من الركام إلى الأمل.. غزة تبحث عن حياة بين 60 مليون طن من الدمار

من #الركام إلى #الأمل.. #غزة تبحث عن حياة بين 60 مليون طن من #الدمار

قراءة في نظريات الهدم والبناء،

بقلم: #نورالدين_نديم

في غزة، حيث لم يبقَ حجر على حجر، تقدر الجهات الهندسية والدولية حجم الركام الناتج عن العدوان الأخير بأكثر من ستين مليون طن من الأنقاض المنتشرة في كل شارع وحيّ.
رقمٌ يفوق الخيال، ويكفي _بحسب تقديرات خبراء- لملء أكثر من مليونَي شاحنة، تمتد قافلتها من رفح حتى عمّان.

مقالات ذات صلة

لكن السؤال الذي يطرح نفسه :
هل ستتحول هذه الجبال من الركام إلى عبء بيئي جديد؟ أم يمكن أن تكون هي بذرة الإعمار المقبلة؟

يقول مختصون في إعادة التدوير إن الركام ليس مجرد أنقاض، بل مادة خام يمكن أن تشكل أساسًا لإعادة البناء المستدام.
فبعد عمليات الفرز والسحق، يمكن تحويله إلى ركام معاد التدوير يُستخدم في تعبيد الطرق، أو كأساس للبنى التحتية الجديدة.
وتشير الدراسات إلى أن هذا النوع من المواد قد يوفّر ما يقارب 60% من كلفة مواد البناء في ظل صعوبة الاستيراد والحصار المفروض على القطاع.

الركام ذاته يمكن أن يتحول إلى طوب وبلوك جديد، إذا ما أُنشئت مصانع صغيرة تعتمد على خلط الأنقاض المعاد تدويرها بالإسمنت والماء.
تجارب مشابهة جرت في سوريا وأوكرانيا واليمن، ونجحت في إنتاج وحدات بناء صالحة وآمنة، بتكلفة أقل وبتشغيل مئات الأيدي العاملة المحلية.
حتى الحديد المستخرج من داخل الركام يمكن صهره وإعادة استخدامه، ما يخفف من الحاجة لاستيراد المعادن النادرة في ظروف الحصار.

الركام لا يقتصر على كونه موردًا للبناء، بل يمكن أن يصبح حلاً بيئيًا هو الآخر.
فالمواد الصلبة الناتجة عن التدوير يمكن استخدامها في ردم المناطق المنخفضة، أو تسوية الأراضي المتضررة، أو حتى في إنشاء حواجز ساحلية لحماية الشاطئ من التآكل.
وفي تجارب أوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، تم تحويل جبال الأنقاض إلى تلال خضراء ومتنزهات عامة أصبحت رموزًا للنهضة والذاكرة.

التعامل مع الركام في غزة ليس مجرد مشروع هندسي، بل قضية سيادية وإنسانية في آن واحد.
فإعادة التدوير يمكن أن تفتح آلاف فرص العمل للمهندسين والعمال، وتعيد الثقة بقدرة الغزيّين على النهوض من تحت الدمار.
كما يمكن إنشاء “صندوق وطني لإعادة تدوير الركام” بإشراف محلي ودولي، يموّل مصانع ومشاريع إعادة الإعمار المستدام.

في النهاية، لا يمكن أن تُروى قصة غزة فقط بلغة الأرقام ونظريات الأمل، ولا بلغة اللطم والألم أيضًا، وإنّما بلغة الفعل والإنجاز على أرض الواقع، بعيدًا عن ضجيج السياسة وغوغاء الانتهازيين.
ففي كل حجر مهدوم هناك إرادة كامنة في نفوس النّاس بإعادة البناء، والبدء ليس من جديد..

ستون مليون طن من الحطام قد تبدو لعنة، لكنها أيضًا رصيد من الإرادة بانتظار من يحوله إلى بداية جديدة.
غزة كالعنقاء تستطيع أن تنهض، حتى ولو من تحت الركام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى