من المهزوم في سورية؟

سواليف

في اليوم الأخير من مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة (2-3 تموز/ يوليو 2012) طلب ناصر القدوة، نائب كوفي أنان والمبعوث الدولي للأمم المتحدة بما يخص الأزمة السورية، اللقاء مع ممثلين أربعة يمثلون بالتساوي المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطنية. قال لهم إن هناك بياناً صدر عن الأزمة السورية قبل ثلاثة أيام في جنيف وافقت عليه الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهو أتى حصيلة لتوافق أميركي- روسي، وطلب منهم تضمين البيان الختامي للمؤتمر تأييداً لبيان جنيف. وافق عضوا هيئة التنسيق على ذلك وهما حسن عبدالعظيم وعبد العزيز الخيِر، فيما رفضه فاروق طيفور عضو المكتب التنفيذي في المجلس ونائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية وأعلن «العزم على إسقاط النظام السوري بالقوة».
كان فاروق طيفور منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2011 المكلف بتأطير المنشقين عن الجيش السوري في كتائب مسلحة، وكان شرطه لتقديم الدعم لهم ولكل من يحمل السلاح أن تكون رايته إسلامية. في تموز 2012 سقطت معظم أحياء حلب ودير الزور بأيدي الفصائل المسلحة المعارضة وحصل تفجير «خلية الأزمة» في حي الروضة بدمشق ونُفذت محاولة عسكرية كبيرة من الغوطة الشرقية للوصول إلى أحياء دمشق، وكان ذلك الشهرَ الأقسى على السلطة السورية طوال عمر الأزمة. في 11 أيلول (سبتمبر) 2012 قتل اسلاميون مرتبطون بتنظيم «القاعدة» السفير الأميركي لدى ليبيا أثناء وجوده في بنغازي، وهو ما أحدث زلزالاً في دوائر صنع القرار الأميركي دفعها نحو فك التحالف مع الاسلام الإخواني، هذا التحالف الذي نسج على عجل في مرحلة ما بعد سقوط الرئيس المصري حسني مبارك. في 31 تشرين الأول 2012 شنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون هجوماً علنياً على المجلس الوطني السوري وطالبت بتغييره إلى جسم سياسي جديد، متهمة إياه بالخضوع لهيمنة الاسلاميين. وعلى إيقاع ما قالته كلينتون عقد في الدوحة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 اجتماع ضم أطراف «المجلس» وقوى وشخصيات سياسية أخرى من أجل انشاء الجسم الجديد بحضور وزيري خارجية تركيا وقطر والمندوب الأميركي روبرت فورد. ناور الاسلاميون بشدة من أجل منع ولادة هذا الجسم الجديد ولما عجزوا اتجهوا للمناورة نحو السيطرة عليه، وقد عاونهم على ذلك رياض الترك زعيم حزب الشعب الديموقراطي الذي اضطر روبرت فورد ووزير الخارجية القطري إلى التفاوض معه عبر السكايب من أجل نيل موافقته على ولادة الجسم الجديد الذي سمي «الائتلاف الوطني»، ولكن مقابل إضافة الفقرة الخامسة التالية التي اقترحها الترك على اتفاق الدوحة: «عدم الدخول في حوار أو مفاوضات مع النظام القائم».
كان الرياضات الثلاثة هم المظلة للعمل المسلح المعارض: مراقب عام جماعة الاخوان المسلمين رياض الشقفة، رياض الترك، رياض الأسعد مؤسس «الجيش الحر». كان اتجاه هؤلاء الثلاثة معاً نحو العمل المسلح قد أتى إثر فشل العمل السلمي المعارض في تكرار ما جرى في مصر مع الرئيس مبارك، وقد شجعتهم على ذلك التجربة الليبية لما استجر العمل المسلح المعارض تدخل حلف شمال الأطلسي لإسقاط حكم القذافي في آب (أغسطس) 2011 بعد خمسة أيام من مطالبة باراك أوباما الرئيس السوري بالتنحي. وكانت هناك عملية تلازم بين المسارين عندهم: عمل مسلح محلي يقود عبر المواجهات مع السلطة وسيناريو العنف والعنف المضاد إلى تدخل عسكري خارجي لم يكن بعيداً طلبه عبر وسائل الاعلام من هؤلاء الثلاثة، أو ممن يتبعهم. وقف هؤلاء الثلاثة وما يمثلونه ضد رئيس الائتلاف الشيخ معاذ الخطيب عندما اقترح في شباط (فبراير) 2013 مبادرة للحوار مع السلطة السورية، وأطاحوه على خلفية ذلك، وهم وما يمثلونه كانوا وراء عدم الدخول في مفاوضات حقيقية مع السلطة السورية في «جنيف2» عام 2014 و «جنيف3» عام 2016.
خط هؤلاء الثلاثة هو الذي هُزم في سورية 2011- 2017: كانت المحطة الأولى في مسار هذا الثالوث المهزوم هو تخلي واشنطن عن تحالفها مع الاسلاميين الذي بانت ملامحه في اتفاق 7 أيار (مايو) 2013 في موسكو عندما نزعت واشنطن الملف السوري من الأتراك وسلمته إلى الروس، ثم بانت ملامحه أكثر في تأييد واشنطن لما جرى في مصر يوم 3 تموز 2013 ضد حكم «الاخوان».
عندما حصل توقيع اتفاق الكيماوي السوري بين كيري ولافروف في 14 أيلول2013 أبلغت أوساط ديبلوماسية غربية كل كيانات المعارضة السورية بأن الاتفاق يحوي اتفاقاً ضمنياً يقضي بتخلي واشنطن عن مطلبها تنحي الرئيس السوري مقابل ضمان روسي بنزع الكيماوي السوري وضمان روسي ثان بتنفيذ بيان «جنيف1» الذي جرى تضمينه بنصه الكامل بعد أسبوعين في القرار 2118 الدولي الخاص بالكيماوي، وهو ما قاد إلى انعقاد «جنيف2».
كانت المحطة الثانية في هذا المسار سقوط الموصل بيد «داعش» يوم 10 حزيران 2014 وصدور القرار الدولي 2170 الذي عنى أولوية مكافحة الإرهاب على ما عداه في أجندات واشنطن، وبالذات بعدما اصبحت الرايات السود لـ «داعش» و «النصرة» هي الأقوى والأبرز في العمل العسكري السوري المعارض. لولا سقوط الموصل ما كان باراك اوباما ليعقد الاتفاق النووي مع خامنئي في 14 تموز 2015 ولا ليسمح لبوتين بالتدخل العسكري في سورية يوم 30 أيلول 2015، وقد كان التفاهم الأميركي- الروسي في محطات «فيينا 1 و2» والقرار 2254 و «جنيف3» و «جنيف4» كافية للقول إن الكرملين لا يعمل في سورية بالتضاد مع البيت الأبيض. هذا التفاهم الأميركي- الروسي هو الذي أقنع أردوغان خلال لقائه بوتين في موسكو يوم 9 آب 2016 بالتخلي عن دعم المسلحين في حلب مقابل قطع «الرواق» الكردي (جرابلس- الباب- أعزاز) وهو ما بدأه أردوغان في 24 آب بذكرى معركة مرج دابق. من دون 9 آب لا يمكن تفسير ما جرى في حلب يوم 22 كانون الأول2016. كانت استعادة السلطة السورية مدينة حلب ضربة نوعية للمعارضة السورية المسلحة مثلما كان العكس في تموز2012. ومن دون 22 كانون الأول 2016 لا يمكن تفسير الانهيار المطّرد في الأشهر التسعة من عام2017 لمجمل العمل المسلح المعارض تقريباً في أنحاء الأرض السورية.
هنا، يمكن القول إن هذا الخط، الذي قام على ركنين: العمل المسلح المعارض والاستعانة أو استجرار التدخل العسكري الخارجي لإحداث تغيير داخلي قد تمت هزيمته. هذا الطرف المهزوم يتألف من ثلاثة أفرقاء: الاسلاميين والليبراليين الجدد والعسكريين المنشقين. أما أطراف المعارضة السورية التي نادت بالتغيير عبر الانتقال السياسي وفقاً لبيان جنيف والقرارين 2118 و2254 فلم تهزم. لا يمكن ارجاع سورية بعد ست سنوات ونصف عاصفة إلى يوم 17 آذار (مارس) 2011. المجتمع الدولي في واشنطن وموسكو ومقر الاتحاد الأوروبي في بروكسيل يدرك أن التسوية السياسية عبر بيان جنيف1 والقرارين 2118 و2254 هي الطريق الوحيد لحل الأزمة السورية التي زعزعت الاستقرار الاقليمي والعالمي وكانت بيئة خصبة لمنظمات الارهاب العالمي أكثر من أفغانستان 1989- 2001 وعراق ما بعد 9 نيسان 2003، وقد قالت فيديريكا موغيريني صراحة في تشرين الثاني 2016 أمام وفد معارض سوري إن عملية إعادة الاعمار في سورية لن تبدأ أو تتم من دون حصول تسوية سياسية حقيقية تبنى على بيان «جنيف1» والقرارات الدولية ذات الصلة.

الحياة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى