من كلّ #بستان #زهرة عن #الهجرة
يا مصطفى ولأنت ساكن مهجتي روحي فداك وكلّ ما ملكت يدي
وأنا المحب ومهجتي لا تنثني عن وجـدها وغرامـها بمحمـــــــد
يا رب صلِّ على الحبيب محمد واجعله شافعنا بفضلك في غــــد.
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً
نعم لقد أدبه الله ورباه على عينه.. وشرح له صدره.. ورفع له ذكره ووضع عنه وزره وأعلى له قدره وزكاه في كل شيء.
زكاه في عقله فقال سبحانه: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم :2] وزكاه في صدقه فقال سبحانه: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم: 3] وزكاه في صدره فقال سبحانه: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1]
وزكاه في ذكره فقال سبحانه: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:4] وزكاه في حلمه فقال سبحانه: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة :128] وزكاه في علمه فقال سبحانه: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم: 5] وزكاه في خلقه فقال سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4]
فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خيرُ خلف الله كلهم.. فلقد جمع الله في شخص المصطفى القدرة الحية الكاملة للمنهج التربوي الإسلامي على مدار التاريخ كله.
- فهو رسول يتلقى الوحي من الله جل وعلا ليربط الأرض بالسماء بأعظم رباط وأشرف صلة.
- وهو رجل سياسة يقيم الأمة من فتات متناثر، فإذا هي بناءٌ لا يطاوله بناء وغيرَّ مجرى التاريخ في فترة لا تساوى في حساب الزمن شيئاً.
- وهو رجلٌ حربٍ يضع الخطط، ويقود الجيوش كقائد متخصص في القتال فكان إذا صمتت الألسنة وبلغت القلوب الحناجر قام في الميدان ينادى بأعلى صوته: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ ([
- وهو أب، وزوج، ورب أسرة كبيرة تحتاج كثيراً من النفقات – من نفقات النفس والتربية والتوجيه فضلاً عن نفقات المال – فيقوم بهذا الدور الكبير على أعلى نسق شهدته الأرض وعرفه التاريخ.
- وهو عابد خاشع خاضع لربه كأنه ما خلق إلا للعبادة وكأنه قد تفرغ لها ومع هذا كله فهو قائم على أعظم دعوة شهدتها الأرض، أخذت عقلَه وفكرَه وروحَه وعرقَه ودمهَ كل هذا العظمات، كل هذه الطاقات، وكل هذه الأشخاص المتفرقة تجمع في شخص المصطفى
- فهو القدوة الطيبة والمثل الأعلى الذي يجب ألا تكون سيرته ماضياً أبداً بل يجب أن تكون سيرته الزكية شعلة توقد شموسَ الحياة ودماءً تتدفق في عروق المستقبل والأجيال.
**********************
لماذا الهجرة؟ وللجواب على هذا السؤال قصة. إنها قصة طفل طهور، وديع كالنسيم، ولد يتيما واستمر اليتم يلاحقه ويلاحق طفولته في طرقات مكة ودروبها. ويكبر محمد، وتكبر غربته، ويكتشف في دروب الحياة يتماً أكبر من يتمه، وهَمّاً أثقل من هَمّه.. فالأرض كلها يتم.. والبشرية كلها تئن بالألم ويعصر قلبها الحزن. فالجزيرة العربية كلها غابة من الأصنام، وأودية تسيل بالدماء البريئة والتقاليد المحيرة.
فماذا يفعل محمد سوى أن يهجر هذه البيئة لينطلق بعيداً… بعيداً على قمة جبل النور ليقضى النهار في التأمل والتفكير والتدبر وليقضى الليل في التعبد والتبتل والتضرع. وفي ليلة مباركة من ليالي شهر رمضان يصمت الكون كله.. النجوم في السماء والرمال في الصحراء … والوحوش في البيداء… إنها لحظات فريدة … إنها لحظات تربط الأرض بالسماء.. فهو هو أمين وحي السماء جبريل عليه السلام يتنزل بالوحى على رسول الله ويحمل النبي الأمانة، وانطلق بها إلى قومه وينطلق بها بهجة وبشرى لهم، ينتظر الإجابة، وتأتى الإجابة على غير ما يتمنى.
تأتى الإجابة سباً وتكذيباً وتعذيباً. وتحت وطأة هذا الظلم والطغيان لم يجد النبي بداً من أن يشير على أصحابه بالهجرة.. بالهجرة إلى أين؟ إلى الحبشة لأن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد ولتغسل شلالات الحبشة دموع المؤمنين وأحزانهم.
ويشتد الأذى ويزيد الابتلاء فيخرج الحبيب المصطفى بنفسه يشق الأودية والجبال على قدميه الداميتين المتعبتين تحت حرارة الشمس المحرقة، وعلى الرمال والصخور الملتهبة ولكن إلى أين؟!. إلى الطائف لعله يجد أرضاً تقبل بذرة التوحيد.. لعله يجد يداً حانية تحمل هذا الدين وتنشر معه هذا النور. وإذا بأرض الطائف هي الأخرى تلفظ بذرة التوحيد، وإذا بأهلها يفعلون معه أخس ما يفعله الإنسان بأخيه الإنسان. ولا تزيد الأيام قريشاً إلا بطشاً، وظلماً، وطغياناً، ويأمر النبي أصحابه مرة أخرى بالهجرة.. إلى أين. إلى يثرب. ويشعر المشركون لأول مرة بحجم الخطر ويَعقدُ البرلمان الشركة أخطر اجتماع له في التاريخ لإصدار قرار بالإجماع للقضاء على حامل لواء الدعوة لقطع تيار نورها عن الوجود نهائياً. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ). ويعلم النبي بهذا الاجتماع الخطير فماذا صنع المصطفى؟ والجواب أنه التخطيط الدقيق، والتنظيم المحكم الذي لا يدع أبداً مكاناً للحظوظ العمياء. فلقد كُلف النبي بالهجرة، وعمره ثلاثٌ وخمسون سنة في ظروف صعبة قاسية حتى يرى نفسه مضطراً أن يهاجر بالليل مختفياً هو وصاحبه من أعين المطاردين الذين رصدوا الجوائز المغرية لمن يأتي بمحمد حياً أو ميتاً. فيضع النبي خطة الهجرة بمنتهى الدقة والحكمة.
- فيأذن لسائر المؤمنين بالهجرة ويأمر أن يبقى أبو بكر وعلى رضى الله عنهما.
- والمدينة المنورة تقع إلى الشمال من مكة والمسافر إليها يتجه شمالاً ولكنه يتجه جنوباً ناحية اليمن ليضلل المطاردين.
- والأمر يحتاج إلى دابة قوية فيجئ الصديق براحلتين قويتين ويقوم على أمرهما.
- والطريق يحتاج إلى رجل خبير لا يعرف الطرق الممهدة فقط بل يجب أن يعرف الطرق الجانبية والفرعية التي يمكن أن تُسلك ليتمكنوا من الفرار من المطاردين، ولا حرج أن يكون على الشرك بعدما تيقن من أمانته.
- ولن تهدأ قريش في الأيام الثلاثة الأولى – لا في الليل ولا في النهار – عن البحث عن النبي وصاحبه. إذن فلا بد من الاختفاء في الغار في هذه الأيام.
- وكيف تُعرف الأخبار والخطط التي تدبرها قريش؟!
- يأتي عبد الله بن أبي بكر بالليل لينقل كل ما سمع من أخبار وقبل الفجر يكون في مكة كأنه بات فيها.
- وكيف التغلب على آثار الأقدام على الرمال وأهل مكة يجيدون معرفة الآثار؟! فليأت عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق ليرعى الأغنام فتمحو الآثار ويحلب لهما اللبن، ويقدم لهما الطعام.
- وفي بيت المصطفى ينام عليّ على فراشه، ويلتف ببرده الكريم، حيطة بالغة ودقة محكمة لم يعرف تاريخ البشرية لها مثيلاً.
وهذا هو المعنى الحقيقي للتوكل على الله عز وجل. إنه الاحترام الكامل لقانون السببية الذي أودعه الله في هذا الكون مع الثقة في نصر الله عز وجل. ومع تقدير الإسلام لقانون السببية وتنفيذ النبي له تنفيذاً بليغاً دقيقاً فأنا لا أعرف الآن أمة استهانت بقانون السببية، وخرجت عليه واستَخَفَّت بمقدماته ونتائجه كالأمة الإسلامية اليوم. فنحن أولى الناس بأن نتعرف على إسلامنا، وديننا وأن نعلم أن ما نحياه من واقع مُر أليم إنما وقع وفق السنن الربانية الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير والتي لا تحابي أحداً من الخلق مهما ادعى لنفسه من مقدمات المحاباة.
وكيف يُنسى الصدّيق؟ نعم كيف ينُسى رجلٌ بأمة؟ كيف يُنسى رجل جَنَّدَ ماله وبيته وعقله وفكره ودمه لدين الله عز وجل.. ولم يتلعثم في إيمانه طرفه عين، فلقد كان الصديق طيفاً من الحنان..، وسحابة من الحب تُظِلّ الرسول صلى الله عليه وسلّم وكأني به يود لو صنع من جسده درعاً يحمى به رسول الله. فهو يمشى أمام النبي مرة ويمشي خلفه أخرى، ويلتفت ويكثر الالتفات. فسأله النبي فقال: «يا رسول الله إذا كنت خلفك خشيتُ أن تؤتى من أمامك، وإذا كنت أماك خشيت أن تُؤتى من خلفك» والحديث رواه ابن هشام وهو حديث حسن بشواهده واستمر أبو بكر في ذلك حتى لامست أقدامهما غار ثور. بل خاف على رسول الله أن يدخل إلى هذا الغار المهجور قبل أن يطمئن هو على سلامته فيقول لرسول الله: مكانك يا رسول الله حتى استبرأ، فدخل فاستبرأ، أي تبين، ثم قال: انزل يا رسول الله. يقول عمر رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لعلك الليلة خير من عمر وآل عمر» والحديث رواه البيهقى وهو حديث مرسل لكن له شواهد ترقى به إلى درجة الحسن. وتحتبس أنفاس الصديق ويطير فؤاده وهو يرى أقدام الطغاة الماردين من قريش حول باب الغار ويهجم الخوف والرعب من شقوق الغار من سيوف الطغاة وعيونهم التي تتطاير شرراً وإجراماً. وفى حوار هامس يقول للحبيب المصطفى يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لرآنا. فيرد عليه الحبي بلغه يحدوها الأمل..، وبقلب يملأه اليقين. يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ([- (لا تحزن إن الله معنا) … وإذا كان الأمر كذلك فو الله لو سار مع قريش كل الأحياء..، وانشقت المقابر فخرج كل الأموات..، يسحبون أكفانهم خلف أبي جهل يقلّبون معه حجارة الأرض..، ويزحزحون الجبال..، وينقّبون في الرمال..، ما قدروا أبداً على اثنين الله ثالثهما.
((إلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم)). ومِنْ ثَمَّ استحق الصديق بجداره أن يتبوأ ذروة سنام الصديقين وأن يكون أحب الناس إلى قلب سيد البشرية – كما في الحديث الذي رواه البخاري من حديث عمرو بن العاص أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَهُ علَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، قال عمرو فأتَيْتُهُ فَقُلتُ: أيُّ النَّاسِ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، فَقُلتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: أبُوهَا، قُلتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَعَدَّ رِجَالًا. وفى صحيح البخارى من حديث أبو هريرة أن النبى قال: مَن أنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبيلِ اللَّهِ، نُودِيَ مِن أبْوَابِ الجَنَّةِ: يا عَبْدَ اللَّهِ هذا خَيْرٌ، فمَن كانَ مِن أهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّلَاةِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِن بَابِ الجِهَادِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِن بَابِ الرَّيَّانِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّدَقَةِ، فَقالَ أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: بأَبِي أنْتَ وأُمِّي يا رَسولَ اللَّهِ ما علَى مَن دُعِيَ مِن تِلكَ الأبْوَابِ مِن ضَرُورَةٍ، فَهلْ يُدْعَى أحَدٌ مِن تِلكَ الأبْوَابِ كُلِّهَا، قالَ: نَعَمْ وأَرْجُو أنْ تَكُونَ منهمْ.
******************
إن الهجرة انتهت وفاز بفضلها السابقون الأولون حيث قال سيد البرية -عليه الصلاة والسلام-: “لا هجرة بعد الفتح”، ولكن يمكن للمسلمين اليوم تحصيل بعض معانيها، وتطبيق كثير من أوصافها، وذلك لأن الهجرة هي إحداث التغيير والانتقال في النفس والقلب والجوارح، ويدخل فيها هجران المنهيات والمنكرات إلى ما يحبه الله ورسوله من الصالحات والحسنات، وفي الحديث: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه”؛ فأين نحن اليوم من معاني الهجرة هل أن أعمالنا وسلوكنا وأخلاقنا ومعاملاتنا وسائر أحوالنا تعكس صورة الإسلام؛ ليغير الله بنا من حال الذل إلى العز، ومن حال الفرقة إلى حال القوة والاجتماع والمحبة. من فاته ثواب الهجرة إلى الله ورسوله زمن النبوة فقد شرع الله له هجرة من نوع آخر فيها ثواب عظيم وأجر جزيل إنها هجرة الذنوب والمعاصي، فاهجر المعصية وهاجر إلى الطاعة واهجر التفريط وهاجر إلى الاستقامة، واهجر التمرد والآثام إلى الانقياد والاستسلام، وهاجر بقلبك من الركون إلى الدنيا والاطمئنان إليها إلى الدار الآخرة والرغبة فيها، قال صلى الله عليه وسلم:” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه “.
واهجر الكسل وطول الأمل إلى الجد والاجتهاد في طاعة الله وخاصة في هذه الأيام التي كثرت فيها الفتن والمحن، قال صلى الله عليه وسلم: ” العبادة في الهرج ــ أي زمن الفتن ــ كهجرة إلي”. رواه مسلم.
**********************
إنّ المتتبّع لسيرة النبي المطهّرة يجد أنّه -صلى الله عليه وسلم- كان يحرص دائماً أنْ يخرج من دائرة اليأس والإحباط والقنوط، ويفتح للمسلمين الصابرين من حوله منافذ النجاة وأبواب الأمل؛ فكان يُصبِّر أتباعه ويَعدهم بإحدى الحسنيين؛ إما عزّ الدنيا وإما سعادة الآخرة، ونحن اليوم بحاجة للتأكيد على أنّ طول الطريق وتحدّياته ليس مبرراً للتراجع والنكوص عن الهمّة في الدعوة ونشر رسالة الإسلام السّمحة، والمُشكلة كثيراً ما تأتي من العاجز الكسول، كما الماء الراكد، يتغيّر طعمه ولونه؛ فلا يشرب منه أحد.
**************************
من دروس الهجرة: حفظ الله لنبيه وتأييده له، ويتجلى ذلك عندما أحاط به المشركون من كل جانب، فجعل الله له من بينهم مخرجا، وهذا يدل على أن المسلم متى ما حفظ أوامر الله بالامتثال، ونواهيه بالانتهاء، وحدوده بالوقوف عليها وعدم تجاوزها حفظه الله في الدنيا وبعد الممات، وحفظه في دينه وأهله وماله وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: “احفظ الله يحفظك”.
****************
شعّ الهدى، والبشرُ في بسماتهِ واليُمن والإيمان في قسماتهِ
وتفجرت فينا ينابيع الهدى واستيقظ التأريخ من غفواته
“اقرأ وربُّك” في حراء تحررت والدهر غافٍ في عميق سباتهِ
******************
لقد بعث الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بدعوة تملأ القلوب نوراً، وتشرف بها العقول رشداً؛ فسابق إلى قبولها رجال عقلاء، ونساء فاضلات، وصبيان لا زالوا على فطرة الله. وبقيت تلك الدعوة على شيء من الخفاء، وكفار قريش لا يلقون لها بالاً؛ فلما صدع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أغاظ المشركين، وحفزهم على مناوأة الدعوة والصد عن سبيلها؛ فوجدوا في أيديهم وسيلة هي أن يفتنوا المؤمنين، ويسومونهم سوء العذاب، حتى يعودوا إلى ظلمات الشرك، وحتى يرهبوا غيرهم ممن تحدثهم نفوسهم بالدخول في دين القيّمة.
أما المسلمون فمنهم من كانت له قوة من نحو عشيرة، أو حلفاء يكفون عنه كل يد تمتد إليه بأذى، ومنهم المستضعفون، وهؤلاء هم الذين وصلت إليهم أيدي المشركين، وبلغوا في تعذيبهم كل مبلغ.
ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقاسيه أصحابه من البلاء، وليس في استطاعته حينئذ حمايتهم، أذن لهم في الهجرة إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، ثم لحق بهم في المدينة.
********************
من دروس الهجرة: التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب من عوامل النجاة، فلا ينبغي على المسلمين اليوم أن يتواكلوا وينتظروا خرق النواميس الكونية؛ ليتحقق لهم النصر بل لابد من الاستفادة من جميع الوسائل المتاحة، ومن ثم التوكل واليقين والثقة بالله ليأتي النصر والفرج، وقد دل على ذلك استعداد رسولنا الكريم للهجرة الاستعداد الكامل، والاستعانة بالخبرة ومعرفة الطرق والخروج خفية وتسمع الأخبار ونحوها قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) [الأنفال:60].
ويتجلى ذلك من خلال استبقاء النبي صلى الله عليه وسلم لعلي وأبي بكر معه؛ حيث لم يهاجرا إلى المدينة مع المسلمين، فعليّ رضي الله عنه بات في فراش النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه صحبه في الرحلة. ويتجلى كذلك في استعانته بعبدالله بن أريقط الليثي وكان خبيراً ماهراً بالطريق. ويتجلى كذلك في كتم أسرار مسيره إلا من لهم صلة ماسّة، ومع ذلك فلم يتوسع في إطلاعهم إلا بقدر العمل المنوط بهم، ومع أخذه بتلك الأسباب وغيرها لم يكن ملتفتاً إليها بل كان قلبه مطوياً على التوكل على الله عز وجل.
**********************
من دروس الهجرة: الثقة بنصر الله ووعده عند الشدائد وكمَال اليقينِ بمعيّة الله تعالى لعبادِه المؤمنين يقيناً راسخاً لا تزعزِعُه عواصِف الباطل، ولا يُزلزِله إرعادُ أهلِه ولا إبراقهم، ولا يهزّه تهديدُهم ولا وعيدهم، فحين عظُم الخَطب وأحدَق الخطرُ ببلوغ المشركين بابَ الغارِ الذِي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، قال أبو بكر رضي الله عنه: والله يا رسول الله، لو أنَّ أحدَهم نظر إلى موضعِ قدمَيه لرآنا، فقال رسول الله: ” يَا أبَا بَكر، مَا ظنُّكَ باثنَين اللهُ ثالثُهما”. فأنزَلَ سبحانه مصداقَ ذلك في كتابه: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
وأيُّ معيّةٍ تعدِل معيةَ الله؟ إنّها الحِصن الحَصين من كلِّ الغوائِل، والعدّة في كلِّ شدةٍ، والدّرع الواقي من سهام البوائِق والشّرور، لكنَّ هذه المعيّةَ الخاصّة التي تكون بالتّأييد والتّوفيق والحِفظ والمعونةِ والنّصر إنّما جعلها الله تعالى لأوليائِه المتّقين المحسِنين الذين بذلوا حقَّ الله عليهم في توحِيده وإفرادِه بالعبادةِ وتركِ الإشراكِ به، ثمَّ بامتثال أوامرِه والانتهاء عمَّا نهاهم عنه.
**********************
من دروس الهجرة: حفظ الله لرسوله ونصرته لدينه وإعلاء كلمته مع محاولة الكفار قتله والقضاء على دينه. وما يحدث هذه الأيام من محاولات جبارة ماكرة للقضاء على هذا الدين وحفظ الله له رغم الكيد الكبار لأكبر شاهد على تكفل الرب عز وجل بحفظ دينه وإعلاء كلمته: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}.
************************
من دروس الهجرة: حب المؤمنين لنبيهم صلى الله عليه وسلم فقد رُوي في قصة الهجرة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يمشي تارة أمام النبي صلى الله عليه وسلم وتارة خلفه وتارة عن يمينه وتارة عن شماله، خوفاً من أن يأتيه مكروه فيفديه بنفسه رضي الله عنه. وهكذا كان بقية أصحاب رسول الله، كانوا يفدونه بأموالهم وأبنائهم وأنفسهم وهذا هو حال المؤمنين في كل زمان.
ومن علامات محبة النبي متابعته فيما يأمر به وعدم تقديم أي أمر على أمره. وتلك هي المحبة الحقيقية {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.
*********************
من دروس الهجرة : أثر الشباب ودورهم العظيم في نصرة الدين ، ففي موقف عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما، ذلك الشاب الثقف اللقِن, حيث كان يدلج من عند النبي وصاحبه رضي الله عنه بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت فيها , فلا يسمع أمرًا تكيده قريش للنبي إلا وعاه ، حتى يأتيهما حين يختلط الظلام فينقل لهما الأخبار ، وهذا يجلِّي أثر الشباب في الدعوة إلى الله ودورهم في الأمة ونصرة الدين والملة، والحفاظ على مقدرات أوطانهم ومجتمعاتهم ، فليحذر شبابنا من الدعوات التي تدعوهم الى الشبهات والفرقة والاختلاف وشق الصف ، أو تلك الدعوات إلى تدعو إلى تخديرهم بالشهوات والملهيات وتغييبهم عن ساحات التأثير في الوقت الذي نرجو فيه أن يضطلعوا بمهمات الحفاظ على الدين والقيم، والرباط على ثغور الأخلاق والمبادئ أمام المتغيرات المتسارعة ودعاوَى العولمة والعلمنة.
وفي موقف أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ما يجلِّي دور المرأة والفتاة المسلمة في خدمتها لدينها ودعوتها، فعندما كان الصديق رضي الله عنه يحزم الأمتعة ويعدها للسفر لم يجد حبلاً ليربط به زاد الطعام والسقاء فأخذت أسماء رضي الله عنها نطاقها الذي كانت تربطه في وسطها فشقته نصفين وربطت به الزاد ، فسميت ذات النطــاقين رضي الله عنها .
فهذه هي المجاهدة الصادقة الصابرة أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين رضى الله عنهما التي قدمت أروع المثل في التضحية والتعقل. تقول أسماء: لمَّا خرَجَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وخرَجَ معه أبو بكرٍ، احتمَلَ أبو بكرٍ مالَه كُلَّه معه: خَمْسةَ آلافِ دِرهمٍ، أو سِتَّةَ آلافِ دِرهمٍ. قالتْ: وانطلَقَ بها معه. قالتْ: فدخَل علينا جَدِّي أبو قُحافةَ وقد ذهَبَ بَصَرُه، فقالَ: واللهِ إنِّي لأَراه قد فجَعَكم بمالِه مع نَفسِه، قالتْ: قلتُ: كلَّا يا أبَهْ، إنَّه قد ترَكَ لنا خيرًا كثيرًا. قالتْ: فأخذْتُ أحجارًا، فوضعتُها في كُوَّةِ البيتِ، كان أبي يضَعُ فيها مالَه، ثمَّ وضعتُ عليها ثوبًا، ثمَّ أخذتُ بيَدِه، فقلتُ: يا أبَهْ، ضعْ يدَكَ على هذا المالِ. قالتْ: فوضَعَ يدَه عليه، فقال: لا بأْسَ، إنْ كان قد ترَكَ لكم هذا، فقد أحسَنَ، وفي هذا لكم بَلاغٌ. قالتْ: ولا واللهِ ما ترَكَ لنا شيئًا، ولكنِّي قد أردتُ أنْ أُسكِنَ الشَّيخَ بذلك. والحديث رواه ابن إسحاق وأحمد بسند صحيح. ولا عجب فإنها الزهرة التي تربت في حقل الإسلام، ورباها الصديق بتربية القرآن والسنة.
هذا هو دور المرأة المسلمة تجاه دينها: النصرة والدعوة وإرضاع الأجيال دينهم مع لبنها. لا كما يريد دعاة المدنية الزائفة أهل الشهوات والمآرب الفاسدة الذين أجلبوا على المرأة بخيلهم ورجلهم زاعمين زوراً وبهتانا أن تمسكها بثوابتها وقيمها واعتزازها بحجابها وعفافها تقييد لحريتها ومصادرة لشخصيتها. وقد انطلت هذه الخدعة على بعضٍ من النساء فخرجن من بيوتهن يبحثن عن سعادة موهومة وراحة مزعومة في التبرج والسفور ونزع حجاب الحياء، فكانت النتيجة تلوث الشرف وذهاب الحياء وانتشار المنكرات والزنا والخنا.
******************
من دروس الهجرة: ضرورة الإخلاص والسلامة من الأغراض الشخصية: فما كان عليه الصلاة والسلام خاملاً، فيطلب بهذه الدعوة نباهة شأن، وما كان مقلاً حريصاً على بسطة العيش؛ فيبغي بهذه الدعوة ثراء؛ فإن عيشه يوم كان الذهب يصبّ في مسجده ركاماً كعيشه يوم يلاقي في سبيل الدعوة أذىً كثيراً.
***************
من دروس الهجرة: الاعتدال حال السراء والضراء: فيوم خرج عليه الصلاة والسلام من مكة مكرهاً لم يخنع، ولم يذل، ولم يفقد ثقته بربه، ولما فتح الله عليه ما فتح وأقر عينه بعز الإسلام وظهور المسلمين لم يطش زهواً، ولم يتعاظم تيهاً؛ فعيشته يوم أخرج من مكة كارهاً كعيشته يوم دخلها فاتحاً ظافراً، وعيشته يوم كان في مكة يلاقي الأذى من سفهاء الأحلام كعيشته يوم أطلت رايته البلاد العربية، وأطلت على ممالك قيصر ناحية تبوك.
****************
من دروس الهجرة: اليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين. فالذي ينظر في الهجرة بادئ الرأي يظن أن الدعوة إلى زوال واضمحلال. ولكن الهجرة في حقيقتها تعطي درساً واضحاً في أن العاقبة للتقوى وللمتقين. فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلّم بسيرته المجاهد في سبيل الله الحق أن يثبت في وجه أشياع الباطل، ولا يهن في دفاعهم وتقويم عوجهم، ولا يهوله أن تقبل الأيام عليهم، فيشتد بأسهم، ويجلبوا بخيلهم ورجالهم؛ فقد يكون للباطل جولة، ولأشياعه صولة، أما العاقبة فإنما هي للذين صبروا والذين هم مصلحون.
********************
من دروس الهجرة: أن النصر مع الصبر فقد كان هيناً على الله عز وجل أن يصرف الأذى عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة، ولكنها سنة الابتلاء يؤخذ بها النبي الأكرم؛ ليستبين صبره، ويعظم عند الله أجره، وليعلم دعاة الإصلاح كيف يقتحمون الشدائد، ويصبرون على ما يلاقون من الأذى صغيراً كان أم كبيراً.
******************
من دروس الهجرة: الحاجة إلى الحلم، وملاقاة الإساءة بالإحسان: فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقى في مكة قبل الهجرة من الطغاة والطغام أذىً كثيراً، فيضرب عنها صفحاً أو عفواً، ولما عاد إلى مكة فاتحاً ظافراً عفا وصفح عمن أذاه.
***************
من دروس الهجرة: انتشار الإسلام وقوته: وهذه من فوائد الهجرة، فلقد كان الإسلام بمكة مغموراً بشخب الباطل، وكان أهل الحق في بلاء شديد؛ فجاءت الهجرة ورفعت صوت الحق على صخب الباطل، وخلصت أهل الحق من ذلك الجائر، وأورثتهم حياة عزيزة ومقاماً كريماً.
*************
من دروس الهجرة أن من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه: فلما ترك المهاجرون ديارهم، وأهليهم، وأموالهم التي هي أحب شيء إليهم، لما تركوا ذلك كله لله، أعاضهم الله بأن فتح عليهم الدنيا، وملّكهم شرقها وغربها.
*******************
من دروس الهجرة: ظهور مزية المدينة: فالمدينة لم تكن معروفة قبل الإسلام بشيء من الفضل على غيرها من البلاد، وإنما أحرزت فضلها بهجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام أصحابه إليها، وبهجرة الوحي إلى ربوعها حتى أكمل الله الدين، وأتم النعمة، وبهذا ظهرت مزايا المدينة، وأفردت المصنفات لذكر فضائلها ومزاياها.
******************
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار التي تمّت بتوجيهٍ نبوي كريم من أبرز سمات المجتمع الإسلامي الجديد، حيث حملت المؤاخاة تأكيداً على أنّ رباط العقيدة ونسب الدّين أوثق من نسب الدم، ولم تكنْ هذه المؤاخاة صورة فارغة المضمون، بل ترجمها المسلمون عملياً عندما أظهروا كلّ محبة وإيثار بعضهم لبعض، فصار مجتمع المسلمين يضم في أكنافه الحبشي والفارسي والرومي والقرشي إخوة متحابين في الله، مصداقاً لقوله -سبحانه-: (وَإِن يُريدوا أَن يَخدَعوكَ فَإِنَّ حَسبَكَ اللَّـهُ هُوَ الَّذي أَيَّدَكَ بِنَصرِهِ وَبِالمُؤمِنينَ* وَأَلَّفَ بَينَ قُلوبِهِم لَو أَنفَقتَ ما فِي الأَرضِ جَميعًا ما أَلَّفتَ بَينَ قُلوبِهِم وَلـكِنَّ اللَّـهَ أَلَّفَ بَينَهُم إِنَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ)
******************
من دروس الهجرة: حقيقةَ أنّه لا إكراه في الدين، وأنّ الاختلاف سنّة كونية من سنن الله، لذا كانت وثيقة المدينة، التي اعتمدها النبي -صلى الله عليه وسلم- لتنظيم العلاقة بين المسلمين واليهود، وعلاقة المسلمين أنفسهم بعضهم ببعض إعلاناً واضحاً وصريحاً على أنّ رسالة الإسلام يتّسع صدرها للآخرين ولو كانوا على غير دينهم -ما داموا مُسالمين-، فالإسلام دين يقبل بالتعدّدية، ولا يُكْرِه أحداً على الدخول فيه، بل ويحترم خصوصية أتباع الديانات الأخرى، وستظلّ هذه الوثيقة وبنودها شاهد حقّ ودليل صدق على سماحة الإسلام، وردّاً على من يرمي الإسلام بالإرهاب والقمع ونبذ الآخر، (وَاللَّـهُ غالِبٌ عَلى أَمرِهِ وَلـكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ)
*******************
وقفة للتأمل – لقد مضى عام من أعمارنا، فقربنا إلى الله عاماً، وأبعدنا عن الدنيا عاماً. فهل تأملنا وتدبرنا هذا؟ وهل سألنا أنفسنا: ماذا قدمنا؟ فإن الإنسان يذكر القريب ولكن كلما ضرب الزمن بأيامه ولياليه..، فإن الجروح تندمل..، والمعالم تنمحي، وينشغل الإنسان بحاضره وينسى ما مضى. ولكن، هل ما ينساه الإنسان ينساه الديان؟؟
فهيا أيها المسلمون لدين الله ودعوة رسول الله. فكل واحد منكم يستطيع أن يدرك؛ ثواب الهجرة..
ففي الحديث الصحيح عن مقبل بن يسار أن النبيّ قال: «العبادة في الهرج كهجرة إلىّ (والمراد بالهرج هنا: الفتن، فالهرج: عندما تكثر الفتن وتنتشر الرذيلة. فالصبر على الدين والعبادة، ينال به التقى الصابر أجر وثواب الهجرة إلى رسول الله. لأن الهجرة لم تُكَرَّم لأنها سفر من مكان إلى مكان. فما أكثر الذين يسافرون فالهجرة لم تكرم على إنها سفر، لكنها كرمت لأنها انتقال عقدي ونفسي وفكري وروحي إلى حيث يريد الله ورسوله