
من المسؤول .. تعليق المشاركة بالانتخابات
حبيب أبو محفوظ
ربما يكون قرار حزب جبهة العمل الإسلامي بتعليق مشاركته بالانتخابات البلدية، واللامركزية القادمة، بمثابة جرس إنذار للحكومة للبحث في الأسباب الموجبة التي دفعت أكبر حزب سياسي في الأردن لإتخاذ هذا القرار ومبرراته، والمعلوم عن الحركة الإسلامية مشاركتها الدائمة والفاعلة في مختلف الاستحقاقات الانتخابية التي تبدأ بـالبرلمان، ومجالس البلديات، وصولاً إلى النقابات المهنية، على مبدأ “الأصل المشاركة لا المقاطعة”.
حالة “الاستعصاء السياسي”، التي تمر بها البلاد، ترجمها التقرير الذي أصدره مركز راصد للدراسات، فنجد أن من اتخذ قرار عدم المشاركة بالانتخابات البلدية واللامركزية القادمة، هو صاحب العلاقة نفسه، الشعب، حيث بينت الدراسة أن 23.2% من الأردنيين ينوون المشاركة في الانتخابات البلدية، و 60.9% من الأردنيين لا ينوون المشاركة في الانتخابات المقبلة، أما الذين لم يحسموا قرار المشاركة من عدمها فقد وصلت نسبتهم إلى 15.9%، وهي أرقامٌ صادمة اعتدنا قراءتها في الفترة الأخيرة عند الحديث عن اقتراب (العرس الديمقراطي) في الأردن.
قرار القوى السياسية في البلاد بتعليق المشاركة بالانتخابات أو مقاطعتها بصورةٍ كاملة، من الطبيعي أن تثير مخاوف وقلق صانع القرار، فجميع الاتجاهات والمؤسسات المحلية والدولية ترغب برؤية انتخابات تحظى بمصداقية عالية من خلال مشاركة الجميع ناخبين ومرشحين، وبمستويات قياسية عالية، وهذه ليست أمنية، بقدر ما هي فعل سياسي يتطلب من مطبخ القرار تذليل كافة العقبات التي تدفع حزباً كـ”العمل الإسلامي”، لاتخاذ هذا الموقف بدلاً من شيطنة الحزب، واستدعاء الحالة الـ”دونكيشوتية”، واستنفاذ ما تبقى من وقت في محاربة طواحين الهواء بحثاً عن هزيمتها.
قرار الحركة الإسلامية بإعلان تعليق المشاركة بالانتخابات، هو في نهاية المطاف فعل سياسي، له منطقه ومبرراته الموضوعية، قد يختلف معه البعض، وقد يرضي آخرين، إلا أن من يدعمون القرار، يتحدثون عن أسبابهم، التي لا تقف عند حد التضييق على الحريات الحزبية، أو عدم وجود رغبة حقيقية عند الحكومة بالإصلاح، ولا تتوقف عند الحديث عن الاستهداف السياسي الممنهج، وهي مصطلحات تجد لها صداً عند شريحةٍ واسعة من الأردنيين، والحديث عن تعليق المشاركة، وليس المقاطعة قد يبقي الباب مفتوحاً أمام الجميع للاستدارةِ أو الإستدراك، كما أنه يضع الكرة الملتهبة في حجر الحكومة.
إن المناخ السياسي (الصحي) للشباب والنشطاء السياسيين، للتعبير عن آرائهم السياسية لا يكون سوى باستخدام آلياتٍ وقنوات ديمقراطية تقليدية، أي بالمشاركة في الاقتراع والانتخاب، والاشتراك في الأحزاب السياسية التي تكون بمثابة السكة التي يسير عليها قطار الديمقراطية، وبالتالي وجود أي خلل في هذه المنظومة السياسية يعني أننا قد خرجنا عن مسارنا، وهنا تقع الكارثة، التي يجب علينا جميعاً أن ندفع نحو استبعاد حدوثها، تحت عنوان: “المصلحة الوطنية العليا”.
إن تغيير زاوية النظر للمشكلات الحقيقة التي تمر بها البلاد، قد تكون سبباً مباشراً بعد ذلك لردم الفجوة السياسية بين الدولة، والأحزاب بما فيها المعارضة، وعلى رأسها حزب جبهة العمل الإسلامي، وهو ما يعني العمل سوياً لبث الروح في الممارسة السياسية الحقيقة التي تعيد للشعب إرادته في إتخاذ القرار (دون تدخلات) أو محاولات تغيير أو تزييف، وهو المدخل الصحيح للتشاركية بين مكونات المجتمع الواحد، عملاً بدولة القانون، والعمل الوطني المشترك.