مطالبي جدّاً صغيرة
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر بتاريخ … 18 / 8 / 2018
لماذا لا تنقسم الكائنات مثلنا بين معارضة وموالاة؟.. لماذا لا تلبس العصافير الريش العسكري المموّج مدعية الوطنية؟.. لماذا لا تضع الأرانب صورة الزعيم في غرف نومها؟.. وكيف تتجرّأ الخراف أن تطأ الصفحة الأولى من جريدة يومية قذفتها الريح إلى السهول القاحلة؟.. باختصار لأنها لا تؤمن بدساتير التأليه كلها، ولا تصنع من “تجشؤ” الزعيم حكمة وحكاية وبعد نظر، وبالتالي هي لا ترتجي أن يوضع “الدولار” في قائمة طعامها اليومي، ولا تخاف أن يوضع “إصبع ديناميت” تحت مقعدها في طريق العودة.. لذا هي لا تؤمن بكلام الثرثرات وضجيج العبيد في قباء القصور، هي تنصت لشفتي الأرض والسماء كيف تنطقان التاريخ بشكل صحيح.
أنظر أحياناً إلى نفسي الجوانية فأكتشف كم أنا مبتلى بإنسانيتي، ترى لم عليّ أن أحتمل كل هذا الوجع والاحتفاظ بألواح الأحلام المكسورة لأصنع منها طوّافة حياة، لم عليّ أن أعيد رفو مفهومي للوطن كالقميص الممزّق.. وأنا الحالم بأقل الممكن كأي كائن حي كُتب له أن يولد أو يفقس من بيض القهر على هذه الأرض.
أريد أن أرى وطني رقماً صعباً في طاولات الأمم، كرسيه محط أنظار، ورايته رسالة رعب، فقد مللنا العتبات ودور “بائع العلكة”.. أريد لوطني أن يمزّق كل الرسائل المشبوهة ويعيد كل المغلفات المذلّة والزكوات الدولية
بالمناسبة أنا مطالبي جدّاً صغيرة، أمنيتي أن أصبح كأي عصفور بلا ملفّ أمني، لا أحد يطلبني، ولا أحد يتبعني، ولا أحد يرصد كلامي أو توقيت منامي، الشمس وحدها من يحق لها أن ترشّ على وجهي رذاذ الضوء لتوقظني، فأزقزق ملء رئتي للحرية، الزقزقة هي نشيدي الوطني وهي تسابيحي الطوعية لسيد الكون.. أطلقها لا تملقاً ولا خوفاً ولا التزاماً في طابور العبودية الصباحي.. أزقزق لأني هبة الله للمكان وأمارس “عصفوريتي”!.
مطالبي جدّاً صغيرة.. أريد لهذا الوطن أن يصبح وطناً لا فندقاً للأغنياء، من يملك يعيش، ومن لا يملك عليه الإخلاء قبل الساعة الثانية عشرة، لا أريد فكرة “القرصان والسيد” في وطني.. لا أريد أن يبقى الطاهي المنسي في الطابق السفلي يحضّر طوال النهار وردة من شوكولاتة ليأكلها السيد في الطابق العلوي بدقيقة واحدة، أريده أن يتذوقها هو قبل غيره، أريده وطناً كبيراً ككل شيء.. لا أريد أن أرى الرصيف مزدحم بالجالسين، أريده أن يمتلأ بالمارين إلى أعمالهم أو إلى بيوتهم، أريد الأيادي تمتد لتعطي، لا تمتدّ لتتسوّل، أريد الشاحنات البطيئة تحمل بضائع المصانع في الصباح الباكر وتئن من ثقل الإنتاج، أريد الحقول أن تدخّن نتاجها من مداخن الجرّارات.
أريد وطناً يشبه تلك الأوطان التي أراها في “ناشيونال” جيوغرافيك، أوطان كبيرة وممتلئة وقوية، تغرق الأسواق إن هي صدّرت، وتربك الأسواق إن هي توقّفت.. أريد أن أرى المهندسين في وطني يشرحون لمذيع الناشيونال جيوغرافيك كيف استطاعوا بناء ناطحة سحاب في أسبوع وكيف تحمل الرافعات العملاقة جسوراً حديدة ثقيلة تكسر عين الشمس عندما تدور شمالاً وجنوباً.. أريد أن أرى وطني رقماً صعباً في طاولات الأمم، كرسيه محط أنظار، ورايته رسالة رعب، فقد مللنا العتبات ودور “بائع العلكة”.. أريد لوطني أن يمزّق كل الرسائل المشبوهة ويعيد كل المغلفات المذلّة والزكوات الدولية.. ويحمل فأسه إلى أرضه ويبدأ رحلة البحث عن الكرامة والحفر على الحياة.
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com