من صور البطولة على ساحة الأرض المقدسة – 7 / موسى العدوان

من صور البطولة على ساحة الأرض المقدسة – 7
الهجوم الثاني على اللطرون في 30 مايو 1948
وبطولة الملازم عبد المجيد المعايطه

” لا يمكن تفسير هذا الموقف الغريب سوى أن القرارات الحاسمة اتخذها سياسيون لا خبرة لهم بالحرب. وأن القادة العسكريين تنازلوا عن عسكريتهم وخبرتهم، وقبلوا تحمل مسؤولية خوض معركة سياسية، تدل كل الأعراف العسكرية أن مصيرها الفشل.

وللإنصاف والتاريخ أرى من العدالة استثناء الأردن من هذه المسؤولية، لأنه دخل الحرب بكل ما كان لديه من قوات دفعة واحدة. وصحيح أنها ليست كبيرة، ولكنها كانت كل قواته المسلحة ولم يتخلف منها أحد. هذا بالإضافة إلى أن هذا البلد كان يعرف صعوباته تماما. وهو يعرف أيضا أن جيشه يقوده ضباط بريطانيون، وأن ميزانيته وأسلحته تقدم له من الحكومة البريطانية التي تربطه معها معاهدة رسمية، ومع ذلك فإن جيشه كان فعالا في الجبهة أكثر من غيره”.
” اللواء الركن صادق الشرع ”

* * *

مقالات ذات صلة

بعد أن فشل العدو في هجومه الأول على اللطرون بتاريخ 25 مايو 1948، كان متوقعا أن يعيد الكرة بهجوم أكبر على تلك المنطقة، لمحاولة احتلالها وفتح الطريق إلى القدس، نظرا لما كانت تعانيه قواته فيها من نقص في الذخائر، وما يعانيه السكان من ضيق بسبب نقص المواد التموينية وشح المياه. استمرت الاشتباكات بين الطرفين في القدس خلال هذه الفترة، وقد خسرت الكتائب الأردنية من القتلى والجرحى ما يتراوح بين 15 – 20 % من مرتباتها دون تعويض.

حدثت تطورات خطيرة جدا في هذه الآونة، فبتاريخ 29 مايو 1948 وافق مجلس الأمن الدولي على قرار تقدمت به بريطانيا، يدعو العرب واليهود للموافقة على عقد هدنة لمدة أربعة أسابيع، ودعوة جميع دول العالم للامتناع عن تزويد أي من الأطراف المشتركة في القتال بالأسلحة والمعدات الحربية.
وبناء عليه اتخذت قرارا في نفس اليوم بسحب جميع الضباط البريطانيين المعارين للجيش الأردني من منطقة العمليات الحربية قبل يوم 30 مايو ( أي مهلة 24 ساعة فقط ). علما بأن بريطانيا هي التي فرضت علينا استعارة هؤلاء الضباط، وحالت دون تدريب أعداد كافية من الضباط الأردنيين، وتأهيلهم لقيادة وحدات الجيش طيلة ربع قرن.

وإضافة إلى ذلك امتنعت عن تزويد الجيش الأردني بكافة أنواع الأسلحة والذخائر، وأوقفت صرف المعونة المالية للجيش، وأبلغت هذا القرار رسميا إلى الحكومة الأردنية. وبالمقابل تم حشد 3 ألوية للهجوم على اللطرون بقيادة العميد الأمريكي ماركوس، ولم يجرِ سحب الضباط والفنيين الأمريكيين من العمل مع القوات اليهودية.

في مساء 30 مايو 1948 شن العدو هجومه الثاني على مواقع الجيش الأردني في اللطرون وباب الواد، مبتدئا بقصف مدفعي مكثف استمر لمدة ساعتين متواصلتين. وقبيل منتصف الليل تقدمت قواته برتلين، أحدهما تتقدمه كتيبة مدرعات تتبعها قوة مشاة باتجاه مركز بوليس اللطرون، بهدف اقتحام المركز ثم التقدم بعد ذلك لتدمير مدفعيتنا المتمركزة خلفه، وإحداث اختراق من ميمنة دفاعاتنا باتجاه رام الله. الرتل الثاني والمكون من كتيبة بلماخ ( صاعقة ) تتبعها كتيبة مشاة أخرى باتجاه باب الواد بهدف احتلال مرتفعات ( يالو )، والالتفاف خلف دفاعاتنا من جهة اليسار

كانت القوة المدافعة عن مركز بوليس اللطرون، مكونة من فصيل مشاة زائد رشاشين فكرز وتحيط بالمركز الأسلاك الشائكة والخنادق والتحصينات. وكانت قوات العدو تتكون من 35 آلية من بينها مدرعات وناقلات جنود ومدافع هاون. وعندما وصلت هذه القوة إلى مدخل المركز ومحاولتها فتح الباب الحديدي بالأوكسجين، أمطرتهم القوات المدافعة بنيران الرشاشات والقنابل اليدوية وصواريخ ( البيات )، فأوقعت بهم إصابات بالغة. ولكن الموقف كان خطيرا نظرا لتفوق القوات المهاجمة على القوات المدافعة بعدة أضعاف، وتضرب طوقا من الحصار حول المركز من جميع الجهات.

وأمام هذا الموقف الخطير، قام قائد الفصيل الملازم عبد المجيد عبد النبي المعايطه بالطلب من قائد الكتيبة، أن تطلق المدفعية على موقعه في مركز بوليس اللطرون، نار تخليص الأرواح ( ( S O Sوهذا الطلب يتضمن بطولة انتحارية وشجاعة نادرة، لأنه سيتعرض هو وجنوده إلى نيران القصف المدفعي من قواتنا. واستجابة لذلك الطلب ما هي إلا فترة وجيزة، حتى انصبت قنابل المدفعية والهاون بتجميع رهيب على مركز البوليس من قبل قواتنا، فدمرت عددا كبيرا من آليات العدو وأوقعت به خسائر فادحة بالأرواح والمعدات. كما أدت إلى استشهاد الملازم عبد المجيد المعايطه مع عدد من جنوده، في آخر مراحل هذه المعركة عند طلوع الفجر يوم 31 مايو 1948 . وفي منطقة الكتيبة الثانية دام الاشتباك حتى الفجر، انسحبت بعدها القوات اليهودية خارج المنطقة.

وهكذا فشل العدو في هجومه الثاني على منطقة اللطرون وباب الواد، وكانت خسائره التي تركت على أرض المعركة عدا عمن تم إخلاءهم معه كالتالي: على واجهة الكتيبة الثانية 58 قتيلا إضافة للأسلحة والذخائر التي تركها خلفه، وعلى واجهة الكتيبة الرابعة 103 قتلى، إضافة لأربع مدرعات يهودية و200 بندقية وعدد من الرشاشات والذخائر. أما خسائر الكتيبتين الثانية والرابعة من الشهداء والجرحى فكانت محدودة. رحم الله الشهداء والمتوفين الذين دافعوا عن الأرض المقدسة.
المراجع:
– أيام لا تنسى / سليمان موسى.
– حروبنا مع إسرائيل / صادق الشرع.
– تاريخ الأردن في القرن العشرين / منيب الماضي وسليمان موسى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى