مقال الأحد 28-1-2018
النص الأصلي
من حقّي أعرف
لأول مرة أشعر أن الكتابة لغو ، واجترار غير مفيد ، وأن مهمّة المراقب هي لفظ مهذّب للوصف “طرطور”، لأول مرة أشعر أن الناصح الأمين ثرثار مزعج ، والوطني المخلص “بياع كلام” ، ومن كان يشجّعك على الاستمرار بالكتابة قائلاً “قلمك سلاح في وجه الفساد” كان يجاملك حتى تستمر في المناطحة بقرون من طين وتقبض الراتب ، وهو يعرف أن هذا القلم لم يعد يصلح حتى في “تنكيش الأذان”..أشعر أن مهنتي في هذا الزمن صارت كمن يركّب باباً خشبياً بلا جدران في الصحراء ويصر على تجريب القفل وتثبيت زرّ الأمان ،أو كمن يحاول وقف تسريب سدّ مائي كبير بــ”نتفة” علكة أخرجها من فمه ، هو يعرف أن كل ما يقوم به من محاولات إصلاح لن تجدي مع التدفق القادم والفيضان الجارف لكنه يقدّم استطاعته حتى لو كانت هذه الاستطاعة جنون أو انتحار.
واستمراراً لمهنة (المراقب) التي عادة ما تعطي للصحفي والكاتب الصحفي..سأعلق على ما نشرته رئاسة الوزراء أول أمس من مقارنة سعرية للخبز على صفحتها لعدة دول عربية مجاورة لتبين للقارئ أن الخبز الوطني ما زال الأقل سعراً بينها وكتبت فوقها هاشتاق “حقّك تعرف”.جميل !! وبما أن الحكومة تقول بلسانها حقّك تعرف ، فمن حقي أعرف مصاريف الدولة كلها بنداً بنداً ، وموازنات الجهات غير المدرجة في الموازنة التقليدية التي تعرض على مجلس النواب ، من حقي أعرف حجم المصروفات العامة والخاصة التي يغذّيها خبز الناس ومحروقاتهم وضرائبهم وكم تبلغ.. “ليس لدي مشكلة برقم المخصصات، لكن على الأقل يجب ان يحدد الرقم ” ، من حقي أعرف كل ما يتعلّق بالصرف وأين تذهب الأموال المجموعة من الضرائب بالتفصيل دون تدليس أو مواربة أو تسكيت..من حقي أعرف كم سيعيش وطني؟ فأنا والله أخاف عليه كما أخاف على أولادي وأكثر..
من حقي أعرف متى سنعلن كل شيء بشفافية؟ متى سنحاسب المعتدي على المال العام؟ كم يأخذ رئيس الوزراء غير راتبه المخصص في “عرف الرواتب” ؟ متى سننتخب مجلساً نيابياً مستقلاً لا يغير مواقفه بتغير قيمة الشيكات المقدّمة اليه ، من حقي أعرف متى سنؤسس لدولة جديدة بشكل جديد تقوم على المؤسسية والمحاسبة والديمقراطية إذا دفعنا فيها فلساً واحداً دفعناه مطمئنين بأنه سيعود علينا بعشرة أمثاله تعليماً وصحة ومعيشة..أنا لا أكتب مقالات للنشر ولا لترضى عنها إدارة التحرير او رئيس الحكومة ولو كنت أريد ذلك ، لكتبت لكم عن المطبات والكلاب الضالة و لمبات الشوارع.. أنا اكتب ليرضى عني ضميري والوطن..أنا أكتب لا ليعيش وطني اليوم ويمرض غداً ..أنا أكتب عنه ليعيش ألف عام ولا يموت!.
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com