من صندوق الذاكرة… ممنوعات في مطار دوسلدورف

من صندوق الذاكرة…
ممنوعات في مطار دوسلدورف
جمال الدويري

قبل حوالي عقدين ونصف من الزمن، كنت في مطار دوسلدورف الألماني، لاستقبال صديق مصري، قادما من القاهرة، وبعد ان تأخر في قاعة القادمين، سألت عنه بالاستعلامات، فقيل لي بعد التحري، انه موجود لدى جمارك المطار، لأنهم وجدوا بحوزته ممنوعات، حاولت الاستفسار عن طبيعة هذه الممنوعات، فامتنع المسؤول الأمني عن البوح بأية تفاصيل اخرى، حفاظا على قانون حماية الخصوصية، ولكنه اقترح عليّ اصطحابي الى حيث يجري التحقيق مع الصديق المذكور، لمساعدة سلطات المطار بالترجمة، حيث صديقنا لم يكن يتقن الألمانية الا لماما.
اجر لورا واجر لقدام، رافقت الرجل الى مكاتب ادارة جمارك المطار، وكلي خوف وأمل أن لا يكون صديقي المحتجز قد اتى امرا فريّا، ولكنه وبعد وصولي اليه مباشرة، وقفت على حقيقة وماهية الممنوعات التي حاول ادخالها معه، وقد حمدت الله على ثقتي وحسن ظني وحسن اختياري للأصدقاء بالغالب، سيما وأن الصديق صارحني بأن كيلو البسطرمة موضوع الخلاف، كانت هدية لي من ارض الكنانة، ويرفض اتلافها من قبل الجمارك الألمانية، لوجود حظر الماني في حينه، على ادخال مواد غذائية من افريقيا.
وقد حاولنا المستحيل، مع ضباط الجمارك ومديرهم، لتمرير الصفقة والمضبوطات، دون جدوى، ولقد وظفت كل اللطف والدهاء والحيلة، وكان الجواب: اتلاف.
وأخيرا مازحت ضابط الجمارك: اعطوني اللحمات، بوكلهن هون قدامكو. ضحك الرجل حتى بانت نواجذه، ثم اعتدل بجلسته، وأعاد لوجهه ملامح الجدية والرسمية وقال: هير دويري، انت هنا على الأرض الألمانية، ولا يحق لنا ان نسمح لك بتناولك ممنوعات قد تؤذيك، وبعلمنا.
اقنعوني اولاد الدايخه، بل افحموني، فأقنعت صديقي ان يتنازل عن لفيفة البسطرمة، لتطبيق القانون وليتم اتلافها، وحتى نستطيع مغادرة المطار.
وأنا اهم بالمغادرة، مازحت شباب الجمرك قائلا: ضيعتوا علي البسطرمات، فأجاب احدهم ضاحكا: بعد نص ساعة تقلع اللوفتهانزا الى القاهرة، روح اشبع باس..تير…ما، وارجع.
شكرت المعازيب على لطفهم، وحسن معاملتهم ووفائهم للقانون، واصطحبت صديقي المغتاظ جدا، وقد بدأ بالسب والشتم والقدح والذم، بالصعيدي، على الألمان وجدودهم، حتى ان ادولف هتلر قد طالته طرطوشة. وقد اسقط في ايدينا، عندما تحدث احد الضباط بلسان صعيدي حذق طلق غير ذي عوج وهو يبتسم: فيه ايه يا راجل، هو احنا حنسب ونشتم على شان حتة بسطرمِه، اعتذرت عن صديقي، وفهمت من الجمركي انه مصري الأصل من الصعيد، متجنس ويعمل مع الجمارك الألمانية، ونسي ان يذكر انه خبيث، لم يساعد صديقي بالترجمة ولم يفصح له عن اصوله العربية، لغاية في نفس يعقوب.
عاتبته على ذلك، وضحك الجمع، ثم غادرنا بعد اكثر من ساعة تأخير كاملة بمحاولة انقاذ البسطرمه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى