمَا أَحْسَنَ التَّقْوَى وأَهْدَى سَبِيْلَهَا … بِهَا يَنْفَعُ الإِنْسَانَ مَا كَانَ يَعْمَلُ

فَيَا أَيُّهَا الإِنسانُ بَادِرْ إِلى التُّقَى … وَسَارِعْ إِلى الخَيْرَاتِ مَا دُمْتَ مُمْهَلُ

وَأَكْثِرْ مِن التَّقْوَى لِتَحْمِدَ غِبَّهَا … بِدَارِ الجَزَاء دَارٍ بِهَا سَوْفَ تَنْزِلُ

وَقَدِّمْ لِمَا تَقْدَمْ عَلِيهِ فَإِنَّمَا … غَدًا سَوْفَ تُجزَى بِالذَّي سَوْفَ تَفْعَلُ

وَأَحْسِنْ وَلا تُهْمِلْ إِذَا كُنْتَ قادِرًا … فَدَارُ بَنِيْ الدُّنْيَا مَكَانُ التَّرَحُّلُ

وَأَدِّ فُرُوْضَ الدِّيْنِ وَاتْقِنْ أَدَاءَهَا … كَوَامِلَ في أَوْقَاتِهَا والتَّنَفل

وَسَارِعْ إِلى الخَيْرَاتِ لا تُهْمِلنَّهَا … فَإِنَّكَ إنْ أَهْمَلْتَ مَا أَنْتَ مُهْمَلُ

**************

 انتبهوا وبادروا بالأعمال الصالحات، فإن أعماركم سريعة الانصرام، والأيام والليالي تمر بكم مر السحاب، والدنيا إذا تأملها اللبيب رآها كالسراب، وصدق القائل في وصفها حيث قال:

أَلا كُلُّ حَيٍّ هَالِكٍ وَابْنُ هَالِكٍ … وَذُو نَسَبٍ فِي الهَالِكِيْنَ عَرِيْقُ

إِذَا امْتَحَنَ الدُّنْيَا لَبِيْبٌ تَكَشَّفَتْ … لَهُ عَنْ عَدُوٍ في ثِيَابِ صَدِيْقِ

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى